أصوات مغاربية

تقرير حقوقي يحذر من تداعيات الاكتظاظ على حقوق السجناء بالمغرب

فؤاد الفلوس - الرباط
29 نوفمبر 2024

حذر تقرير حقوقي حديث في المغرب من تداعيات معضلة الاكتظاظ بالسجون المغربية على حقوق السجناء بعد أن أصبح معدل الاكتظاظ وفق تقارير رسمية يقدر بـ 159٪ ومتوسط المساحة المخصصة لكل سجين 1.74 متر مربع.

جاء ذلك في تقرير أصدره "المرصد المغربي للسجون" برسم سنة 2023 نبه فيه إلى أن الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية "بلغ مستوى خطيرا وجعل المندوبية العامة لإدارة السجون تدق ناقوس الخطر حيث بلغ عدد الساكنة السجنية سنة 2023، 102 ألف و653 سجين وسجينة، ضمنهم 38552 سجناء احتياطيون، وتشكل الفئة العمرية من 18 إلى 30 سنة حوالي 50٪".

وقال المرصد في تقريره إن "واقع الاكتظاظ بالسجون المغربية يحول حياة السجناء إلى جحيم ويكدس السجناء كسلعة وليس كبشر يجب أن توفر لهم الكرامة الإنسانية بغض النظر عما ارتكبوه في حق المجتمع من مخالفة منهم للقانون الذي ينظم حياة الناس"، مشيرا إلى معاناة السجناء من التكدس وانتقال الأمراض المختلفة خاصة المعدية بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية والآثار النفسية والاجتماعية نتيجة للاكتظاظ.

"انشغالات كبرى"

وتطرق التقرير إلى عدد من الانشغالات الكبرى التي تشهدها السجون المغربية، ومن بينها الاعتقال الاحتياطي باعتباره موضوع العديد من المنظمات الحقوقية نظرا لما يعرفه من ارتفاع متزايد وجدل كبيرا في الآونة الأخيرة بين أوساط القانونيين والحقوقيين، مسجلا أن "نسبة المعتقلين احتياطيا في المغرب في ارتفاع مطرد، وقد بلغت حتى 27 أكتوبر الماضي نحو 45.27٪ من عدد السجناء البالغ عددهم 84 ألفا و393 معتقلا، وهي أعلى نسبة تسجل منذ عام 2011".

ويرى التقرير أن مسألة العود تشكل عاملا من العوامل التي تقف وراء ظاهرة الاكتظاظ وترتبط بقاضايا أخرى ذات الصلة بأنسنة السجون، موضحا أنه "على الرغم أن السياسة الجنائية الحديثة غايتها الحد من الجريمة والوقاية منها وكذا التأهيل والإصلاح فإن ظاهرة العود صورة دالة على فشل السياسة العقابية وبرامج التأهيل في الوصول إلى الأهداف المشار إليها".

وانتقد المرصد في تقريره، استمرار المحاكم المغربية في إصدار أحكام بالإعدام وأن البلاد "لا زالت تمتنع عن التصويت لصالح وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، رغم أن المغرب أوقف تنفيذ هذه العقوبة منذ أكثر من ثلاثة عقود (1993)".

وأكد المصدر ذاته، أن عقوبة الإعدام تشكل انتهاكا جسيما للحق في الحياة، الذي يعد حقا أصيلا وساميا ومطلقا، بدونه لا وجود لأية حرية أو عدالة"، لافتا إلى "المنتظم الدولي أقر بشكل صريح إلغاء عقوبة الإعدام، على اعتبار أنها انتهاك للحق في الحياة، وعقوبة في منتهى القسوة والوحشية والامتهان للكرامة البشرية".

"ظروف غير إنسانية"

وفي تعليقه على الموضوع، يؤكد الكاتب العام لـ"المرصد المغربي للسجون"، عبد الله مسداد، أن "الاكتظاظ له آثار مباشرة على حقوق السجناء خاصة حق الإيواء الذي يفترض أن يضمن الحفاظ على كرامة الإنسان"، مردفا أن "الواقع يعكس ظروفا غير إنسانية بسبب التكدس مما يحرم السجناء من الحد الأدنى للمعايير المقبولة للإقامة داخل الزنازين".

ويتابع مسداد حديثه لـ"الحرة" أن "الاكتظاظ يؤثر على جودة التغذية بسبب الميزانية المحدودة ويؤدي إلى الضغط الكبير على الخدمات الصحية وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية، إلى جانب زيادة احتمالات انتشار الأمراض الجلدية والعدوى".

ويشير مسداد إلى أن الاكتظاظ يعيق تنفيذ برامج التأهيل وإعادة الإدماج التي تستهدف إعادة دمج السجناء في المجتمع، منبها إلى أن "التكدس يؤدي إلى تفاقم النزاعات بين السجناء وتزايد العنف مما يترتب عليه تدخلات قد تصل إلى سوء المعاملة وهو ما يعكس خللا في إدارة النزاعات داخل السجون".

ويرى المتحدث ذاته، أن الاكتظاظ يرتبط بأسباب أعمق من الاعتقال الاحتياطي وحالات العود ومن أبرزها الجرائم الناتجة عن الفقر، مطالبا بإصلاحات تشمل سياسات اجتماعية واقتصادية للحد من الجريمة ورفع التجريم عن أفعال بسيطة مثل التسول والاستهلاك الشخصي للمخدرات، داعيا إلى تبني بدائل عقابية تحقق العدالة وتحد من الجريمة.

"انتشار الجريمة"

ومن جانبه، يرجع المحامي والحقوقي عبد المالك زعزاع، الاكتظاظ في السجون إلى "ضعف تطبيق السياسات الجنائية البديلة مثل الكفالة والمراقبة القضائية وعدم الالتزام بالفكر الحقوقي الذي يركز على إثبات البراءة قبل الإدانة"، ويقول في تصريح لـ"الحرة"، إن "هذا القصور القضائي يفاقم الاكتظاظ وينتج ممارسات تتجاهل الحقوق الأساسية للمعتقلين".

ويؤكد زعزاع أن "انتشار الجريمة مرتبط بالهدر المدرسي وضعف التربية وأنه بدلا من معالجة هذه المشكلات الاجتماعية والتربوية يتم الزج بالشباب في السجون لأسباب بسيطة"، مشددا على ضرورة تعزيز دور التعليم والتكوين والتأهيل الاجتماعي لمعالجة الجريمة من جذورها مع توفير بدائل إصلاحية أكثر فعالية.

وفي هذا الصدد، يرى زعزاع أن "الاكتظاظ يعكس قصورا مجتمعيا شاملا حيث لا تؤدي المؤسسات الدينية والتربوية أدوارها بالشكل الكافي"، لافتا إلى أن انتشار الجريمة بين الأحداث والشباب والنساء يبرز الحاجة إلى سياسات مجتمعية متكاملة تشمل التربية والتأهيل وخطابا دينيا فعالا يعالج الظواهر الانحرافية".

ولم يستبعد المصدر ذاته، أن يخفف تفيعل العقوبات البديلة من الاكتظاظ إذا تم تفعيلها بطريقة إيجابية وبعقلية حقوقية"، مشددا على أن ذلك يتطلب تأهيل القضاة وتطبيقا عمليا سليما مع إرادة سياسية حقيقية لضمان تنفيذ الأحكام بشكل فعال.

المصدر: الحرة

فؤاد الفلوس

تتهم دول مغاربية إيران بمحاولة التغلغل فيها
تتهم دول مغاربية إيران بمحاولة التغلغل فيها

فجأة، باتت الخطوط الجوية الرابطة بين طهران والعواصم المغاربية تشهد حركة غير مسبوقة، بعد خفوت علاقات دام سنوات ووصل في بعض الأحيان لحد القطيعة.

الأسبوع الماضي لوحده شهد تحركات إيرانية وزيارات رسمية واتصالات هاتفية مع بلدان مغاربية بشكل متزامن، وسط العزلة التي تعرفها إيران دوليا بسبب سياساتها المريبة وتأثيراتها على استقرار بلدان الشرق الأوسط.

لماذا كثفت إيران تحركاتها في المنطقة المغاربية الآن بالضبط؟ ما علاقة ذلك بوضع إيران الدولي حاليا؟ وهل سيؤدي إلى تغلغل إيراني أكبر في الشؤون المغاربية إلى تحويل المنطقة إلى بؤرة توتر؟

تحركات إيرانية

أنهى رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، إبراهيم عزيزي، السبت، زيارة إلى تونس التقى خلالها كبار المسؤولين البرلمانيين والسياسيين في هذا البلد المغاربي.

ووصل عزيزي إلى تونس قادما من الجزائر التي التقى فيها وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف ومسؤولين آخرين بينهم عميد جامع الجزائر محمد المأمون القاسمي الحسني.

وكانت تونس قد قررت، في يونيو الفائت، إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول، في خطوة سبقتها زيارة من الرئيس قيس سعيّد هي الأولى إلى طهران منذ 1979، للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم طائرة.

إيران تتقرب من المغرب.. لماذا الآن؟
بعد سنوات من التوترات التي وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب اتهام المغرب لإيران بدعم جبهة البوليساريو، أعادات التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إثارة تساؤلات حول محاولات طهران في التقرب من الرباط وتحسين العلاقات بين البلدين.

وجاءت هذه الزيارات بعد أيام من تصريح أسال حبرا كثيرا في المغرب، أدلى به المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي وقال فيه إن بلاده "ترحب دائما بتحسين وتوسيع العلاقات مع دول الجوار ودول المنطقة والدول الإسلامية"، مضيفا "تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح".

وكان المغرب قد قطع علاقاته مع إيران في العام 2018، متهما طهران بدعم جبهة البوليساريو.

وتزامنا مع ذلك كله، استقبل وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، في الـ23 من شهر نوفمبر الفائت، سفير إيران بموريتانيا، جواد أبو علي أكبر، من أجل "استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها"، حسب وكالة الأنباء الموريتانية.

نفوذ بتكلفة منخفضة

وتثير هذه التحركات تساؤلات حول الأهداف التي تسعى طهران إلى تحقيقها في المنطقة المغاربية، وهل تسعى إلى إنشاء منطقة نفوذ على مقربة من السواحل الأوروبية.

إجابة على هذه الأسئلة، يقول الباحث الإيطالي في مجموعة الأزمات الدولية ريكاردو فابياني، في تصريح لموقع "الحرة"، إنه "لا يمكن الحديث عن استراتيجية إيرانية واضحة في هذه المنطقة، التي تظل بعيدة عن المصالح الأساسية لطهران، والتي تتركز بشكل رئيسي في الشرق الأوسط".

ويرى فابياني، الذي يدير مشروع شمال إفريقيا في المجموعة، أن "إيران تسعى حاليا إلى استغلال الفرص لتوسيع علاقاتها ونفوذها بتكلفة منخفضة، نظرًا للقيود الاقتصادية التي تواجهها والضغوط التي تتعرض لها في الشرق الأوسط".

نفى الرئيس التونسي التضييق على ترشح منافسيه في الانتخابات المقبلة - صورة أرشيفية.
تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟
قررت تونس، إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول، في خطوة سبقتها زيارة من الرئيس قيس سعيّد، هي الأولى إلى طهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، للمشاركة في تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم طائرة مايو الماضي.

بناء أو إعادة بناء العلاقات في شمال إفريقيا، حسب فابياني، "يمكن أن يكون مفيدًا لإيران في أوقات الحاجة؛ ففي حال تعرض إيران لهجوم من إسرائيل أو ضغوط كبيرة من إدارة ترامب المقبلة، قد تكون العلاقات مع دول أخرى مفيدة على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي من حيث التجارة أو التهريب، على سبيل المثال".

أما بالنسبة للمحلل السياسي التونسي، عبد الجليل معالي، فيفسر في تصريح لموقع "الحرة"، ما يعتبره "تصويبا من إيران لاهتماماتها نحو مناطق لا تجمعها بها مشتركات دينية ومذهبية كثيرة" بتراجع حضورها في العالمين العربي والإسلامي خصوصا بعد الضربات التي تلقاها حزب الله في لبنان وحماس في غزة، إضافة إلى التحديات المحيطة بالميليشيات العراقية "ذات الهوى الإيراني". 

نشر الفوضى

وفي ظل التوترات الأمنية التي تعيشها ليبيا ودول الساحل القريبة منها، تبرز إلى الواجهة أسئلة حول إذا ما كانت إيران تسعى إلى زرع الفوضى في شمال إفريقيا، قرب حدود أوروبا.

ويجيب فابياني على السؤال بالقول إنه حتى لو كانت طهران تسعى لذلك بالفعل، فإنها تفتقر إلى الموارد والقدرات اللازمة لنشر الفوضى في شمال إفريقيا.

أعلام الجزائر والمغرب والعلم الذي تستخدمه جبهة البوليساريو
البوليساريو والمسيرات الإيرانية.. مسؤول صحراوي يرد واتهامات جزائرية مغربية متبادلة
أثارت تصريحات السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بشأن امتلاك جبهة "بوليساريو"، مسيرات إيرانية الصنع وتدريب عناصر الجبهة على يد قوات إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، حالة من الجدل في الأوساط السياسية، بين تأكيد لتلك الاتهامات التي طالت "الجزائر" أيضا، ونفي على جانب آخر وحديث عن "إدعاءات باطلة".

ويضيف أن منطقة شمال إفريقيا "بعيدة جدًا عن إيران، وموارد طهران محدودة للغاية في الوقت الحالي، وهي تحت ضغوط خارجية كبيرة تجعلها عاجزة عن إحداث الفوضى في هذه المنطقة".

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، خالد يايموت، أنه "لو كان لإيران القدرة على إحداث الفوضى في شمال إفريقيا لكانت قد قامت بذلك خلال الفترة الفاصلة بين 2011 و2017"، في إشارة إلى السنوات التي عقبت اندلاع ثورات بدول مغاربية كليبيا وتونس، بالتزامن مع احتجاجات "الربيع العربي" في بقية بلدان المنطقة.

ويعتبر يايموت في تصريح لموقع "الحرة" أن "إيران الآن أضعف حاليا مما كانت عليه سواء تعلق الأمر بالوضع الداخلي أو التأثير الخارجي".

هل ترضخ الدول المغاربية؟

يستبعد الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، رضوخ الدول المغاربية لرغبة إيران في إقامة علاقات على نحو أوسع.

ويقول جاد في تصريح لموقع "الحرة" إن الدول العربية "عادة ما تتحفظ من الانفتاح الكبير على إيران لطالما أنها تتبنى مبدأ تصدير الثورة وتفتح مراكز ثقافية للتشيع".

ويرجح الباحث المصري أن تكون الدول المغاربية "شديدة الحرص على عدم وجود تعاون كبير"، إذ ستأخذ دول كتونس والمغرب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران بعين الاعتبار.

أما في ما يتعلق بالجزائر، فيشير جاد إلى أن هذا البلد قد يرحب بتوسيع التعاون مع إيران، لكنه "يخشى أيضا من التشيع والمراكز الثقافية الإيرانية والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول".

ويردف أن "المشكلة الأساسية لإيران هي عملها بمبدأ تصدير الثورة وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول وقد حصل ذالك في لبنان والعراق وسوريا واليمن"، متابعا أن "إيران لا تقيم علاقات طبيعية مع الدول حيث أن علاقاتها مع مصر مثلا مازالت مقطوعة، إذ تقيم علاقات مع جماعات إرهابية سنية وشيعية".

من جانبه، يضع الأستاذ بالجامعة المغربية خالد يايموت تحركات إيران الراهنة في المنطقة المغاربية في سياق "محاولة لخلق نفس جديد في شمال إفريقيا هدفه استعادة المحيط العربي الذي يبدأ من الخليج وينتهي عند المغرب وموريتانيا".