طاقم طبي بمستشفى جامعي في الجزائر - أرشيفية
طاقم طبي بمستشفى جامعي في الجزائر - أرشيفية

يواصل طلبة العلوم الطبية في الجزائر إضرابهم الذي شرعوا فيه منذ أكتوبر الماضي، احتجاجا على "معدلات البطالة والظروف الصعبة لممارسة مهنة الطب والأجور المتدنية"، في وقت يعرف فيه القطاع هجرة أعداد كبيرة من الأطباء سنويا نحو فرنسا وباقي دول العالم.

ويطالب التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية الذي يقود حملة الاحتجاجات بـ"تحسين التكوين، وتوفير المؤطرين، وزيادة المنح وفرص التخصص، وتحسين ظروف التربص، وتوفير مناصب العمل للأطباء البطالين، ورفع التجميد عن توثيق الشهادات" لتعادل شهادة الطب الدولية لتمكينهم من العمل في الخارج.

30 ألف طبيب جزائري في الخارج

وتوجد في الجزائر 15 كلية للعلوم الطبية، يتخرج منها نحو 5000 طبيب سنويا من مختلف التخصصات الطبية، كما رفعت الحكومة عدد الملحقات الجامعية لتدريس الطب من 13 إلى 21 ملحقة، فيما لازال التوظيف في قطاع الصحة محدودا.

ويؤكد رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، محمد بركاني بقاط، لـ"الحرة" أن عدد الأطباء الجزائريين العاملين في الخارج "بلغ لحد الآن نحو 30.000 طبيب من شتى التخصصات"، موضحا أن "80 بالمائة من هؤلاء يتواجدون بفرنسا، بينما يتوزع الباقي على كندا وأميركا وألمانيا وبريطانيا ودول الخليج".

وشهدت سنة 2022 أقوى هجرة جماعية للأطباء الجزائريين نحو فرنسا، فقد أظهرت إحصائيات نشرتها وزراة الصحة الفرنسية عن تخطي 1200 طبيب جزائري في فبراير 2022 امتحان تقييم المعارف للعمل في المستشفيات العمومية بفرنسا.

كما أظهرت إحصائيات عمادة الأطباء الفرنسيين أن الجزائريين "يشكلون 25 بالمائة من مجموع الأطباء الأجانب العاملين" في هذا البلد الأوروبي.

وتفسيرا لهذه الهجرة يرجع محمد بركاني ذلك إلى "عامل اللغة" الذي يساهم بقدر كبير في اختيار الجزائريين للعمل في مهنة الطب بفرنسا، إضافة "لتشابه البرنامج الدراسي في البلدين".

أوضاع "مهنية واجتماعية"

وتثير الأوضاع الاجتماعية والمهنية حفيظة الأطباء، إلا أن إضراب طلبة العلوم الطبية المتواصل في غالبية الجامعات الجزائرية، فتح باب النقاش واسعا حول مستقبل الطلبة والأطباء والصحة بصفة عامة، وفي هذا الصدد يشير محمد بركاني إلى أن "الأوضاع الاجتماعية والمهنية ليست في المستوى بالنسبة لمتطلبات هذه الفئة".

ويتحدث بركاني عن "نقص أو غياب في بعض الأحيان للعتاد الطبي والأدوية"، مضيفا أنه "لا يعقل أن يجلس طبيب درس عشر سنوات أو أكثر في مكتب قاعة علاج تفتقد لأدنى متطلبات العمل"، متسائلا "أي مردودية يمكن أن ننتظرها من الطبيب في هذه الظروف؟".

ويدعو المتحدث إلى "ابتداع حلول عملية تعنى بتحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأطباء وتوفير الإمكانيات ومتطلبات تأدية مهامهم"، كما دعا إلى "الرفع من مستوى التكوين، خصوصا وسط الأخصائيين نظرا للتطور الرهيب الذي تعرفه المهنة".

البطالة وارتفاع أعداد المتخرجين

ورغم اعتراف ممارس الصحة العمومية، أحمد بن موسى بأن الأوضاع الحالية للأطباء من حيث الظروف المهنية والاجتماعية بحاجة للتحسن، فإنها "ليست السبب الرئيسي" في الهجرة الواسعة التي تسجل سنويا نحو الخارج، مشيرا في حديثه لـ "الحرة" إلى "العدد الكبير من المتخرجين سنويا، وقلة فرص التشغيل في القطاع وهي من العوامل الرئيسية التي تزيد من الظاهرة"

ويرى بن موسى أن الأوضاع الحالية لمهنة الطب بحاجة "لمراجعة شاملة ضمن إصلاح واسع للمنظومة الصحية في الجزائر"، مشددا على ضرورة "التعجيل بهذه الإصلاحات"، لأن الوضع الحالي وفق المتحدث "لا يحتمل التأخير".

إلا أن آخر تقرير للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي لسنة 2023، الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية في أغسطس الماضي، أشار إلى زيادات في نسب التوظيف، وفي هذا السياق ارتفع العدد الإجمالي للأطباء الممارسين من 51.595 سنة 2019 إلى 58.945 سنة 2022 في القطاع العمومي، ومن 43.990 إلى 49.477 خلال نفس فترة المقارنة بالقطاع الخاص، وفق المصدر نفسه.

كما ارتفع عدد الأطباء "المتخصصين" إلى 21.501 سنة 2022 في القطاع العمومي، مقارنة بـ19.744 طبيبا سنة 2019، في حين ارتفع في القطاع الخاص من 14.927 إلى 18.218 طبيب.

"ضعف" القطاع الخاص

ويرجع رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي (حكومية)، مصطفى خياطي، أسباب ظاهرة هجرة الأطباء من الجزائر للخارج إلى "غياب الاستقطاب في الوظيف العمومي أو الخاص"، مشيرا إلى أن "95 بالمائة من الاستثمارات في قطاع الصحة، عمومية".

ويؤكد مصطفى خياطي لـ"الحرة" أن التوظيف في الصحة وصل إلى "درجة التشبع"، واقترح المتحدث "تحفيزات لتنمية القطاع الخاص الذي يشهد ركودا في الاستثمارات"، مذكرا "بتخرج 3200 طبيب متخصص و5 آلاف طبيب العام القادم، بينما سجلت السنة الجارية 20 ألف سنة أولى طب"، متسائلا: "أين ستذهب كل هذه الأعداد؟".

كما انتقد رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، مصطفى خياطي إجراءات تجميد توثيق شهادات الكفاءة الطبية، موكدا أنها "ليس حلا لمشاكل الأطباء".

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.