قارب مهاجرين قدم من سواحل موريتانيا يبلغ جزر الكناري الإسبانية - AFP

أعلنت منصة "هاتف الإنذار"، الثلاثاء، عن فقدان أثر قارب على متنه 84 مهاجرا أبحروا من السواحل الموريتانية قبل نحو أسبوع في محاولة للهجرة بطريقة غير نظامية إلى إحدى جزر الكناري الإسبانية.

وتضم المنصة شبكة من نشطاء المجتمع المدني بأوروبا وشمال إفريقيا تتلقى نداءات استغاثة من المهاجرين وعائلاتهم.

وقالت المنصة على "أكس" إنها "تلقت إخطارا ليل الثلاثاء/الأربعاء بفقدان القارب الذي انطلق من سواحل مدينة نواذيبو الموريتانية منذ يوم السادس من الشهر الجاري"، مؤكدة أنها أخبرت السلطات وطالبتها بالإنقاذ العاجل.

ويعيد فقدان القارب النقاشات حول ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر طريق جزر الكناري الذي بات وجهة لعشرات الآلاف المهاجرين القادمين من إفريقيا وآسيا.

حقائق حول طريق جزر الكناري

شهدت السواحل الإسبانية في الأشهر الـ11 الأولى من العام الجاري، توافد 56 ألف و976 مهاجرا بزيادة تقدر بنحو 12.7 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائت.

ومن إجمالي هذا الرقم، استقبلت جزر الكناري لوحدها بين يناير ونوفمبر 2024، أزيد من 41 ألف مهاجر بزيادة 17 بالمئة مقارنة بالوافدين على الأرخبيل طيلة العام 2023.

وجزر الكناري هو أرخبيل يعتبر جزاء من التراب الإسباني ويضم 7 جزر رئيسية تقع قبالة السواحل الإفريقية.

وتتبع هذه الجزر  إداريا لمقاطعتين هما لاس بالماس وسانتا كروث دي تينيريفه.

وحسب تقرير سابق لفرانس برس فقد وصل في أغسطس 1994، شابان على متن قارب بسيط إلى أرخبيل جزر الكناري ، ليتحول ذلك التاريخ إلى تاريخ رمزي لتدشين ما يسمى في إسبانيا "طريق الكناري".

ويُسمى هذا الطريق البحري بين إفريقيا وجزر الكناري "طريق الموت" لأن عبوره يتم على متن قوارب غير مجهزة لتحمل التيارات القوية في هذه المنطقة من المحيط الأطلسي والتي تتسبب في غرق العديد من السفن ووفاة ركابها.

وتشير إحصائيات "كاميناندو فرونتراس" الخيرية الإسبانية إلى وفاة أزيد من 5 آلاف مهاجر أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا من طريق البحر في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.

موريتانيا البوابة الأولى نحو إسبانيا

مع تضييق السلطات المغربية الخناق على مسارات الهجرة من سواحل المملكة، أصبحت موريتانيا هي منصة الانطلاق الرئيسية للراغبين في الوصول إلى الأرخبيل الإسباني.

وحسب إحصائيات مرصد أطلس الساحل المتخصص في متابعة قضايا الهجرة فقد بلغ عدد المهاجرين الواصلين من سواحل موريتانيا إلى جزر الكناري أزيد من 40 ألفا هذا العام مقارنة بـ31 الف شخص العام الماضي.

ويقول رئيس المرصد لمين خطاري في تصريح لموقع "الحرة" إن "معظم هؤلاء المهاجرين ينطلقون من مدن نواكشوط ونواذيبو ومناطق أخرى يصلون إليها من مالي والسينغال وغامبيا".

المفارقة، حسب ولد خطاري، تكمن في أنه "من مجموع عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا انطلاقا من موريتانيا، يحمل أقل من 1 بالمئة منهم الجنسية الموريتانية".

وينحدر معظم المهاجرين من الدول المجاورة لموريتانيا كمالي والسينغال، ودول أبعد كالكاميرون والكونغو إلى جانب آسيويين قادمين من باكستان وبنغلاديش والهند، حسب المتحدث ذاته.

ويكشف ولد خطاري أن "عصابات تهريب البشر كونت شبكات لنقل المهاجرين من دول آسياوية وإفريقية يصلون بحجة السياحة والتجارة، قبل تهريبهم إلى موريتانيا مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل أحيانا إلى ما يزيد عن 10 آلاف يورو".

وفي نوفمبر الفائت، فكك الأمن الموريتاني شبكة تهريب مهاجرين، مكونة من 3 أجانب يحملون جنسية بلد آسيوي، كانت تعتزم تنظيم رحلة هجرة غير نظامية نحو أوروبا.

وخلال العملية، أحبطت السلطات الموريتانية تنظيم رحلة هجرة غير نظامية بمشاركة 125 أجنبيا كانت الشبكة تخطط للإبحار بهم عبر المحيط الأطلسي نحو الشواطئ الأوروبية.

وحسب المصدر ذاته، فإنه "ينبغي على الأوروبيين أن يفهموا أن موريتانيا لا يمكن أن تتحول إلى شرطي حدود لأوروبا، فالمقاربة لا يمكن أن تكون أمنية فقط بل تحتاح أيضا لخطط تنموية تشمل دعم الخدمات الصحية وتوفير فرص عمل للمهاجرين في بلدانهم الأصلية.

الارتدادات في إسبانيا

وفي الأشهر الأخيرة تحولت قضية الهجرة إلى الهاجس الأول للإسبان، ما يفسر خروج أعداد كبيرة منهم في مظاهرات واحتجاجات.

يقول المحلل السياسي والباحث في جامعة إشبيلية الإسبانية بشير محمد لحسن إن "الهجرة باتت تسبق مشكلة البطالة في سلم أولويات الإسبان، إذ تحولت من الملف التاسع في اهتمامات الإسبان إلى الملف الأول حسب استطلاعات الرأي".

ويضيف لحسن  في تصريح لموقع "الحرة" أن "ملف الهجرة تحول إلى مادة دسمة لليمين المتطرف الذي يُعد القوة السياسية الثالثة في البلاد، ويمكن ربط صعوده محليا وفوزه في انتخابات عدة أقاليم بخطابه القائم على التخويف من المهاجرين. 

ومع تزايد أعداد المهاجرين الوافدين من القارة الإفريقية، تظاهر في أكتوبر الفائت، الآلاف من سكان الجزر لحث السلطات على اتخاذ إجراءات عاجلة لكبح جماح الظاهرة.
وسبق للسلطات أن رفضت التماسا تقدم به حقوقيون لتصنيف التظاهر ضد ظاهرة الهجرة كجريمة كراهية، ما سمح باستمرار التحركات الاحتجاجية داخل جزر الكناري. 

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".