أصوات مغاربية

طيف سوريا وحوار موعود.. هل تتحقق آمال الجزائريين في انفتاح سياسي؟

13 ديسمبر 2024

تفاعل جزائريون بشكل واسع مع سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وعبر كثيرون من خلال منصات التواصل الاجتماعي عن آمال ومطالب بشأن انفتاح أكثر لحكومة بلدهم على الحريات والتعددية السياسية والإعلامية.

ورغم تباين الآراء واختلافها حول مستقبل سوريا، فإن النقاش في الجزائر سار نحو بناء المستقبل التعددي على ضوء التطورات في الشرق الأوسط، وتأثيرات ذلك على البلاد.

واندلع حراك شعبي في الجزائر في فبراير 2019 دام أكثر من سنة، احتجاجا على ترشح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بعد 20 سنة من الحكم (1999/2019)، ورغم استقالته من منصبه في أبريل من نفس السنة تحت ضغط الشارع، فإن الحراك تواصل إلى ما بعد إجراء انتخابات رئاسية يوم 12 ديسمبر 2019، انتهت بفوز المرشح المستقل عبد المجيد تبون.

وقاد الرئيس الجزائري سلسلة من الإصلاحات التشريعية مست دستور البلاد وقوانين الانتخابات والإعلام، كما نظم انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة، ومست الإصلاحات قطاعات مختلفة، إلا أن ذلك لم يمنع من بقاء صوت الحراك في الشارع الجزائري وعلى منصات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بتكريس حوار وانفتاح سياسي وإعلامي حقيقي.

وفي لقاء مع الصحافة المحلية في أكتوبر الماضي، وعد الرئيس تبون، بأنه سيتم "إرساء حوار وطني جاد لتحصين الجزائر من التدخلات الأجنبية، والقضاء على محاولات زرع الفتنة بين أبناء الشعب".

وأضاف تبون أن هذا الحوار الوطني "سيجري مع نهاية سنة 2025 أو بداية 2026"، مشيرا إلى أنه يتعين التحضير له، لكونه "يتصل بمستقبل الأجيال الصاعدة"، ويرمي إلى "تحصين الجزائر من التدخلات الأجنبية والقضاء على محاولات زرع الفتنة".

وأوضح الرئيس الجزائري أن الحوار سيكون "مسبوقا بجملة من الأولويات المتصلة بالاقتصاد الوطني وجعل الجزائر في مأمن ومناعة من التقلبات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم، ليتم المرور بعد ذلك الى مرحلة بناء الديمقراطية الحقة".

الحريات هي صمام الأمان

وتعليقا على الآمال المعلقة على انفتاح أكثر في جوانبه السياسية والإعلامية والحقوقية بالجزائر، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة أن الأحداث الأخيرة في سوريا وما تلاها من الأخبار والشهادات المتداولة عن القمع الذي عاش تحته الشعب السوري، أعاد النقاش في الجزائر حول "أهمية الحريات لحماية البلاد".

ويؤكد بوقاعدة في حديثه لـ"الحرة" أنه لا يمكن حماية الوطن "بالتضييق على حرية التعبير والحريات العامة لأن هذه المعايير والقيم هي الصمام الآمن للجزائر".

ويشدد المتحدث على أن "تعزيز اللحمة الوطنية لمواجهة مختلف المؤامرات والدسائس التي تهدد البلاد لا يمكن أن تتم بتكريس مشاعر الاغتراب والتخوف من المشاركة في الحياة السياسية والعامة في البلاد".

ويعتقد بوقاعدة أن الحوار الوطني الذي وعد به الرئيس تبون "أصبح ملحا في الزمن 
والموضوع"، مشيرا إلى أنه "سيسمح بإعادة ترتيب المشهد الوطني العام، عبر فتح نقاش موسع حول آليات إدارة الدولة التي يتوافق عليها الجزائريون"، داعيا إلى "عدم احتكار الرأي والوطنية وإقصاء الرأي الآخر والتشكيك في وطنية كل مخالف".

طموحات وآمال مشروعة

في المقابل فإن هذه الآمال "مشروعة"، بالنسبة للناشط في حركة المجتمع المدني (جمعيات مستقلة)، حسين بابا، الذي يرى أن الانفتاح أكثر على الحريات بمختلف ميادينها "طموح يتقاطع ووعود رئيس الجمهورية التي قطعها عقب انتخابة لولاية رئاسية ثانية في السابع سبتمبر الماضي".

ويؤكد حسين بابا في حديثه لـ"الحرة" أن الجزائر "كانت تخطو دوما خطوات استباقية من خلال التجربة السياسية والإعلامية والاقتصادية التي خاضتها عقب انتفاضة 5 أكتوبر 1988"، مشيرا إلى أن فترة التسعينات "الأليمة لا يجب أن تكون مبررا للتراجع عن الديموقراطية الحقيقية ".

ولا يستبعد المتحدث أن تلجأ الحكومة إلى القيام بخطوات "تكرس انفتاحا سياسيا جديدا ومسبقا"، خلال السنة القادمة عوضا الانتظار إلي نهايتها أو مطلع سنة 2026، "نظرا لمتطلبات المرحلة التي تفرضها تداعيات الأوضاع في العالم العربي". 

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".