الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون (أرشيف)

اعتبر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أنه "آن الأوان لمراجعة قانوني البلدية والولاية، لبناء مؤسسات ديموقراطية وليست ديماغوجية"، مضيفا أمام ولاة الجمهورية الثلاثاء "سنحمي هذا البلد الذي يسري في عروق شعبه دماء الشهداء، فلا يظُنّنَ أحد أن الجزائر يُمكن افتراسها بهاشتاغ".

وأطلق مؤخرا ناشطون "هاشتاغ" على منصات التواصل الاجتماعي حمل عبارة "مانيش راضي"، تزامنا مع تطورات المشهد السوري عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، رافقه نقاش بشأن إمكانية لجوء السلطة إلى انفتاح أكثر على الحريات الإعلامية والسياسية، وقابل ذلك حملة  على المنصات من موالين حملت هشتاغ "أنا مع بلادي".

وتزامن تصريح الرئيس الجزائري بشأن"بناء مؤسسات ديموقراطية وليست ديماغوجية"، ورفضه الحملات المناوئة للحكومة على شبكات التواصل الاجتماعي، مع دعوات من أحزاب سياسية وناشطين بفتح حوار سياسي وإحداث تغييرات تؤدي إلى انفتاح سياسي واسع، عقب تطورات المشهد السوري التي أدت إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد.

تسريع الحوار

وكان الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي، الموالي للحكومة، مصطفى ياحي، دعا إلى "تقديم الحوار الوطني"، الذي أعلن عنه الرئيس الجزائري خلال تأدية اليمين الدستورية لعهدته الثانية التي استهلها بعد انتخابات الرئاسة في سبتمبر الماضي.

وكان تبون حدد تاريخ الحوار الوطني الذي وعد به، مع "نهاية 2025 أو بداية 2026"، وذلك في حوار لوسائل إعلام محلية.

واعتبر ياحي خلال لقاء له مع أعضاء حزبه، السبت الماضي، أن "طبيعة التحولات والتطورات المتسارعة على المستوى الإقليمي والدولي، بأبعادها الجيوسياسية والأمنية ومخاطرها المباشرة على أمن واستقرار بلادنا"، تفرض "العمل معا من أجل حوار وطني شامل لإيجاد أرضية مشتركة حول رؤية الجزائر المستقبلية".

كما عبر الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، عن أمله في أن يؤدي هذا الحوار إلى "تحصين الجبهة الداخلية والدفع إلى حركية وطنية سياسية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية تحمل رسالة جزائر آمنة مستقرة ومزدهرة، تحفظ الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وصاحبة السيادة والقرار"، حسب ، ما نقلته صحيفة "الخبر" الجزائرية.

بينما رأت زعيمة حزب العمال (يسار)، لويزة حنون، في ردها على حراك ناشطين أن "توظيف المشاكل من قبل بعض الأطراف هو حق أريد به باطل، كونه يأتي من منطلق استعمالها كمطية لبلوغ أهداف تخريبية مبرمجة من الخارج".

"وضع سوريا يختلف عن الجزائر"

وتعليقا على هذه التطورات يرى المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط، أن الحالة السورية وما تلاها من انهيار لنظام بشار الأسد "تختلف اختلافا جذريا عن الوضع في الجزائر، التي تتسم مؤسساتها بالخضوع لقوانين الجمهورية والمراقبة، وبانفتاح أكثر على المواطنين لاعتبارات تاريخية".

ويشير بن شريط في حديثه لـ"الحرة" إلى أن حديث الرئيس الجزائري عن بناء مؤسسات ديموقراطية يعني "الذهاب إلى صيغة جديدة بانتخاب المجالس المحلية تنبذ القبلية والعشائر، وإبعاد ضغط الجمعيات والمجتمع المدني الذي تحول إلى عبء كبير يتدخل في تسيير مؤسسات الدولة".

ويتيح قانون الانتخابات في الجزائر للمنتخبين المحليين الترشح لعضوية مجلس الأمة، وهو الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري، وتتشكل الهيئة الناخبة لهؤلاء من زملائهم المنتخبين في المجالس المحلية، البلدية والولائية.

ويرى المتحدث أن المرحلة الحالية "لا تتطلب الكثير من القوانين، بقدر ما هي بحاجة للتنفيذ الصارم لها والرقابة المشددة على إدارة المال العام، والأملاك العمومية، ومحاسبة المسؤولين بعد نهاية مهامهم"، معتبرا أن المقصود هو "دمقرطة هذه المؤسسات بوضع آليات أكثر شفافية لاختيار مسيريها ومراقبتهم ومحاسبتهم".

"رفض للرأي الآخر"

لكن رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية مصطفى معزوزي، الذي عقد تجمعا في العاصمة الفرنسية باريس، السبت الماضي، انتقد الوضع الداخلي في الجزائر، مشيرا إلى أنه بعد خمس سنوات من الحراك الشعبي فإن البلاد "يعيش في دائرة اللاستقرار والخوف..".

وتعليقا على انتقادات تبون للتفاعلات الحالية على منصات التواصل الاجتماعي، الداعية للانفتاح السياسي في بلاده، يرى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أنه "لا توجد أي نية لبناء أي شيء لدى الفريق الحاكم".

ويوضح إيوانوغان لـ"الحرة" أن السلطة الحالية "لا تتابع ولا تهتم إلا بمراقبة من ينتقد أو يسعى لإسقاط حكمها، وبالتالي فإن اهتمام المسؤولين الوحيد ينصب على البقاء في الحكم"، وفق تعبيره.

ويخلص المتحدث إلى أن هذه المستجدات تؤكد "رفض السلطة للرأي الآخر، وامتعاضها حتى ممن يبدي عدم رضاه عن الأوضاع التي يعيشها".

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".