محطة وقود في مدينة مصراتة الليبية

عاد جدل دعم الأسعار في ليبيا إلى الواجهة من جديد، بعد أن تبنت حكومة أسامة حماد، المدعومة من البرلمان في الشرق، مقترحا لرفع الدعم عن الوقود.

وقالت حكومة الشرق الليبي غير المعترف بها دوليا، الأربعاء، إنها وافقت على مقترح لرفع الدعم عن الوقود، وستعد آلية لتنفيذ القرار.

ولم تكشف حكومة حماد أي تفاصيل بشأن تنفيذ هذا المقترح في مختلف أنحاء ليبيا المنقسمة بشدة سياسيا.

وجاء تبني حكومة حماد لهذا المقترح خلال جلسة عمل، حضرها أعضاء في مصرف ليبيا المركزي ومقره العاصمة طرابلس.

وتعد أسعار الوقود في ليبيا من بين الأقل في العالم، إذ يبلع ثمن لتر البنزين الواحد نحو 0.03 دولار، وفقا موقع غلوبال بترول برايسيز.

مقترح يحظى باهتمام الشرق والغرب

وليست هذه المرة الأولى التي تروج فيها نقاشات سياسية واسعة في ليبيا بشأن دعم الوقود.

ففي يناير الماضي، قال عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا إنه سيطرح مسألة رفع الدعم عن الوقود في استفتاء، لكن فكرته لم تُنفذ بعد.

وليبيا منقسمة بشدة سياسيا وعسكريا بين حكومة معترف بها دوليا مقرها العاصمة طرابلس، وأخرى منافسة في الشرق، تحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.

ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل رئيسي على عائدات النفط، لكن إيرادات هذا القطاع تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية التي عاشها هذا البلد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.

هل يمكن رفع الدعم ؟

إجابة على السؤال، يقول الخبير الاقتصادي الليبي نور الدين حبارات إن الاقتصاد الليبي يحتاج بشدة لإصلاح نظام دعم الوقود بعد تضرره من تزايد ظاهرة التهريب إلى بلدان الجوار.

وتشترك ليبيا في حدود برية شاسعة مع دول مثل مصر والسودان وتونس وتشاد والنيجر، مما يعقد مهام قوات الأمن على محاربة ظاهرة تهريب الوقود إلى تلك البلدان.

كما أكدت تقارير إعلامية سابقة حدوث عمليات تهريب واسعة للوقود والمحروقات من الموانئ الليبية إلى دول متوسطية قريبة كإيطاليا ومالطا.

ورغم أهمية هذه الخطوة، يشدد حبارات  في تصريح لموقع "الحرة" على صعوبة رفع الدعم في الوقت الحالي بسبب الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، واستحالة تنفيذ أي قرار بشكل كامل في مختلف أنحاء ليبيا.

ويمر إصلاح نظام الدعم، حسب حبارات، بمراحل عدة، أهمها اعتماد آلية التدرج وإقرار نظام تعويض مالي للمواطنين، وهو أمر يطرح تحديات عدة مالية وإدارية.

من جهته، يرى الخبير الاقتصاد، أيوب الفارسي، أن "ليبيا غير جاهزة حاليا لقضية رفع الدعم عن الطاقة وتحتاج لإقرار حزمة من الإجراءات بينها توحيد العمل الحكومي قبل بدء الخوض في هذا الملف".

ويتابع في تصريح لموقع "الحرة" أن "استخدام ملف رفع الدعم عن الوقود كسلاح في المبارزة السياسية بين الحكومتين سيفشل أي مشروع في هذا الاتجاه".

"ورغم الأهمية النظرية لرفع الدعم عن الوقود في ظل تزايد عمليات تهريبه إلى الخارج"، يرى الفارسي أن "إقرار هذا الإجراء في الوقت الحالي في ليبيا لن يقود إلى تعافي الاقتصاد، في ظل الفساد بالإنفاق الحكومي".

وتشير تقارير البنك الدولي  إلى أن قيمة الوقود المهرب من ليبيا تُقدر بما لا يقل عن 5 مليارات دولار سنويا.

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".