يُبقي مبدأ "الاعتراف" بدلا من "التعويض" الفرنسي عن الجرائم المتهمة قواته بارتكابها في الجزائر، من 1830 إلى 1962، على جراح الذاكرة مفتوحة بين البلدين خلال سنة 2025، وذلك على ضوء ما استعرضه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطابه، الأحد، الذي تحدث فيه عن خارطة طريق لولايته الرئاسية الثانية التي فاز بها في انتخابات سبتمبر الماضي.
وحمّل تبون الاستعمار الفرنسي مسؤولية جرائم الإبادة التي تعرض لها الجزائريين إبان تلك الفترة، مذكرا بمجازر 8 مايو 1945 التي أودت بحياة 45 ألف جزائري، وأخرى في مناطق الزعاطشة والأغواط جنوبا، وغيرها من المحارق، وفق ما ذكره في خطابه الرئاسي.
كما أشار تبون إلى "وجود 500 جمجمة بفرنسا" لمقاومين جزائريين، "لم يتم استيراد إلا 24 جمجمة منها".
وتضع الحكومة الفرنسية جماجم الثوار الجزائريين، الذين قاتلوا ضدها، وضد استعمارها للبلاد، في متحف "التاريخ الطبيعي"، بعدما قطعت رؤوسهم ونقلت إلى باريس لأسباب متعددة، ومن بينها لثوار قاتلوا بجانب الأمير عبد القادر الجزائري.
وأكد الرئيس تبون أن قيمة هؤلاء "الذين سقطوا في المقاومة والثورة التحريرية المجيدة أغلى من ملايين الدولارات"، مضيفا "أنا لا أطلب من مستعمر الأمس التعويض المادي، ولكن الاعتراف بجرائمه".
كما حمل الاستعمار الفرنسي مسؤولية الأمراض الناجمة عن التجارب النووية التي نفذها في الجزائر، مشيرا إلى أن الاستعمار أصبح فيما بعد "قوة نووية، لكنه ترك بالجزائر الأمراض الناجمة عن تجاربه النووية، وأهلنا بالجنوب يعانون إلى اليوم"، قبل أن يخاطب الفرنسيين قائلا: "لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا ونظفوا لنا الأوساخ التي تركتموها".
وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و1966، بعضها حصل بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962، بموجب اتفاق بين البلدين.
الذاكرة والمصالح
وفي تعليقه على امتدادات ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، يدعو الباحث في التاريخ، بجامعة اكستر البريطانية، حسيني قيطوني، إلى "اصدار موسوعة جزائرية للجرائم التاريخية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، لتكون شاهدا أمام الرأي العام العالمي على فظاعة ما تعرض له الشعب الجزائري خلال تلك الفترة".
وتباعا لذلك، يقول قيطوني متحدثا لـ "الحرة"، فإن الحكومة الفرنسية "مهما كان لونها السياسي، ستكون مجبرة على الاعتراف بقساوة ما قام به جيشها في الجزائر"، ووفق المتحدث فإنه "لا يجب ربط العلاقات بين البلدين بملف الذاكرة"، موضحا "يجب ألا نطلب صداقة فرنسا حتى لا تتحول الذاكرة إلى مشكلة وأزمة".
ويعتقد الباحث قيطوني أن على الجزائر إقامة علاقات "تضع المصالح في المقدمة بدلا من العواطف"، بينما يوضع ملف التاريخ "بعيدا عن العلاقات الثنائية"، مشددا على أهمية العمل على "التوثيق الصحيح للجرائم الفرنسية لإجبارها على الاعتراف بها"، معتبرا أن "الخلط بين الذاكرة والعلاقات الثنائية، يؤثر مستقبلا على المصالح المشتركة".
جرائم.. ومطالب لا تتقادم
بينما يرى خبير القانون الدستوري والعلاقات الدولية، موسى بودهان، أن خطاب الرئيس الجزائري في شقه المتعلق بالذاكرة والعلاقات مع باريس "لا يشكل أي قطيعة محتملة مع الفرنسيين".
واعتبر موسى بودهان في تصريحه لـ "الحرة" أن تبون تحدث بـ"منطق الأشياء عن ملف الذاكرة بحدة، دون أن يقطع شعرة العلاقات بين البلدين"، مضيفا أن ما يحكم العلاقات هو "المصالح لذلك فإن إثارة الملف لا تؤدي إلى أي قطيعة"، محملا "الجماعات الضاغطة من اليمين الفرنسي مسؤولية تردي العلاقات الجزائرية الفرنسية".
لكن في المقابل، يؤكد بودهان أن القوانين الدولية "لا تسقط مجازر الإبادة الجماعية بالتقادم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر"، مثلما "لا تُسقط المصالح حق الدول المطالبة بحقوقها من مستعمري الأمس".