فرنسا - الجزائر - الاستعمار الفرنسي - حرب الذاكرة
صورة التقطت في سبتمبر 1951 في قرية بجنوب الجزائر وتظهر فيها جنديات فرنسيات مع سكان جزائريين – فرانس برس

يُبقي مبدأ "الاعتراف" بدلا من "التعويض" الفرنسي عن الجرائم المتهمة قواته بارتكابها في الجزائر، من 1830 إلى 1962، على جراح الذاكرة مفتوحة بين البلدين خلال سنة 2025، وذلك على ضوء ما استعرضه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطابه، الأحد، الذي تحدث فيه عن خارطة طريق لولايته الرئاسية الثانية التي فاز بها في انتخابات سبتمبر الماضي.

وحمّل تبون الاستعمار الفرنسي مسؤولية جرائم الإبادة التي تعرض لها الجزائريين إبان تلك الفترة، مذكرا بمجازر 8 مايو 1945 التي أودت بحياة 45 ألف جزائري، وأخرى في مناطق الزعاطشة والأغواط جنوبا، وغيرها من المحارق، وفق ما ذكره في خطابه الرئاسي.

كما أشار تبون إلى "وجود 500 جمجمة بفرنسا" لمقاومين جزائريين، "لم يتم استيراد إلا 24 جمجمة منها".

وتضع الحكومة الفرنسية جماجم الثوار الجزائريين، الذين قاتلوا ضدها، وضد استعمارها للبلاد، في متحف "التاريخ الطبيعي"، بعدما قطعت رؤوسهم ونقلت إلى باريس لأسباب متعددة، ومن بينها لثوار قاتلوا بجانب الأمير عبد القادر الجزائري.

وأكد الرئيس تبون أن قيمة هؤلاء "الذين سقطوا في المقاومة والثورة التحريرية المجيدة أغلى من ملايين الدولارات"، مضيفا "أنا لا أطلب من مستعمر الأمس التعويض المادي، ولكن الاعتراف بجرائمه".

كما حمل الاستعمار الفرنسي مسؤولية الأمراض الناجمة عن التجارب النووية التي نفذها في الجزائر، مشيرا إلى أن الاستعمار أصبح فيما بعد "قوة نووية، لكنه ترك بالجزائر الأمراض الناجمة عن تجاربه النووية، وأهلنا بالجنوب يعانون إلى اليوم"، قبل أن يخاطب الفرنسيين قائلا: "لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا ونظفوا لنا الأوساخ التي تركتموها".

وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و1966، بعضها حصل بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962، بموجب اتفاق بين البلدين.

الذاكرة والمصالح

وفي تعليقه على امتدادات ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، يدعو الباحث في التاريخ، بجامعة اكستر البريطانية، حسيني قيطوني، إلى "اصدار موسوعة جزائرية للجرائم التاريخية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، لتكون شاهدا أمام الرأي العام العالمي على فظاعة ما تعرض له الشعب الجزائري خلال تلك الفترة".

وتباعا لذلك، يقول قيطوني متحدثا لـ "الحرة"، فإن الحكومة الفرنسية "مهما كان لونها السياسي، ستكون مجبرة على الاعتراف بقساوة ما قام به جيشها في الجزائر"، ووفق المتحدث فإنه "لا يجب ربط العلاقات بين البلدين بملف الذاكرة"، موضحا "يجب ألا نطلب صداقة فرنسا حتى لا تتحول الذاكرة إلى مشكلة وأزمة".

ويعتقد الباحث قيطوني أن على الجزائر إقامة علاقات "تضع المصالح في المقدمة بدلا من العواطف"، بينما يوضع ملف التاريخ "بعيدا عن العلاقات الثنائية"، مشددا على أهمية العمل على "التوثيق الصحيح للجرائم الفرنسية لإجبارها على الاعتراف بها"، معتبرا أن "الخلط بين الذاكرة والعلاقات الثنائية، يؤثر مستقبلا على المصالح المشتركة".

جرائم.. ومطالب لا تتقادم

بينما يرى خبير القانون الدستوري والعلاقات الدولية، موسى بودهان، أن خطاب الرئيس الجزائري في شقه المتعلق بالذاكرة والعلاقات مع باريس "لا يشكل أي قطيعة محتملة مع الفرنسيين".

واعتبر موسى بودهان في تصريحه لـ "الحرة" أن تبون تحدث بـ"منطق الأشياء عن ملف الذاكرة بحدة، دون أن يقطع شعرة العلاقات بين البلدين"، مضيفا أن ما يحكم العلاقات هو "المصالح لذلك فإن إثارة الملف لا تؤدي إلى أي قطيعة"، محملا "الجماعات الضاغطة من اليمين الفرنسي مسؤولية تردي العلاقات الجزائرية الفرنسية".

لكن في المقابل، يؤكد بودهان أن القوانين الدولية "لا تسقط مجازر الإبادة الجماعية بالتقادم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر"، مثلما "لا تُسقط المصالح حق الدول المطالبة بحقوقها من مستعمري الأمس".

الهيئة وضعت شروطا وصفت بالصارمة للتشرح

قدمت مجموعة من أعضاء المجالس المحلية بتونس، مؤخرا، مقترح مبادرة إلى البرلمان تتعلق بتأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية تجمع بين "الكفاءات المنتخبة والمعينة"، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة بشأن قانونيتها وتداعياتها على الخدمات الموجهة للتونسيين.

ويتعلق نص المبادرة بحسب الوثيقة التي تحصلت "الحرة" على نسخة منها بطلب تأجيل الانتخابات البلدية المقررة إلى موعد لاحق وتعويضها بنيابات خصوصية تتكون من أعضاء من المجالس المحلية الحالية إلى جانب إطارات من الإدارات الجهوية ذات الاختصاص".

وتعد البلديات آخر استحقاق انتخابي وفق البرنامج الذي أعلن عنه الرئيس سعيد بعد إقراره الإجراءات الاستثنائية في يوليو 2021 وبعد حلّه لما يناهز 350 مجلس بلدي في تونس سنة 2023.

ورغم عدم تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية، فإن المساعي لتأجيلها أثارت جدلا بشأن دوافعها، ومدى تماهيها مع دستور البلاد، وانعكاساتها على الخدمات المقدمة للتونسيين على مستوى المعتمديات.

"تخفيف الأعباء المالية "

في تعليقه على دوافع طلب تأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، يؤكد رئيس المجلس المحلي بباردو بمحافظة تونس، فادي بن يونس، أن هذه الخطوة أتت على إثر تواتر التشكيات من المواطنين من تعطل الخدمات المتعلقة بحياتهم اليومية مثل صعوبة الحصول تراخيص عدادات المياه والكهرباء وغيرها من المشاغل التي لم يتمكن الكتاب العامون المكلفون بتسيير البلديات من تذليلها على اعتبار أنها من اختصاص المجلس البلدية.

ويوضح بن يونس في حديثه لموقع "الحرة" بأن إيداع مبادرة تشريعية في هذا الخصوص، إلى الغرفتين النيابتين يمثل حلا ظرفيا، المقصد منه تأجيل الانتخابات البلدية وليس إلغاؤها وتعويضها بنيابات خصوصية متكونة من أعضاء المجالس المحلية المنتخبة التي لها صفة الجماعات المحلية ومديري الإدارات المحلية، أي الجمع بين الكفاءات المنتخبة والكفاءات المعيّنة.

ويقول في السياق ذاته، إنه في ظل الوضع المادي المتردي واتباعا لسياسة الدولة كالاعتماد على مواردنا الذاتية وسياسة التقشف علينا ايجاد حلول للتنمية المحلية دون المزيد من الاعتماد على نفقات الدولة يرى عدد من أعضاء المجالس المحلية من خلال المبادرة سالفة الذكر، امكانية تحويل الاعتمادات المخصصة للانتخابات البلدية الى جمعيات تنموية تمول المشاريع المحلية الصغرى.

ويرى المتحدث "أن النيابات الخصوصية يمكن لها تمثيل كل العمادات (أصغر قسم إداري بالبلاد) الراجعة بالنظر إلى البلديات في حين أن الانتخابات البلدية يمكن أن تقصي بعض العمادات"، وفقه.

ومنذ توليه السلطة في أكتوبر 2019 لم يتردد الرئيس التونسي قيس سعيد في إعلان موقفه المنتقد للمجالس البلدية التمثيلية والمنتخبة والتي يرى فيها امتدادا لأحزاب سياسية معارضة ومنافسة له إلى جانب عدم اقتناعه بنجاعة مسار اللامركزية الذي تم إرساؤه عقب الثورة التونسية في 2011.

مخالفة الدستور

من جانبه، يؤكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن المبادرة التشريعية المتعلقة بتأجيل الانتخابات البلدية، مخالفة لأحكام الباب السادس من دستور البلاد لسنة 2022 والذي ينظم الجماعات المحلية والجهوية.

ويقول المنصري لـ "الحرة" إن الفصل 133 من الدستور ينص صراحة على أن المجالس البلدية هي جماعات محلية تمارس المصالح المحلية طبقا لما يقتضيه القانون، وعلى هذا الأساس فإن إقصاء هذه المجالس هو مخالف لما ورد في هذا الدستور.

وبخصوص إجراء الانتخابات البلدية، يشدد المتحدث على أن هيئة الانتخابات على استعداد لإجرائها وأن الإطار التشريعي جاهز، لافتا إلى ضرورة تنقيح مجلة الجماعات المحلية أو إصدار قانون أساسي جديد للبلديات كي يتماشى من النظام القانوني الجديد.

ويتفق رئيس "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (رقابية وغير حكومية) بسام معطر، مع الآراء الداعية إلى ضرورة احترام الدستور الذي أقر الانتخابات البلدية كاستحقاق انتخابي وجب الالتزام به وإجراؤه، معتبرا أنه "من غير الصالح الدمج بين مجلسين محلي وجهوي".

تراجع الخدمات

وبشأن تداعيات هذا التوجه على الخدمات البلدية، يؤكد معطر لموقع "الحرة" أن التعويل على النيابات الخصوصية في تسيير البلديات بعد حل مجالسها المنتخبة في 2023، أثبت تراجعا في مستوى الخدمات المسداة للتونسيين وتقهقرا في أخذ القرارات المتعلقة بالتنمية في عديد المناطق.

ويرى أنه من الضروري إتمام كل القوانين المتعلقة بالمجالس المحلية وتنظيمها فضلا عن تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية وتركيز مجالسها كي تستعيد أدوارها في إسداء الخدمات والنهوض بمشاغل التونسيين في مختلف ربوع البلاد.

في سياق متصل، يعتبر الخبير في الحوكمة المحلية محمد الضيفي في حديثه لـ"الحرة" أن حالة الشغور التي تعيش على وقعها البلديات في تونس في السنوات الأخيرة "خلقت فراغا كبيرا وتداخلا في المهام بين أعضاء المجالس المحلية والجهوية وكذلك نواب البرلمان في ما يتعلق بالمسائل الحياتية للمواطنين من ذلك مشاكل توفير الكهرباء وإنارة الشوارع ومياه الشرب وغيرها، والتي هي من صميم العمل البلدي". 

ويتابع في هذا الإطار بأن المجالس البلدية هي من تتداول في المخططات التنموية وتمرر مقترحاتها في هذا الخصوص إلى المجالس الجهوية كما أن لها صلاحيات اتخاذ القرارات في الجهات الراجعة لها بالنظر وتنفيذها وفق ما يتماشى مع الميزانيات المخصصة لها.

يشار إلى أن أول انتخابات بلدية في تونس بعد ثورة 2011 تم تنظيمها في 2018، قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد حل مجالسها المنتخبة بضعة أشهر قبل انتهاء عهدتها المحددة قانونا بخمس سنوات.