شدد الرئيس التونسي قيس سعيد في آخر خطاب له على أهمية "الوحدة الوطنية" وذلك في سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تونس عام 2025، في خطوة فتحت النقاش بشأن مدى استعداده لفتح أبواب الحوار مع الأحزاب السياسية في البلاد.
وقال سعيد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، إن "تحديات كثيرة سنرفعها وأهم سدة في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، تتمثل في وحدة وطنية صمّاء تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".
وأكد أن سنة 2025 "ستكون سنة كل التحديات وتجسيد آمال الشعب التونسي وانتظاراته المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية".
يأتي ذلك في ظل استمرار الأزمة السياسية التي احتدّت في أعقاب إعلانه في 25 يوليو 2021 عن الإجراءات الاستثنائية، وبدء مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، تبعتها حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات حزبية بارزة وصحفيين وحقوقيين.
حديث سعيد عن الوحدة الوطنية تباينت المواقف بشأن دلالاته وسط تساؤلات عما إذا كان ذلك تمهيد لفتح أبواب الحوار مع الأحزاب في تونس بعد أن أغلقت في 2021.
تهدئة وانهاء القطيعة
في تعليقه على هذا الموضوع، يرى الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة) محمود بن مبروك، أن حديث سعيد عن الوحدة الوطنية يحمل في أبعاده رغبة في التهدئة وإنهاء القطيعة وفتح أبواب الحوار مع مختلف القوى السياسية والمنظمات الوطنية وتجميعها تحت راية الوطن.
ويقول بن مبروك لـ "الحرة" إن كلام الرئيس عن الوحدة الوطنية لم يكن اعتباطيا، بل يحمل قراءة استشرافية للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها تونس.
ويشدد في السياق ذاته على أهمية الانفتاح على الآراء السياسية الناقدة والبناءة وفقا لمقتضيات المرحلة الجديدة وتغليبا لمصلحة الوطن، مشيدا بخطوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نحو فتح حوار سياسي وطني مع الأحزاب السياسية تفاديا لأي انفجار اجتماعي في البلاد.
وعن القطيعة السياسية الحاصلة في تونس بعد إجراءات 25 يوليو 2021 يشير المتحدث إلى أن سعيد بقي منفتحا على عدد من الأحزاب التي تتقاطع مع السلطة في تصوراتها وبرامجها في مقابل "محاسبة الأحزاب التي تلقت تمويلات مشبوهة وتخدم أجندة أجنبية".
وكان الرئيس التونسي قد اتهم مطلع العام الماضي المعارضة بتلقي الأموال من الخارج لإفشال الانتخابات البرلمانية، قبل أن تشن السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة طالت شخصيات سياسية بارزة ورجال أعمال وحقوقيين ليواجه عدد منهم تهمة "التآمر على أمن الدولة".
ترقب حذر
"نلتقط خطاب الرئيس سعيد بشأن الوحدة الوطنية بإيجابية وبكثير من الحذر في انتظار مدى أثره الملموس على الواقع، ذلك أنه بالنظر إلى مسار الحكم على امتداد السنوات الثلاث الماضية، فإن هناك نزوع من الرئيس نحو اتخاذ القرارات بشكل فردي، وعدم إشراك أي طرف آخر فيها مما يجعل من الصعب التنبؤ بما سيحدث مستقبلا"، هذا ما يراه المتحدث باسم الحزب الجمهوري (معارض) وسام الصغير.
ويوضح الصغير في حديثه لـ "الحرة" بأن نوفل سعيد، شقيق الرئيس، ومدير حملته في الانتخابات الرئاسية تحدث سابقا بشأن أهمية فتح حوار وطني غير أن حملة الاعتقالات وضرب الحريات في تونس تواصلت مما يجعل الحديث عن انفتاح سياسي مرتقب غير كاف، ما لم يكن مصحوبا بأفعال وممارسات وقرارات.
ونبّه في السياق ذاته، من وجود أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية حادة معتبرا أن الخروج منها يتطلب حوارا وطنيا واسعا تتفق فيه السلطة والأحزاب والمنظمات الوطنية على مخرجات وحلول واضحة وطي صفحة الماضي.
وسبق للرئيس التونسي أن رفض مطلع العام 2023 "مبادرة الإنقاذ الوطني" التي تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) وشركاؤه، ومن ضمنهم عمادة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، متمسكا بالحوار الذي فرضه بمرسومه عدد 30 لسنة 2022 المتعلق بإحداث "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".
لا أثر على أرض الواقع
من جانبه، يعتبر المحلل السياسي خالد كرونة، أن رؤية الرئيس للأحزاب باعتبارها في طور تحلل ذاتي، وقناعته بأن دور المنظمات آيل إلى الانكماش والضمور، فضلا عما تعيشه الأحزاب موضوعيا من حال الخواء، وما تعصف بالمنظمات من عوامل الوهن يحول شعار الوحدة الوطنية إلى دعوة فقط لتأييد السياسات العامة للدولة التي ترفع شعارات التطهير والمحاسبة والبناء والتشييد.
ويضيف كرونة لـ “الحرة بالقول: ما دامت النخب والمنظمات مفككة، وما دام أداء منظومة الحكم مفتقرا إلى بديل تنموي حقيقي يمثل أساس التفاف وطني جامع، فإن مقولة الوحدة الوطنية ستظل معلقة في سماء الخطاب دونما أثر على أرض الواقع.
ويفسّر المتحدث الجدل المثار في أعقاب حديث سعيد عن الحاجة إلى تكريس الوحدة الوطنية بأنه "يتعلق بتلقّف البعض لهذه الإشارة على أنها وعي بالمخاطر الإقليمية المحتملة ضمن تداعيات سقوط نظام الأسد وتسليم سوريا للدواعش وما قد يستتبعه من إعادة تنظيم صفوف الإرهابيين خاصة مع استمرار هشاشة الأوضاع في ليبيا التي يعتبرونها قاعدة ارتكاز، وفهم لفيف آخر غمزة الرئيس على أنها انفتاح محتمل على تشكيلات حزبية ومنظمات مدنية ضمن استراتيجية تهدئة لحلحلة الأزمة السياسية".
يشار إلى أن تونس شهدت ما بين 2013 و2014 حوارا وطنيا أفضى إلى إنهاء الأزمة السياسية التي اندلعت عقب عمليتي اغتيال للمعارضين السياسيين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.