السلطات التونسية تنتشل عشرات الجثث من ضحايا محاولات الهجرة الفاشلة ـ صورة أرشيفية.
السلطات التونسية تنتشل عشرات الجثث من ضحايا محاولات الهجرة الفاشلة ـ صورة أرشيفية.

تواترت في الأيام الأخيرة بتونس، عمليات الإنقاذ لمهاجرين غير نظاميين تعطلت المراكب التي تقلهم في عرض البحر، في ظرف فتح فيه تواصل نسق الهجرة رغم سوء الأحوال الجوية النقاش في الأوساط التونسية بشأن دوافع المخاطرة والهجرة سرّا عبر البحر الأبيض المتوسط.

وقد أعلنت الخميس، قوات الحرس البحري التونسية عن إنقاذ 83 مهاجرا من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء وانتشال 27 جثة عقب تعطل مركبين في عرض البحر فيما تتواصل عمليات البحث عن مفقودين.

يأتي ذلك بعد أيام قليلة، من عملية إنقاذ أخرى نفذها الحرس البحري بمساعدة قوات الجيش حيث أسفرت عن إنقاذ 19 مهاجرا تونسيا من "بينهم شخصا مفارقا للحياة وطفل بالغ من العمر 5 سنوات كان بحالة وفاة ونجدة 5 أفراد كانوا يصارعون الموت سباحة بعد مغادرتهم المركب المتعطل"، وفق بلاغ للإدارة العامة للحرس الوطني التونسي.

وفي ديسمبر المنقضي، أعلنت منظمة "ميديتيرانيا" Mediterranea Saving Human في بيان لها أنها أبلغت عن وجود حطام 3 قوارب هجرة على طول الطريق بين الساحل التونسي ولامبيدوزا كما طلبت من السلطات الإيطالية إجراء عملية بحث واسعة النطاق.

قبل ذلك، وفي أواخر سبتمبر 2024 أعلن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي في تغريدة له على موقع "إكس" أن تونس منذ بداية العام وإلى غاية سبتمبر 2024 منعت أكثر من 61 ألف مهاجر كانوا يريدون الوصول إلى السواحل الإيطالية.

ورغم التقلبات الجوية التي تعيشها تونس خلال هذه الفترة والتي تتزامن مع فصل الشتاء وتوقف بعض الأنشطة البحرية فإن تواصل نزيف الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط وما يحفها من مخاطر، يفتح النقاش في الأوساط التونسية بشأن الدوافع والأسباب فضلا عن الحلول الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة.

"إغراءات يعززها اليأس"

في تشخيصه لدوافع الهجرة وأسبابها، يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان (غير حكومي) مصطفى عبد الكبير إن الهجرة غير النظامية ترتفع وتيرتها في فصل الشتاء جراء الإغراءات المادية التي يقدمها منظمو الهجرات السرية وتجار البشر عبر التخفيض الكبير في كلفة الهجرة فضلا عن استغلال عامل ضعف الرقابة الأمنية بفعل التقلبات الجوية.

ويضيف عبد الكبير لـ"الحرة" بأن أغلب المهاجرين غير النظاميين الذين يخاطرون بركوب البحر خلال هذه الفترة هم من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك لعدم وعيهم ودرايتهم بمخاطر البحر في فصل الشتاء بالإضافة إلى تنامي عوامل اليأس والإحباط لديهم في ظل عدم تمتعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويكون ذلك دافعا للمجازفة والمخاطرة بحياتهم.

ويشدد في السياق ذاته، بأن المهاجرين هم فريسة في قبضة عصابات الاتجار بالبشر وهم ضحايا الظروف الاجتماعية القاسية التي يعيشونها وتغذي فيهم حلم الوصول إلى الفضاء الأوروبي طمعا في ظروف عيش أفضل.

وبخصوص الهجرة غير النظامية في صفوف التونسيين، يوضح المتحدث أن غياب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتواتر الأزمات وتفشي البطالة باتت دافعا قويا للشباب والأسر للتفكير في الهجرة لتأخذ هذه الظاهرة نسقا تصاعديا منذ الثورة التونسية في 2011.

وتشير إحصائيات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) في سبتمبر الماضي أن عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا سنة 2024 بلغ نحو 7600 مهاجر غير نظامي.

مراجعة سياسات الهجرة

من جانبه، يتفق رئيس "جمعية الأرض للجميع" (غير حكومية) عماد السلطاني مع التشخيص القائم على اعتبار أن جل المآسي التي يتم تسجيلها في البحر الأبيض المتوسط خلال هذه الفترة هي في صفوف المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء جراء ما يصفها بـ "الوضعية غير الإنسانية" التي يعيشونها في خيام اللجوء في تونس.

ويقول السلطاني لـ"الحرة" إن مكافحة الهجرة غير النظامية تستوجب إعادة النظر في السياسات المعتمدة بدءا بتوفير أماكن لجوء تقي المهاجرين برد الشتاء وتحفظ كرامتهم فضلا عن مراجعة المقاربة الأمنية في معالجة هذا الملف.

كما يدعو السلطات التونسية إلى مراجعة الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي بخصوص مكافحة الهجرة غير النظامية والتي يؤكد بأنها "حولت تونس إلى حارس بوابة لأروبا " وفاقمت أزمة المهاجرين غير النظاميين القادمين من الدول الأفريقية.

أما بخصوص المهاجرين التونسيين غير النظاميين فيشدد الحقوقي على ضرورة التوجه نحو إبرام اتفاقيات بين تونس والدول الأوروبية تدفع التنمية بالبلاد وتساهم في بعث مشاريع صغرى للفئات الهشة من المجتمع التونسي، فضلا عن تخفيف الإجراءات المتعلقة بإسناد التأشيرات للتونسيين من أجل تسهيل تنقلهم إلى الفضاء الأوروبي بشكل قانوني.

وفي يوليو 2023 وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم حول "الشراكة الشاملة" يتم بموجبها تقديم دعم مادي ولوجيستي لتونس مقابل مكافحة الهجرة غير النظامية.

يشار إلى أن تونس تشهد منذ قرابة الثلاث سنوات، تدفقا لافتا للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بنية العبور إلى سواحل الجزر الإيطالية ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي بحثا عن فرص أفضل للحياة، فيما يواجه هذا الملف انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية في البلاد.

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".