الجزائر قطعت علاقاتتها بشكل رسمي مع المغرب
اتهامات متبادلة بين المغرب والجزائر تتوالى في سياق خلافاتهما المستمرة

كشفت وزارة الدفاع الجزائرية، السبت، أن وحدات جيش البلد أوقفت 2621 تاجر مخدرات وأحبطت محاولات إدخال 36.8 طنا من المخدرات "عبر الحدود المغرب" في العام 2024.

وأفاد بيان للوزارة بأنه "تم إحباط محاولات إدخال 36.8 طنا من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب، وحجز 631 كيلوغراما من مادة الكوكايين و25 مليون قرص مهلوس.

وذكرت أن العمليات العسكرية التي وصفتها بـ"المنظمة والمنسقة" أسفرت عن "توقيف 13 ألفا و722 شخصا وحجز 681 سلاحا ناريا و1624 مركبة"، كما تم "ضبط 5090 مطرقة ضغط و8204 مولد كهربائي و220 جهاز كشف عن المعادن و مليوني لترين من الوقود و193طنا من مادة التبغ، بالإضافة إلى 4322 طنا من المواد الغذائية الموجهة للتهريب والمضاربة، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني".

من جهة أخرى، ذكر البيان أن القوات المسلحة الجزائرية قتلت 51 شخصا في 2024 قالت إنهم إرهابيون، وأوقفت 457 ممن سمتهم عناصر دعم للإرهاب، بينما جرى "كشف وتدمير 10 مخابئ كانت تستعمل من طرف الجماعات الإرهابية، مع استرجاع 97 قطعة سلاح ناري و48 قنبلة من مختلف الأصناف، بالإضافة إلى كميات من الذخيرة من مختلف العيارات".

وتواترت الاتهامات الجزائرية الرسمية للمغرب باستهدافها بتهريب المخدرات في الشهور الماضية، في سياق احتداد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بشأن تطورات ملف الصحراء الغربية.

في المقابل، ظل ينفي المغرب هذه الاتهامات، ووصفها في مارس 2023 عبر السفير الممثل الدائم للمغرب بفيينا، عز الدين فرحان، في اجتماع للجنة المؤثرات العقلية بفيينا، بـ"الأكاذيب" و"الاتهامات الواهية والسمجة".

العلاقات مقطوعة والحدود مغلقة بين البلدين
معلومات مضللة وسباق تسلح.. تقرير يحذر من اندلاع الحرب بين المغرب والجزائر
حذر تقرير لمجموعة الأزمات الدولية من أن الضغوط المتصاعدة في الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر قد تؤدي إلى الصدام وتدفع بالبلدين إلى الحرب، داعيا الحكومات الأوروبية إلى الاضطلاع بدور قيادي في المساعدة على إدارة التوترات بين الجارين في انتظار انتهاء الانتقال السياسي في الولايات المتحدة.

وذكر الدبلوماسي المغربي حينها أن "الجزائر هي التي تنتج مخدرات وتهربها للمغرب"، قائلا إن "السلطات المغربية حجزت، خلال سنة 2022 وحدها، مليونين و838 ألف و69 وحدة من المواد المهيجة الوافدة أساسا من الجزائر، أي بارتفاع قدره 75 في المائة مقارنة مع 2021"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء المغربية.
 

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".