المنفي وسعيد وتبون في آخر لقاء لقادة القمة الثلاثية
المنفي وسعيد وتبون في آخر لقاء لقادة القمة الثلاثية

من المرتقب أن تحتضن العاصمة الليبية طرابلس في يناير الحالي قمة ثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا أُعلن أنها ستكون لـ"مناقشة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها هذه البلدان المغاربية".

وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد أكد في مؤتمر صحفي، الاثنين الماضي، خصص لعرض حصاد نشاط الدبلوماسية الجزائرية خلال 2024، التنسيق مع ليبيا وتونس للتحضير للقمة الثالثة للانعقاد في العاصمة طرابلس بداية الشهر الجاري.

وانطلقت فكرة اللقاء الثلاثي على هامش قمة الغاز التي احتضنتها الجزائر في مارس 2024، حيث تدارس الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي الأوضاع في المنطقة المغاربية، ليتم الاتفاق على تكثيف الجهود وتوحيدها في مجابهة التحديات الاقتصادية والأمنية.

ويأتي التحضير لقمة ثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا في ظرف تتصاعد فيه المخاوف من عودة المسلحين من سوريا وتسلل المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود المشتركة بين البلدان الثلاثة.

في خضم ذلك، تطرح هذه القمة تساؤلات بشأن أبعادها ورهاناتها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية متقلبة.

فكرة الثلاثية

في أبريل الماضي، احتضنت تونس قمة ثلاثية بحضور كل من الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي.

مخرجات تلك القمة أوصت بإقامة "تعاون وشراكة عدة على المستوى الأمني، مثل تكوين فرق عمل مشتركة لتنسيق الجهود لحماية أمن الحدود بين البلدان الثلاثة من مخاطر الهجرة غير النظامية، خاصة من دول جنوب الصحراء وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة".

وتضمنت المخرجات الاتفاق على تكوين فرق عمل مشتركة لتنسيق الجهود لحماية أمن الحدود بين البلدان الثلاثة من مخاطر الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة.

واتفق الرؤساء الثلاثة على "تعجيل تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثلاث وتطوير التعاون وتذليل الصعوبات المعيقة لانسياب تدفق السلع، مع تسريع إجراءات تنقل الأفراد وإقامة مناطق تجارية حرة بينها".

رهانات القمة

يقول السياسي والدبلوماسي التونسي السابق أحمد ونيس لـ "الحرة" إن الملفات التي يجب أن تكون محور النقاش في هذه القمة هي مسألة تأمين الحدود في مجابهة خطر عودة الإرهابيين من بؤر التوتر وبحث سبل وقف نزيف تسرب المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود المشتركة.

ويشدد الدبلوماسي على أن "الوضع الاقتصادي المتأزم التي تعيشه تونس يحتاج تضامنا مغاربيا واسعا يساعد هذا البلد على تجاوز صعوباته المالية في الظرف الراهن".

وبخصوص الأوضاع في ليبيا يؤكد المتحدث أن "الرهان القائم اليوم هو فرض السلام في هذا البلد عبر جمع الفرقاء السياسيين على طاولة مفاوضات واحدة والسعي إلى إيجاد وساطات مغاربية تنهي النزاع بين مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي".

غير أن ونيس يرى أن هذه "الرهانات" العديدة وذات أبعاد الأمنية والاقتصادية "تستوجب توسيع دائرة النقاش لتشمل أيضا المغرب وموريتانيا ولا تقتصر فقط على تونس وليبيا والجزائر".

سياقات مختلفة

وفي تعليقه على هذا الموضوع، يرى المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل أن القمة الرئاسية الثلاثية المرتقبة "لن تتجاوز أبعادها الشكلية وإثبات الحضور أكثر من أي شيء آخر".

ويبرر المتحدث موقفه باعتبارات أهمها أن "ليبيا لا تتوفر فيها صفة الشريك الاستراتيجي الذي يمكن الاعتماد عليه في الوصول إلى خطط يمكن أن تكون ثلاثية".

ويوضح عقيل في حديثه لـ"الحرة" وجهة نظره بالقول "السلطات الليبية اليوم هي عرفية جاءت عقب توافقات أجنبية أكثر مما هي ليبية فضلا عن توتر الأوضاع بهذا البلد المغاربي وتراجع نفوذ رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي عقب الإجراءات التي أعلن عنها مؤخرا".

سعيد استقبل تبون والمنفي بالعاصمة التونسية
بدون المغرب وموريتانيا.. ماذا وراء ​تكتل الجزائر وتونس وليبيا؟
وسط حالة الجمود التي يعيشها تكتل اتحاد المغرب العربي، استضافت العاصمة التونسية، الاثنين، اجتماعا ضم الرئيسين الجزائري والتونسي إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، في لقاء يُعدّ الأول من نوعه على هذا المستوى.

ويتابع في هذا السياق بأن "المنفي لم يعد فاعلا ولا يتحكم إلا في المساحة المحيطة بمكتبه فقط ولا يحكم في ما يجري في الشرق الليبي من توتر"، لافتا إلى ما اعتبره "تراجعا للتوافق النسبي الذي كان يتمتع به المنفي قبل إعلانه الإجراءات الأخيرة، من ضمنها الإطاحة بمحافظ البنك المركزي وتأسيس هيئة الاستفتاء العرفية لاستخدامها في الإطاحة بالبرلمان ومجلس الدولة".

ويشدد عقيل على أن تلك الإجراءات "ساهمت في توتير الأوضاع في ليبيا وزادت في مخاوف الأطراف الفاعلة في الشرق الليبي، وهو ما يجعل هذه القمة الرئاسية الثلاثية تكون شكلية".

ويشير إلى أنه على نقيض الأوضاع في ليبيا، فإن "الاستقرار الذي تتمتع به تونس والجزائر في ظل حكوماتها المنتخبة وامتلاكها لأدوات فرض الأمن الاستراتيجي يمكّنها من التعاطي مع الأخطار المرتقبة من بينها المضاعفات الخطيرة الناجمة عن الأزمة السورية عقب تحرك غرفات التسفير وسيطرة الجماعات الإرهابية على كل الوثائق الرسمية في سوريا مما يمكنها من إصدار جوازات سفر والاستفادة من الموارد المالية للدولة السورية".

وسبق للسلطات التونسية أن أعلنت في 2 يناير الجاري عن تحويل رحلات الطيران القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار تونس قرطاج الدولي وإخضاع المسافرين إلى تفتيش دقيق.
 

تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية
تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية

تجدد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إلى الواجهة، عقب إعلان الجيش الجزائري عن تحرير سائح إسباني من قبضة جماعة مسلحة، كما جاء ذلك بعد فترة من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية، بطلب من حكومة النيجر، مقابل ظهور مرتزقة فاغنر الروسية التي تحاول التمدد في الساحل الأفريقي بتقديم خدماتها لحكومات من دول المنطقة.

وتمكنت المصالح الأمنية للجيش الجزائري، الثلاثاء، من تحرير الرعية الإسباني، نفارو كندا جواكيم، الذي تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة في منطقة الساحل منتصف الشهر الجاري.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية فإن الرعية الإسباني كان في رحلة سياحية حين تعرض للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد بتاريخ 14 يناير الجاري على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة.

ونقل السائح الإسباني على متن طائرة عسكرية من جنوب البلاد إلى القاعدة العسكرية لبوفاريك (شمال) قبل تسليمه لسطات بلاده.

كما شهدت المنطقة الجنوبية للجزائر، مقتل سائحة سويسرية، في 11أكتوبر 2024، بمدينة جانت، عندما هاجمها رجل بسكين خلال وجودها في أحد المقاهي وأقدم على ذبحها أمام أطفالها، وهو يصرخ "الله أكبر"، وفق ما أوردته وكالة فرانس براس.

وتشهد منطقة الساحل توترات أمنية على خلفية عدم الاستقرار الذي أعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية، ومقابل انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، ظهرت مجموعة فاغنر الروسية في المشهد الأمني لدعم وترسيخ حكم العسكريين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويُقصد بالساحل الأفريقي "الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا، ويُغَطِّي أجزاءً من شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ووسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وأقصى جنوب الجزائر، والنيجر، وأقصى شمال نيجيريا، وأقصى شمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووسط تشاد ووسط وجنوب السودان وأقصى شمال جنوب السودان وإريتريا وأقصى شمال إثيوبيا، وفق تعريف للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

وساهم قيام مجموعة فاغنر بقيادة المواجهات بين الجيش المالي وجماعات الطوارق المتمردة على باماكو في موجة من التصعيد الأمني والعسكري بمنطقة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية المالية، وتكبدت فاغنر في يوليو 2024 خسائر بشرية ومادية كبيرة أثناء تلك المعارك المسلحة، قبل أن تعاود قوات مالية الهجوم على الطوارق في أغسطس 2024 وتكبدهم خسائر بشرية.

جماعات متشددة "تدير أقاليم في أفريقيا"

ومع تزايد المواجهات تستغل الجماعات الإرهابية والمسلحة الناشطة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات حالة التصعيد لتوسيع نطاق تواجدها، ويرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن "بؤرة الإرهاب العالمي انتقلت إلى منطقة الساحل الصحراوي، التي أصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم".

وأثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، ترأستها الجزائر، ذكر عطاف أن أفريقيا قد "تعرضت خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص".

وتحدث عطاف عن "جماعات إرهابية تسيطر على مناطق جغرافية شاسعة، تصل إلى أكثر من 60 بالمئة من الأقاليم الوطنية لبعض دول المنطقة وتشرف على إدارتها كسلطات أمر واقع"، مضيفا أن "جماعات إرهابية تستخدم التكنولوجيات الجديدة والابتكارات المالية التي تجعل من شبكات أعمالها معقدة وصعبة الترصد".

وتعليقا على الواقع الجديد الذي تسعى هذه الجماعات لتكريسه، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد القادر حريشان، أن منطقة الساحل تمر "بتحولات عميقة وخطيرة في آن واحد، بسبب التغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها بشكل عنيف".

ويشير حريشان في حديثه لـ "الحرة" إلى أن التحولات التي مست أنظمة في العديد من دول الجوار، بما في ذلك التي أعقبت الربيع العربي، "زادت من هشاشة الأوضاع الأمنية، وعززت من تواجد الجماعات المتشددة" التي تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء الكبرى والساحل.

واستدعى ذلك وفق المتحدث "تعزيز" الجزائر لتواجدها الأمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية بصفة خاصة، و"تكثيف" التعاون الأمني مع عدة شركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، "بغرض تشديد الخناق على تلك الجماعات".

ووقعت الجزائر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع الجزائري، السعيد شنقريحة، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي "تركز على التعاون العسكري"، الذي قال في تصريح له إنه وقع رفقة شنقريحة على مذكرة تفاهم "تؤسس لجميع الأهداف الأمنية التي تجمع البلدين".

"انسحاب" القوات الدولية

ومن العاصمة المالية باماكو يؤكد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد ويس المهري، أن الوضع في منطقة الساحل يشهد "تفاقما كبير من الناحية الأمنية وتمدد الجماعات الجهادية المتمثلة في تنظيم القاعدة وداعش"، في ظل تطورات داخلية وخارجية كبيرة في المنطقة.

ويرجع محمد ويس المهري هذه التطورات إلى "انسحاب القوات الدولية في مقدمتها الأميركية التي كانت تستهدف نشاط هذه الجماعات انطلاقا من قاعدتها في النيجر"، مضيفا في حديثه لـ "الحرة" أن الاختطاف والمطالبة بالفدية أصبحت "تجارة رائجة" لدى هذه الجماعات لتمويل عملياتها العسكرية.

ويجدد المتحدث تأكيداته على أن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تستخدم الطائرات بدون طيار لمطاردة تلك الجماعات "أثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في المنطقة، وفسح المجال لجماعات مسلحة للتحرك بحرية"، مشيرا إلى أنه من الضروري "تركيز الجهود مرة أخرى على مكافحة تمدد المتشددين في بلدان الساحل والصحراء الكبرى".