الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

شرعت الرئاسة التونسية منذ أسابيع في إجراء اتصالات غير معلنة بعدد من الشخصيات السياسية وممثلين عن أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية، ترتيبا لإجراء حوار وطني في مارس المقبل، فيما استثنت حركة النهضة، وفق ما ذكرت مصادر لـ"الحرة".

وأوضحت المصادر أن "الحوار السياسي يهدف إلى إذابة الجليد" بين سلطة الرئيس قيس سعيد وطيف واسع من القوى السياسية والمدنية في البلاد، و"رسم ملامح مرحلة انفتاح سياسي على الأحزاب والائتلافات الداعمة للسلطة والمعارضة لها".

وشملت الاتصالات شخصيات سياسية سبق أن دعمت إجراءات الحكم الاستثنائية التي فرضها سعيد في يوليو عام 2021، فضلا عن ممثلين عن بعض أحزاب المعارضة.

وكشفت مصادر الحرة، أن الحوار السياسي المنتظر "سيستثني حزب النهضة الإسلامي وعددا من القوى والشخصيات الداعمة له، مثل جبهة الخلاص الوطني المعارضة التي يقودها أحمد نجيب الشابي".

ويأتي هذا الحوار في ظل تصاعد حدة الخلاف بين السلطة والمعارضة، التي تتهم الرئيس باستهداف معارضيه بالملاحقات الأمنية والقضائية، والتضييق على الحريات، وشل نشاط الأحزاب السياسية" منذ قراره حل البرلمان والحكومة وصياغة دستور جديد للبلاد، قبل إعادة انتخابه لمدة رئاسية ثانية في أكتوبر من العام الماضي .

وتشير المعطيات إلى أن سعيد سيعمل في المرحلة المقبلة على تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لسلطته". وذكرت مصادر مقربة من الرئاسة التونسية، أن إدارة سعيد تسير نحو "الانفتاح السياسي" للمرحلة القادمة، مما "سيترجم بخطوات عملية قريبا".

ومن بين هذه الخطوات، وفق المصادر، "إجراء تعديل وزاري قد يطيح بوزيرة العدل ليلى جفال". كما من المتوقع أن تشمل اقتراح تعديل على المرسوم الرئاسي 54، المتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال".

وتقول منظمات حقوقية إنه "يستعمل للتضييق على معارضي سعيد ومنتقدي سلطته"، إثر الحكم على نشطاء وإعلاميين وسياسيين بالسجن خلال الأشهر الأخيرة، على خلفية كتاباتهم ومواقفهم.

ومن المتوقع كذلك، حسب مصادر، أن تنتهي اجراءات "الانفتاح" السياسي بتخفيف عدد من الأحكام بالسجن التي صدرت ضد عدد من النشطاء والإعلاميين خلال الأشهر الأخيرة .

ورجح مراقبون خلال الفترة الأخيرة أن تتجه السلطات في تونس إلى إعادة ترتيب البيت السياسي الداخلي تفاعلا مع المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، وأبرزها ما يحدث في سوريا وليبيا وعدد من البلدان الأخرى.

واعتبر البعض أن ما يدعم هذه القراءة، هو حديث سعيد نهاية العام الماضي، عن ضرورة "التأسيس لوحدة وطنية"، قائلا خلال اجتماع لمجلس الوزراء حينها: "إن تحديات كثيرة سنرفعها في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، وتتمثل في وحدة وطنية صمّاء تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".

ويقول معارضون للرئيس التونسي، إن استمرار سجن قيادات بارزة لقوى المعارضة، فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، قد يقلل من حظوظ نجاح "الحوار السياسي" المنتظر في الوصول إلى مصالحة سياسية حقيقية تطوي صفحة من الاشتباك السياسي بين السلطة والمعارضة تتواصل منذ أكثر من 3 أعوام .

ومن بين  مَن سجنوا، راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي وعدد من قيادات حزبه، وعصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، وغازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي المعارض.

محمد فوزي الكركري زعيم الطريقة الصوفية الكركرية
تطال الانتقادات الشيخ الكركري نفسه وأنه يمارس السحر والشعوذة لجذب المريدين ويعيش حياة باذخة

"رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام وأرشدني إلى الشيخ، وتغيرت حياتي إلى الأفضل" هكذا يتحدث محمد الجادوي، عن الطريقة الكركرية التي ظهرت في المغرب وانتشرت إلى بلدان أخرى وباتت موضع جدل كبير وسط باقي الطوائف والمذاهب.

الجادوي هو تونسي مقيم بأميركا، دكتور وباحث في مجال السرطان في جامعة "ستارفورد"، وأنا "مريد عند مولانا الشيخ" يقول الجاودي في حديثه لموقع "الحرة".

ويتابع "تغيرت حياتي للأفضل، ووجدت ما كنت أبحث عنه بعدما قادتني صلاة استخارة إلى الشيخ.

شيخ في الخمسين 

الشيخ هو محمد فوزي الكركري، زعيم الطريقة الكركرية التي تعد من الطرق الصوفية الحديثة النشأة بالمغرب، يوجد مقرها في مدينة العروي بإقليم الناظور (شمال المغرب)، ويعرف، أتباعها باسم "الفقراء" ويتميزون بردائهم المرقّع بألوان الطيف، بحيث يقومون بخياطة المرقعة بأيديهم.

بدأت الطريقة في الانتشار قبل سنوات عديدة، لكن شهرتها والجدل الذي خلقت بدأت قبل أشهر فقط عندما انتشرت صور لرجل بلحية طويلة يتخللها الشيب، ويرتدي ملابس كثيرة الألوان، فيما عدد كبير من الأشخاص يتحلقون حوله وهم يرتدون بدورهم ملابس زاهية كثيرة الألوان.

والمناسبة كانت ذكرى عيد المولد النبوي، في الأسبوع الدولي السادس للتصوف في الفترة الممتدة من 15 إلى 21 سبتمبر 2024.

الرجل في الخمسينيات من العمر، يدعى محمد فوزي الكركري، فيما أتباعه ممن تحدثت معهم "الحرة" يتحدثون عنه بصفة "الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره".

ولد بقبيلة تمسمان المغربية عام 1974، وخرج سائحا في أرض المغرب وزار مدنا عديدة، ودامت غربته عشر سنوات، عاد بعدها إلى مسقط رأسه، وفق ما تقول عنه الصفحة الرسمية للطريقة على الإنترنت.

خلف عمه في مشيخة الطريقة في 2007، وارتبط اشتهارها به حتى بات لها وجود في عدد من البلدان كالجزائر ومصر وممثلين لها في كندا وأميركا.

وفي 2017، خلّف شريط فيديو لمؤذن جزائري وهو يحكي عن تجربته ضمن "الطريقة الكركرية"، جدلا واسعا بالجزائر، جعل عددا من رجال الدين في البلاد يهاجمون هذه الطريقة التي وصفت الزاوية بأنها طائفة لا تمت بصلة للمذهب المالكي، وتريد أن تفتن الناس.

كما دشن أتباع الطريقة الكركرية المغربية في مصر، فرع للطريقة الكركرية في محافظة الإسماعيلية.

أما في تونس، فتعرف الطريقة نفسها بأنها "طريقة صوفية متصلة السند برسول الله، مالكية المذهب أشعرية العقيدة جنيدية المسلك".

ويتباهى فرع الطريقة في تونس على صفحته الرسمية بعدد ممن "أخذو البيعة من الشيخ".

 ويدافع التونسي الجادوي في حديثه للحرة أن المذهب المالكي يشير إلى "ضرورة الشيخ لكي يقودك إلى الله" وأن " التصوف شيء عادي في الإسلام".

متصوف غارق في الملذات

لكن الطريقة لا تواجه فقط تهمة ابتعادها عن الدين بل تطال الانتقادات الشيخ الكركري نفسه وأنه يمارس السحر والشعوذة لجذب المريدين ويعيش حياة باذخة.

وتنتشر صور للشيخ تظهر حياة بذخ، فمن صوره وهو نائم في يخت في عرض البحر إلى صوره مستلقيا وسط البحر على متن قارب، إلى صوره يستمتع بالثلوج في كندا ويداعب مفاتيح البيانو.  

ويستغرب البعض كيف يعيش الشيخ هذه الحياة فيما اعتاد أتباع الطريقة الكركرية، على ارتداء الملابس الملونة والمرقعة، حيث يعتبرون ذلك من آداب الزهد والتقشف.   

مدافعا عن الشيخ، يقول الجادوي، إن الشيخ لم يسرق مال الناس، ولم يخالف الشرع في صرف أمواله "والشرع سمح لكل إنسان بصرف ماله بما يحب".

ونفى متحدث باسم الشيخ للحرة كل الاتهامات الموجهة إليه، وأكد صحة ممارساته الدينية وعن أسلوب حياته الذي لا يخالف الدين، بحسب تعبيره.

الشيخ الكركري يلقي محاضرات في أميركا

يزور الكركري الولايات المتحدة الأميركية، وبعدما ألقى محاضرة في جامعة شيكاغو الأسبوع الماضي، يلقى ، السبت، محاظرة في جامعة إنديانا قبل أن يتوجه إلى جامعة "ستافورد".

ويقول متحدث باسم الشيخ للحرة إن ذلك يأتي في سياق سلسلة الدورات والأنشطة العلمية التي تنظمها مؤسسة الكركري للدراسات الصوفية.

وتركز هذه المحاضرات بحسب المتحدث على محاور السير والسلوك الروحي وأبعاده النفسية والعقلية والجسدية.

وفيما تطال الشيخ وطريقته الانتقادات، يقول أتباعه إنها تقويهم أمام معارضيهم، ينتشر التصوف في المغرب وتحظى بعض الطرق برعاية رسمية،  ويردد منتقدون إن الزوايا والطرق الصوفية بالمغرب تقوم بأداء دور "فزاعة" دينية تنصبها الدولة لتقزيم باقي التيارات الإسلامية التي قد تنازعها شرعيتها الدينية.