تبون وولد الغزواني ومحمد السادس (صورة مركبة)
تبون وولد الغزواني ومحمد السادس (صورة مركبة)

أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية الاثنين أن الحكومة الموريتانية وافقت على تعيين أمين صيد سفيرا جديدا لديها.

وعين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون صيد سفيرا فوق العادة لبلاده في موريتانيا نهاية ديسمبر الماضي، بعد إنهاء مهام السفير السابق محمد بن عتو الذي تولى المنصب من سبتمبر 2021 حتى إقالته في ديسمبر الماضي.

ووافقت موريتانيا على تعيين السفير الجزائري الجديد بعد نحو شهر على تعيينه من طرف الرئيس تبون.

وقبل تعيينه، كان صيد يعمل مستشارا في سفارة بلاده في مصر، وقبلها قضى مسارا دبلوماسيا في الخارجية الجزائرية وبمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية الدولية.

وتزامنت إقالة بن عتو مع تقارب مغربي موريتاني، إذ أدى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، منتصف ديسمبر الماضي، زيارة إلى المغرب.

ونقلت صحف موريتانية محلية بيانا للمكتب الإعلامي لرئاسة البلد أوضح أن زيارة ولد الغزواني هي خاصة من أجل "الاطمئنان على صحة حرمه مريم بنت الداه بعد إجرائها عملية جراحية في أحد مستشفيات الرباط".

لكن الزيارة شهدت لقاء رسميا بين ولد الغزواني والعاهل المغربي محمد السادس أكد خلاله الطرفان "حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وتنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي"، وفق بلاغ صادر عن الديوان الملكي المغربي.

وقالت الرئاسة الموريتانية في بيان أن لقاء ولد الغزاوني ومحمد السادس جرى "في جو ودي يعكس عمق ومتانة العلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين الشقيقين وقائديهما".

سباق الغاز

وعقب الزيارة مباشرة، أُعلن في 23 يناير بمدينة الرباط عن توقيع مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في مجالي الكهرباء والطاقات المتجددة بين المغرب وموريتانيا.

ويشمل الاتفاق دراسة مشروع ربط كهربائي مشترك بين البلدين وتنفيذ مشاريع لتزويد قرى موريتانية بالكهرباء، وتطوير مبادرات الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى العمل على توحيد الأنظمة الكهربائية القياسية بين البلدين.

كما ناقش وزير الطاقة الموريتاني محمد ولد خالد مع نظيرته المغربية ليلى بنعلي "التطرق إلى مشاريع استراتيجية كبرى، مثل مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا ومشاريع الطاقات الجديدة كالهيدروجين الأخضر".

ويجري تنافس بين المغرب والجزائر بشأن مشروع الغاز النيجيري، ففي 14 يناير 2002 تم التوقيع على مذكرة للتفاهم للتحضير لمشروع "خط أنابيب الغاز العابر للصحراء" بين مؤسسة البترول الوطنية النيجيرية وشركة "سوناطراك" الجزائرية.

وكان المشروع يستهدف ربط خط أنابيب تنقل الغاز النيجيري لأوربا عبر النيجر والجزائر، وأُعلن أن العمل به سيبدأ في الفترة ما بين 2015 و2017.

إسبانيا تعتمد على الغاز الجزائري
سباق مغاربي على مشروع الغاز النيجيري.. من يفوز بالصفقة؟
بات مشروع الغاز النيجيري محور تنافس شديد بين عواصم مغاربية ثلاث، بعد أن كان السباق مقتصرا قبل سنوات على الجزائر والرباط فحسب.

وشكّل دخول ليبيا السباق، مفاجئة للأوساط الاقتصادية والمالية خاصة مع ما تعيشه هذه الدولة المغاربية من انقسامات حادة وتوترات أمنية في عدد من مناطقها.

غير أنه في تلك الفترة، وتحديدا في نهاية 2016، أُعلن عن مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، ويشمل إنشاء خط أنابيب تنقل الغاز النيجيري على طول 6 آلاف كيلومتر نحو إسبانيا ومنها لأوربا عبر المغرب مرورا بـ 11 دولة على طول الساحل الأطلسي.

طريقان مفترقان

كما كشفت تقارير إعلامية مغربية وموريتانية عن تقدم مشروع طريق  يربط مدينة السمارة مع موريتانيا.

وسيصير الطريق الثاني من بين البلدين بعد معبر الكركرات. وأفادت تقارير إعلامية بأنه سيسمح بتكثيف حركة التجارة بين أوروبا وبلدان الغرب الأفريقي عبر المغرب وموريتانيا.

وكانت الجزائر وقعت مع موريتانيا في 2021 مذكرة تفاهم تقضي بإنجاز طريق بري يربط بين مدينتي تندوف الجزائرية وازويرات الموريتانية والذي يبلغ طوله 773 كيلومترا.

وقضى الاتفاق بأن يمنح حق تسيير الطريق بعد إنجازه، حسب النظام القانوني للامتياز، لفائدة الطرف الجزائري لمدة 10 سنوات بعد دخوله الخدمة القابلة للتجديد ضمنيا، باعتبار أن الجزائر هي من تتكفل بإنجاز المشروع.

وفي فبراير الماضي، أكد الرئيس  الجزائري عبد المجيد تبون، خلال زيارة لولاية تندوف، على "ضرورة المرور إلى السرعة القصوى" في إنجاز مشروع الطريق واصفا إياه بـ"الحيوي".

وتشرف 10 مؤسسات جزائرية على إنجاز المشروع بإشراف مكتب دراسات جزائري.

وفي شهر فبراير نفسه، أعطى تبون وولد الغزواني غشارة انطلاق مشروع الطريق، كما دشنا معبرين حدودين جديدين بيبنهما.

وقائع متزامة

في يوم 21 ديسمبر عاد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى بلاده قادما من زيارته إلى المغرب والتي دامت 4 أيام.

وبعد أربعة أيام على وصوله، أعلنت الرئاسة الموريتانية عن تغييرات واسعة همت قيادة المؤسسة العسكرية في البلد.

وشملت التغييرات تعيين اللواء محمد فال الرايس الرايس قائدا للأركان العامة للجيوش، واللواء إبراهيم فال الشيباني الشيخ أحمد قائدا للأركان الخاصة لرئيس الجمهورية.

كما جرى تعيين اللواء أحمد محمود محمد عبد الله الطايع قائدا لأركان الدرك الوطني، واللواء أب بابتي الحاج أحمد مفتشا عاما للقوات المسلحة وقوات الأمن.

وتم تعيين اللواء محمد المختار الشيخ مني قائدا مساعدا للأركان العامة للجيوش، والعقيد محمد الأمين محمد ابلال قائدا لكلية الدفاع لمجموعة الساحل. كما تم تعيين اللواء صيدو صمبا ديا مديرا عاما للأمن الخارجي والتوثيق.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.