الملك الحسن الثاني وآية الله الخميني
الملك الحسن الثاني وآية الله الخميني

زعيمان، أحدهما في شرق العالم الإسلامي، اعتبر نفسه مدافعا عن آل البيت.

والثاني ملك في أقصى غرب العالم الإسلامي، انتسب للأسرة العلوية.

أمير المؤمنين، وآية الله، جمعا الزعامتين الدينية والدنيوية، وفرقهما السياسة، و"الفقه"!

المغرب وإيران قطبان دينيان، لهما تاريخ فكري عريق. لكن العلاقة اضطربت منذسبعينيات القرن الماضي.

الأزمات الإقليمية سبب رئيسي للخلافات، لكن الفروق العقائدية سبب آخر لا يعرفه كثيرون.

بدأ الاضطراب بعد انهيار نظام الشاه رضا بهلوي وانتصار الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني في فبراير 1979.

حينها، أعلن المغرب استضافة محمد رضا بهلوي ومنحه حق اللجوء السياسي، إذ لم يتأخر الرد الإيراني كثيرا بإعلان طهران عام 1980 الاعتراف بجبهة البوليساريو، ثم إعلان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.

هذه قصة فصل واحد من فصول الخلاف: فتوى مغربية وتصريحات ملكية غير مسبوقة تشكك في "إسلامية" النظام في إيران!

إمارة المؤمنين ضد إمارة الفقيه

في بدايات الخلاف، اتهم المغرب إيران بمحاولة تصدير المذهب الشيعي إلى البلاد، وانتقدت مؤسسات رسمية مغربية تصريحات أدلى بها الخميني لوسائل إعلام خليجية واعتبرها "مخالفة للكتاب والسنة".

وردا على التصريحات نفسها، أصدر علماء المغرب في يوليو من عام 1980 فتوى انتقدوا فيها أفكار الخميني، خاصة رؤيته للحكم كما وردت في كتابه "الحكومة الإسلامية"، أو "ولاية الفقيه" الذي أصدره الخميني آنذاك.

وجاء في نص الفتوى التي نشرتها مجلة "دعوة الحق"، الصادرة عن وزارة الشؤون الإسلامية المغربية، أن "الأقوال الشنيعة" التي وردت في كلام المرشد الإيراني تعتبر "تطاولا على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين".

وأوضح نص الفتوى أن الخميني صرح بأن "الأنبياء جميعا جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا وحتى النبي محمد صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك. إن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم ويقوم الانحرافات هو الإمام المهدي المنتظر".

واسترسلت الفتوى نقلا لكلام الخميني "إن مسألة غيبة الإمام المهدي هي مسألة هامة تعلمنا أشياء كثيرة، ومن بينها أنه لا يوجد في العالم أحد سواه من أجل تنفيذ العدالة بمعناها الحقيقي، و أن الله تعالى أبقاه ذخرا من أجل البشرية وسيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما فشل فيه الأنبياء و الأولياء".

ونقلت الفتوى التي أصدرها علماء المغرب فقرة من كتاب "الحكومة الإسلامية"، ذكر فيها الخميني أن "للإمام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها جميع ذرات الكون وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل".

وردا على ذلك، أوضحت الفتوى أن المرشد الإيراني "تجاوز بهذه الادعاءات الفاسدة كل ما كان معروفا عن الشيعة، وتطاول حتى على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين"، وذلك "جعل مكانة المهدي المنتظر في نظره فوق مكانة الجميع وزعم أن لا ملك مقربا ولى نبيا مرسلا أفضل منه".

ولفتت الفتوى إلى أن "الأخطر من ذلك ما زعمه الخميني من أن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون ومقتضى ذلك أن الخميني يعتبر المهدي المنتظر شريكا للخالق عز وجل في الربوبية والتكوين".

تبعا ذلك، اعتبرت الفتوى أن كلام الخميني "كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم ولا يقبله ولا يقره أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يبرئ قائله من الشرك والكفر بالله غلا التوبة والرجوع عنه صراحة وعلنا والتبرؤ منه وإصدار بيان بذلك"، لتكفر بذلك الزعيم الإيراني.

إلى جانب ذلك، دعا علماء المغرب أئمة الشيعة إلى "توضيح" موقفهم من تصريحات الخميني، كما طالبوا من علماء الدول الإسلامية الوقوف في وجه، ما أسموه، "هذا التيار الهدام".

"مسلم" و"ملحد"

أربع سنوات بعد ذلك، عاد الملك المغربي الراحل إلى التذكير بالفتوى في خطاب بثه التلفزيون المغربي اتهم فيه الحسن الثاني إيران بالتحريض والضلوع في الاحتجاجات التي هزت مدنا مغربية بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية مطلع تلك السنة.

وقال الملك المغربي "صاحبنا السي الخميني الذي كفره المغرب رسميا بفتوى أصدرها العلماء منذ عامين لقوله إن الإمام هو الأقرب إلى الله من الملائكة المقربين ومن الرسل ومن حتى النبي صلى الله عليه وسلم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

وبقي الخلاف العقائدي محور جدل بين الرباط وطهران، فصرح الحسن الثاني في حوارات أجرته معه الصحافة الفرنسية أنه "إذا كان الخميني مسلما فأنا ملحد"، في إشارة إلى تشكيكه في عقيدة المرشد الإيراني.

وسئل الحسن الثاني في حوار آخر :

هل سبق لكم أن قلتم يوما إنه إذا ما قيل لكم إن الإمام الخميني يجسد الدين الإسلامي فإنكم ستعلنون إلحادكم؟؟

وأجاب الملك الراحل: "هذا صحيح، ومازلت متمسكا بما قلته، فإيران حاليا تقول بوجوب خضوع الدولة لا إلى القوانين الوطنية، وإنما إلى قوانين الشيعة الجعفرية، التي تفترض وجود إمام يعلو عن كل سلطة دنيوية".

محمد فوزي الكركري زعيم الطريقة الصوفية الكركرية
تطال الانتقادات الشيخ الكركري نفسه وأنه يمارس السحر والشعوذة لجذب المريدين ويعيش حياة باذخة

"رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام وأرشدني إلى الشيخ، وتغيرت حياتي إلى الأفضل" هكذا يتحدث محمد الجادوي، عن الطريقة الكركرية التي ظهرت في المغرب وانتشرت إلى بلدان أخرى وباتت موضع جدل كبير وسط باقي الطوائف والمذاهب.

الجادوي هو تونسي مقيم بأميركا، دكتور وباحث في مجال السرطان في جامعة "ستارفورد"، وأنا "مريد عند مولانا الشيخ" يقول الجاودي في حديثه لموقع "الحرة".

ويتابع "تغيرت حياتي للأفضل، ووجدت ما كنت أبحث عنه بعدما قادتني صلاة استخارة إلى الشيخ.

شيخ في الخمسين 

الشيخ هو محمد فوزي الكركري، زعيم الطريقة الكركرية التي تعد من الطرق الصوفية الحديثة النشأة بالمغرب، يوجد مقرها في مدينة العروي بإقليم الناظور (شمال المغرب)، ويعرف، أتباعها باسم "الفقراء" ويتميزون بردائهم المرقّع بألوان الطيف، بحيث يقومون بخياطة المرقعة بأيديهم.

بدأت الطريقة في الانتشار قبل سنوات عديدة، لكن شهرتها والجدل الذي خلقت بدأت قبل أشهر فقط عندما انتشرت صور لرجل بلحية طويلة يتخللها الشيب، ويرتدي ملابس كثيرة الألوان، فيما عدد كبير من الأشخاص يتحلقون حوله وهم يرتدون بدورهم ملابس زاهية كثيرة الألوان.

والمناسبة كانت ذكرى عيد المولد النبوي، في الأسبوع الدولي السادس للتصوف في الفترة الممتدة من 15 إلى 21 سبتمبر 2024.

الرجل في الخمسينيات من العمر، يدعى محمد فوزي الكركري، فيما أتباعه ممن تحدثت معهم "الحرة" يتحدثون عنه بصفة "الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره".

ولد بقبيلة تمسمان المغربية عام 1974، وخرج سائحا في أرض المغرب وزار مدنا عديدة، ودامت غربته عشر سنوات، عاد بعدها إلى مسقط رأسه، وفق ما تقول عنه الصفحة الرسمية للطريقة على الإنترنت.

خلف عمه في مشيخة الطريقة في 2007، وارتبط اشتهارها به حتى بات لها وجود في عدد من البلدان كالجزائر ومصر وممثلين لها في كندا وأميركا.

وفي 2017، خلّف شريط فيديو لمؤذن جزائري وهو يحكي عن تجربته ضمن "الطريقة الكركرية"، جدلا واسعا بالجزائر، جعل عددا من رجال الدين في البلاد يهاجمون هذه الطريقة التي وصفت الزاوية بأنها طائفة لا تمت بصلة للمذهب المالكي، وتريد أن تفتن الناس.

كما دشن أتباع الطريقة الكركرية المغربية في مصر، فرع للطريقة الكركرية في محافظة الإسماعيلية.

أما في تونس، فتعرف الطريقة نفسها بأنها "طريقة صوفية متصلة السند برسول الله، مالكية المذهب أشعرية العقيدة جنيدية المسلك".

ويتباهى فرع الطريقة في تونس على صفحته الرسمية بعدد ممن "أخذو البيعة من الشيخ".

 ويدافع التونسي الجادوي في حديثه للحرة أن المذهب المالكي يشير إلى "ضرورة الشيخ لكي يقودك إلى الله" وأن " التصوف شيء عادي في الإسلام".

متصوف غارق في الملذات

لكن الطريقة لا تواجه فقط تهمة ابتعادها عن الدين بل تطال الانتقادات الشيخ الكركري نفسه وأنه يمارس السحر والشعوذة لجذب المريدين ويعيش حياة باذخة.

وتنتشر صور للشيخ تظهر حياة بذخ، فمن صوره وهو نائم في يخت في عرض البحر إلى صوره مستلقيا وسط البحر على متن قارب، إلى صوره يستمتع بالثلوج في كندا ويداعب مفاتيح البيانو.  

ويستغرب البعض كيف يعيش الشيخ هذه الحياة فيما اعتاد أتباع الطريقة الكركرية، على ارتداء الملابس الملونة والمرقعة، حيث يعتبرون ذلك من آداب الزهد والتقشف.   

مدافعا عن الشيخ، يقول الجادوي، إن الشيخ لم يسرق مال الناس، ولم يخالف الشرع في صرف أمواله "والشرع سمح لكل إنسان بصرف ماله بما يحب".

ونفى متحدث باسم الشيخ للحرة كل الاتهامات الموجهة إليه، وأكد صحة ممارساته الدينية وعن أسلوب حياته الذي لا يخالف الدين، بحسب تعبيره.

الشيخ الكركري يلقي محاضرات في أميركا

يزور الكركري الولايات المتحدة الأميركية، وبعدما ألقى محاضرة في جامعة شيكاغو الأسبوع الماضي، يلقى ، السبت، محاظرة في جامعة إنديانا قبل أن يتوجه إلى جامعة "ستافورد".

ويقول متحدث باسم الشيخ للحرة إن ذلك يأتي في سياق سلسلة الدورات والأنشطة العلمية التي تنظمها مؤسسة الكركري للدراسات الصوفية.

وتركز هذه المحاضرات بحسب المتحدث على محاور السير والسلوك الروحي وأبعاده النفسية والعقلية والجسدية.

وفيما تطال الشيخ وطريقته الانتقادات، يقول أتباعه إنها تقويهم أمام معارضيهم، ينتشر التصوف في المغرب وتحظى بعض الطرق برعاية رسمية،  ويردد منتقدون إن الزوايا والطرق الصوفية بالمغرب تقوم بأداء دور "فزاعة" دينية تنصبها الدولة لتقزيم باقي التيارات الإسلامية التي قد تنازعها شرعيتها الدينية.