لم تعد اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي محل ترحيب لدى الجزائر التي تسعى إلى مراجعتها ،وفق مبدأ "رابح-رابح"، بعد 20 سنة من العمل بها.
ورغم أن الجزائر ما انفكت تؤكد أن ميزان الشراكة يميل لصالح دول الاتحاد الأوروبي، فإن الطرف الأوروبي يتهم الجزائر "بتقييد صادرات الاتحاد الأوروبي واستثماراته، منذ سنة 2021"، داعيا إلى إجراء مشاورات مع السلطات الجزائرية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أعلن في اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي، أن بلاده تطالب بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد دون نية في "دخول نزاع" مع الأوروبيين.
وذكر بيان مجلس الوزراء أن "مراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليست على خلفية نزاع، إنما دعما للعلاقات الطيبة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي، وترتكز على مبدأ رابح-رابح"، مشيرا إلى أن المسعى "تفرضه معطيات اقتصادية واقعية، إذ منذ دخوله حيز التنفيذ في 2005 كانت صادرات البلاد تعتمد أساسا على المحروقات".
أرقام الاقتصاد
وعرفت الصادرات الجزائرية خارج هذا القطاع انتعاشا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، وفيما لم تتجاوز 1.8 مليار دولار قبل سنة 2020، انتقلت من 2.3 مليار دولار سنة 2020 إلى 5.0 مليار دولار في 2021، ثم ارتفعت إلى 6.6 ملايير دولار في 2022، قبل أن تستقر في حدود 5.5 ملايير دولار سنة 2023.
ووقعت الجزائر اتفاق الشراكة عام 2002، ودخل حيز التنفيذ في 2005، ويتضمن إطارا للتعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتعاون المالي والفني والثقافي"، وفق الموقع الرسمي للاتحاد الأوربي الذي أشار إلى أن الجزائر "أعربت رسميًا في عام 2015 عن استعدادها لإعادة تقييم اتفاقية الشراكة. ومكن ذلك من المصادقة في 2017 على أولويات الشراكة لنفس السنة".
ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك للجزائر، وشكل نحو 50.6% من التجارة الدولية للبلاد عام 2023، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إلا أن القيمة الإجمالية لصادرات الاتحاد الأوروبي للجزائر "تراجعت بشكل مطرد من 22.3 مليار يورو (23.24 مليار دولار) عام 2015 إلى 14.9 مليار يورو (15.53 مليار دولار) عام 2023، وفقا للمفوضية الأوروبية.
كما قلصت الجزائر وارداتها من دول الاتحاد ضمن سياسة تهدف إلى حماية المنتوج المحلي من التنافس غير المتكافئ، ولجأت إلى تحديد قائمة بالمواد المستوردة وفق احتياجات السوق المحلية، إضافة إلى إجراءات استيراد الحبوب من البلدان خارج فضاء الاتحاد الأوروبي، ووضع قوانين وشروط جديدة لاستيراد السيارات والمركبات.
وتسعى الحكومة الجزائرية إلى خوض رحلة الألف ميل باتجاه مراجعة بنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خلال السنة الجارية.
المراجعة و"حاجة أوروبا للطاقة"
وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، فإن هذه الاتفاقية "لم تعد موائمة للسياسة الاقتصادية في الجزائر التي لاتقوى اليوم على تحمل خسائر إضافية لعدم وجود توازن تجاري بين الطرفين".
ويرى بوقاعدة في حديثه لـ"الحرة" أن الاتفاق منح امتيازات للمنتجات الأوروبية، بينما حرم الجزائر من عائداتها الجبائية"، مشيرا إلى "شروط تعجيزية وضعها الاتفاق أمام المنتجات الجزائرية في الأسواق الأوروبية".
ولا يخفي المتحدث رغبة الجزائر في استغلال "الظرفية الزمنية الراهنة للضغط على الجانب الأوروبي" الذي "سيضطر" للقبول بمراجعة الاتفاق نتيجة زيادة "حاجة أسواقه للطاقة من للجزائر".
ويضيف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الاتفاق الذي حرر التجارة بين الجانبين "لم يتضمن تفصيلات كثيرة، ما كلف الاقتصاد الجزائري خسائر فادحة في البعدين الإنتاجي والتسويقي"، مرجعا ذلك إلى "نقص خبرة المفاوض الجزائري وحرفية نظيره الأوروبي الذي نجح في هندسة اتفاق رهن العلاقات التجارية لصالح أوروبا".
التوازن في العلاقات
في المقابل يرى الخبير الاقتصادي، جلول سلامة أن الجزائر تريد الذهاب إلى اتفاق شراكة "يحقق لها التكافؤ في العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي"، مضيفا أن الاتفاق تميز "بغياب التوازن في الأرباح"، مستدلا على ذلك بدخول أوروبا للسوق الجزائرية "دون أن تقدم أي دعم ملموس للتنمية الصناعية والاقتصادية".
وبخصوص شكل الإطار الذي تسعى الجزائر إلى تحديده من مراجعة اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي يشير جلول سلامة لـ"الحرة" إلى "علاقة أكثر توازنا، قائمة على المصالح المتبادلة، بدعم مشاريع التنمية ونقل التكنولوجيا وتعزيز الاستثمارات ذات القيمة المضافة للاقتصاد الجزائري".
كما يشدد المتحدث على أهمية "احترام مبدأ السيادة"، فيما يؤكد على ضرورة أن يضع الجانب الجزائري "استراتيجية تفاوض قوية، وخطة اقتصادية فعالة لفرض شروطه على مفاوضيه الأوربيين".