أثارت زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، إلى مدن في الصحراء الغربية ترحيبا مغربيا باعتبارها تأكيدا "للسيادة الوطنية"، فيما اعتبرتها الجزائر "تصعيدا جديدا يهدد الاستقرار الإقليمي".
وأدانت الخارجية الجزائرية الزيارة، ووصفتها بأنها "استخفاف بالشرعية الدولية" من قبل عضو دائم في مجلس الأمن، في إشارة إلى فرنسا.
واعتبرت أنها "خطوة خطيرة تعزز الأمر الواقع المغربي"، مؤكدة أن الصحراء الغربية "لا تزال أرضا لم يكتمل مسار تصفية الاستعمار فيها"، وشددت على "حق تقرير المصير لسكانها".

وتثير هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول حكومي فرنسي إلى الصحراء الغربية تساؤلات حول تحول محتمل في الموقف الفرنسي اتجاه النزاع، وما إذا كانت ستشجع دولا أوروبية أخرى على خطوات مماثلة.
فبينما يراها البعض دعما واضحا للمغرب، يحذر آخرون من أنها قد تعقد جهود التسوية الأممية وتزيد من حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا.
وتصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا منذ إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في يوليو 2024 دعمه للسيادة المغربية على الصحراء، ما أثار رفض الجزائر والبوليساريو.
وأدى هذا الخلاف إلى توتر دبلوماسي متزايد، بلغ ذروته في اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، في خطوة اعتبرت تصعيدًا جديدا في العلاقات المتوترة بين البلدين.
عمار: الزيارة عدوان على القانون الدولي
وفي تعليقه على هذه الزيارة قال مندوب جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة في نيويورك، سيدي محمد عمار، إن "الجمهورية الصحراوية تدين وتشجب بأقوى العبارات الخطوة الفرنسية" التي اعتبرها بمثابة "العدوان على الشعب الصحراوي وعلى القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية".
وأضاف المندوب الصحراوي سيدي محمد عمار في حديثه لـ"الحرة" أن فرنسا "مجبرة" بحكم ميثاق الأمم المتحدة، وبصفتها عضوا في مجلس الأمن الدولي، على "احترام روح الميثاق ونصه بما في ذلك الفصل الحادي عشر الذي يؤطر القضية الصحراوية، كونها قضية تصفية استعمار".
وأشار المتحدث إلى أن الزيارة "فصل جديد من العداوة التي تكنها فرنسا الرسمية ضد الشعب الصحراوي، وضد تطلعاته المشروعة في استعادة سيادة على كامل ربوع البلاد".

واتهم سيدي محمد عمار باريس بـ"دعم المغرب في احتلاله غير الشرعي للصحراء الغربية سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا"، طيلة مراحل "النزاع المسلح لجبهة البوليساريو مع الرباط".
بروكي: الجزائر تتناقض
وفي المقابل، أكد الخبير المغربي في العلاقات الدولية، عبد العالي بروكي، أن زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي إلى مدن مثل العيون والداخلة، "تعكس بوضوح موقف باريس الداعم للسيادة المغربية".
وأشار إلى أن ارتداء الوزيرة الفرنسية للزي الصحراوي خلال زيارتها "يحمل دلالة رمزية على تبني فرنسا للثقافة الصحراوية ودعمها لوجهة النظر المغربية".
واعتبر بروكي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذه الخطوة "قد تشجع دولا أوروبية أخرى مثل إسبانيا، على اتخاذ مواقف مماثلة أو حتى فتح قنصليات في مدن الصحراء، مردفا "خاصة أن العديد من الدول تفتقر إلى معرفة دقيقة حول تطورات المنطقة ومستوى التنمية الذي حققه المغرب في الصحراء".
وبشأن ما يتعلق برد الفعل الجزائري، يرى بروكي أن "انزعاج الجزائر من الزيارة يوضح تناقض موقفها، حيث كانت تدعي عدم كونها طرفا في النزاع، لكنها أصبحت الآن أكثر تأثرا بهذه التطورات من جبهة البوليساريو نفسها".
وأضاف أن "الدبلوماسية الجزائرية باتت تدور حول محور واحد يتمثل في معارضة كل ما يرتبط بالصحراء المغربية ما يعكس مدى حساسية القضية بالنسبة لها".
بوعمامة: خطوة نحو القطيعة
وبالنسبة للأستاذ الجزائري في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، فإن زيارة رشيدة داتي "مناورة مكشوفة واضحة المرامي" الهدف منها "التصعيد وصب الزيت على نار التوتر الكبير في العلاقات الجزائرية الفرنسية".
ونبه إلى أنها قد تكون خطوة "لقطع الطريق أمام محاولة أطراف فرنسية تهدئة الوضع بين البلدين واحتواء التوتر، ومنع الدفع به الى نقطة عدم القابلية للترميم".
كما يرى زهير بوعمامة في تصريحه لـ"الحرة" أن هذه زيارة تؤكد من جهة أخرى "حالة فقدان البوصلة والتيه الذي يطبع سياسة ماكرون الخارجية، والإمعان في ما يسبب لدولته في خسائر وأزمات دبلوماسية مع أطراف عديدة".
واعتبر أن مواقف ماكرون من ملف الصحراء الغربية "مخالف لقرارات الشرعية الدولية وما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية في هذا الشأن"، مضيفا أن الرئيس الفرنسي "يحاول إضفاء شرعية خارجية مزعومة للاحتلال".
ويعتقد المتحدث أن قضية الصحراء الغربية ستظل حلولها وآفاقها "بيد الأمم المتحدة"، باعتبارها "إقليما غير متمتع بالاستقلال، وينتظر تسويته بتطبيق حق تقرير المصير"، مؤكدا أن "هذه المناورات لن تغير في واقع القضية شيئا"، ولكنها ستؤدي من دون شك إلى "تفاقم حدة التوتر" في العلاقة بين الجزائر وباريس ووضعها على عتبة القطيعة.
الشيات: المغرب في موقع قوة
ومن جانبه، ذكر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية المغربي، خالد الشيات، أن الجزائر "رغم ادعائها عدم كونها طرفا في نزاع الصحراء، تظل الدولة الوحيدة التي تصدر ردود فعل غاضبة على التطورات في المنطقة".

واعتبر أن مواقف الجزائر تجاه المغرب تتسم بالتصعيد المستمر، بدءا من إغلاق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية وصولا إلى اتهامات متكررة للمغرب دون سقف محدد لهذه التوترات.
ويرى الشيات أن "النظام الجزائري يعتمد على خلق العداء مع المغرب وفرنسا كوسيلة للبقاء في السلطة، حيث يستخدم هذه التناقضات لتوجيه الرأي العام الداخلي وإبعاده عن الأزمات الحقيقية".
ولفت إلى أن هذه الاستراتيجية "تهدف إلى إبقاء الشعب الجزائري في حالة عداء دائم، مما يمنع أي حراك داخلي قد يهدد استقرار النظام القائم"، بحسب تصريحه لموقع "الحرة".
وأوضح المتحدث ذاته أن باريس حسمت موقفها بوضوح لصالح المغرب وأن علاقتها مع الجزائر لم تعد ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لها.
وأكد أن "المغرب الذي كان في موقف دفاعي خلال السبعينيات، أصبح الآن في موقع قوة، ما يسمح له باتخاذ خطوات لتعزيز موقفه دبلوماسيا على المستوى الإفريقي والدولي.