يعد الجفاف مشكلة كبيرة في المملكة نظرا إلى تأثيره المباشر على القطاع الزراعي (أرشيفية)
يعد الجفاف مشكلة كبيرة في المملكة نظرا إلى تأثيره المباشر على القطاع الزراعي (أرشيفية)

شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة تساقطات مطرية مهمة أعادت الأمل للفلاحين بعد توالي سنوات الجفاف، ورغم مساهمتها في رفع منسوب السدود، تظل التساؤلات قائمة حول مدى تأثيرها الحقيقي على الموسم الفلاحي، وإمكانية إنقاذه من تداعيات الجفاف المستمر.

وذكر وزير التجهيز والماء المغربي، نزار بركة، أن التساقطات المطرية خلال العشرة أيام الأخيرة، كان لها وقع إيجابي على حقينة السدود والفلاحة والماء الصالح للشرب والفرشة المائية، مشيرا إلى أن هذه الأمطار عمت غالبية المناطق التي كانت تعرف جفافا حادا.

ورغم الآثار الإيجابية للتساقطات المطرية الأخيرة، أفاد المسؤول الحكومي أثناء استضافته في إحدى البرامج التلفزية على القناة الأولى (رسمية)، مؤخرا، بأن المغرب لم يتجاوز بعد حالة الجفاف الهيكلي رغم التراجع الكبير من حدة الجفاف المسجل اليوم، معتبرا أن بلاده وصلت لمستوى جفاف معتدل.

يأتي ذلك في ظل أزمة نقص مياه يعانيها المغرب بسبب توالي سنوات الجفاف، ما دفع السلطات لاتخاذ تدابير لمواجهة هذه الأزمة كتسريع وثيرة تشييد السدود ومحطات تحلية المياه وترشيد استعمال الماء.

"أمطار متأخرة"

وفي تعليقه على الموضوع، يؤكد الرئيس السابق للجامعة الوطنية للفلاحة التابعة للاتحاد المغربي للشغل (نقابة)، محمد الهاكش، أن أمطار مارس لن تنقذ الموسم الفلاحي، خاصة بالنسبة للحبوب الخريفية التي تحتاج إلى أمطار مبكرة. مستدركا "ستفيد هذه التساقطات الزراعات الربيعية والأشجار المثمرة، كما ستساهم في إنعاش الفرشة المائية جزئيا".

ويتابع الهاكش في حديثه لموقع "الحرة"، موضحا أن الأهم هو تحسن الفرشة المائية التي تراجعت بشكل خطير، وأن هذه التساقطات ستنعش المراعي مما يخفف من معاناة مربي المواشي الذين تضرروا بشدة خلال الجفاف ومن قرار إلغاء ذبح الأضاحي في عيد الأضحى المقبل.

وفي هذا الصدد، يقول: إن "لهذه الأمطار تأثيرات إيجابية تتجاوز المجال الفلاحي، إذ تساهم في تحسين المراعي، مما يوفر الكلأ للمواشي ويخفف من أعباء الأعلاف على الكسابة. كما أن انتعاش الطبيعة يعيد الأمل للفلاحين ويخلق دينامية اقتصادية واجتماعية في المناطق القروية".

ويشير الخبير الزراعي، إلى أن الأمطار الأخيرة لم تأت في الوقت المناسب للحبوب، إذ كان من المفترض أن تتوزع تدريجيا خلال الموسم. معتبرا أن "التغيرات المناخية جعلت المغرب يعيش فصل الشتاء داخل فصل الربيع وهو ما يؤثر على الإنتاج الفلاحي".

"إنعاش الزراعة الربيعية"

ويرى الخبير الفلاحي، ميلود الأخضر، في تصريح لموقع "الحرة"، أن "السنوات المتتالية من الجفاف في المغرب أدت إلى تدهور التربة وزيادة ملوحتها، كما أثرت على الفرشة المائية والسدود، لكن التساقطات الأخيرة ستساعد في إنعاش التربة وتحسين المخزون المائي".

ويضيف الأخضر، أن الأمطار الأخيرة ستنعش الزراعة الربيعية وتخلق دينامية اقتصادية، وسيكون لها أثر إيجابي على الأشجار المثمرة، خصوصا الزيتون الذي دخل مرحلة الإزهار، لافتا إلى أن ذلك "يعزز فرص تحقيق موسم فلاحي جيد العام المقبل".

ويؤكد الأخضر أن تحسن حقينة السدود لن يدعم فقط مياه الشرب والسقي، بل سيساهم أيضا في إنتاج الطاقة. مضيفا أن "هذه الظروف ستساعد في تحسين مناخ الاستثمار الفلاحي تماشيا مع الاستراتيجية الوطنية لجذب الاستثمارات وتعزيز الأمن الغذائي في المغرب".

وأشار إلى أن المراعي عانت من الجفاف لسنوات، مما تسبب في ارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع القطيع بنسبة 38%. إلا أن التساقطات الأخيرة ستعيد إنعاش المراعي، مما سيخفض التكاليف ويحسن أوضاع الكسابين، خاصة بعد قرار إعفاء الأضاحي من الرسوم. بحسب تعبير الأخضر.

"استمرار العجز المائي"

ومن جانبه، يوضح الخبير في الماء والمناخ، عبد الحكيم الفيلالي، أن "التساقطات الأخيرة لا يمكنها أن تنسينا ست سنوات من الجفاف إلا أنها ساهمت في رفع مخزون السدود إلى 6.2 مليار متر مكعب، مقارنة بـ4 مليارات متر مكعب في نفس الفترة من العام الماضي، لكنها تظل غير كافية لتأمين احتياجات المياه مستقبلاً.

ويبرز الفيلالي في تصريح لموقع "الحرة"، أنه رغم تحسن الموارد المائية، فإن نسبة ملء السدود لا تزال أقل بكثير من معدل عام 2018، حيث بلغت آنذاك 68% مقابل 36% حاليا، مما يعكس استمرار العجز المائي الذي يؤثر على الأمن المائي والفلاحي للمملكة.

ويستبعد الفيلالي أن تحقق هذه الأمطار المتأخرة موسما فلاحيا مثاليا، لكنها ستساهم في إنقاذ بعض الزراعات الربيعية مثل القمح والشعير والقطاني، كما ستوفر المراعي للماشية، مما سيخفف من كلفة الأعلاف التي شهدت ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة.

وشدد الخبير على ضرورة مراجعة السياسات المائية والفلاحية، عبر تقنين استهلاك الموارد المائية، وتوسيع مشاريع تحلية مياه البحر، وتعزيز الربط المائي بين الأحواض، لضمان استدامة المياه وتقليل تبعية القطاع الفلاحي للتساقطات المطرية.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.