قوات من بعثة المينورسو في الصحراء الغربية - فرانس برس
قوات من بعثة المينورسو في الصحراء الغربية - فرانس برس

يثير النزاع بشأن الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو توترا سياسيا وعسكريا في المنطقة المغاربية، رغم المساعي الأممية للتوصل إلى حل سلمي.

وفي هذا الصدد شرع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، هذا الأسبوع، في جولة جديدة بالمنطقة، وذلك عشية المشاورات غير الرسمية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المرتقبة منتصف شهر أبريل من السنة الجارية.

واستهل المبعوث الأممي زيارته للمنطقة بلقاء مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة في الرباط، واستعرض الوفد المغربي خلال اللقاء "الديناميكية الدولية الداعمة لمغربية الصحراء وللمبادرة المغربية للحكم الذاتي"، وفق بيان للخارجية المغربية.

وأشار البيان إلى أن الوفد المغربي "جدد التأكيد على دعم المملكة لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي، وبراغماتي ومستدام على الأساس الحصري للمبادرة المغربية للحكم الذاتي".

وكانت الأمم المتحدة عينت ستافان دي ميستورا، مبعوثا خاص للصحراء الغربية في أكتوبر 2021.

وتسيطر الرباط على ما يقرب من 80% من هذه المنطقة وتقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادتها، فيما تدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.

وشهد النزاع حول الصحراء الغربية تطورات إقليمية في السنوات القليلة الماضية، آخرها الاعتراف الفرنسي بالطرح المغربي في إطار "مبادرة الحكم الذاتي" في نهاية يوليو 2024، وذلك على خطى إسبانيا التي اعترفت بـنفس الطرح سنة 2022، كما سبق للولايات المتحدة الاعتراف رسميا، خلال العهدة السابقة للرئيس ترامب، بـ"مغربية الصحراء".

"إنهاء" مسار التسوية الأممية

وفي تعليقه على الجولة الأممية الجديدة، يرى عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، أحمد نور، أن دي ميستورا أثبت "فشلة في ملف الصحراء، كما أثبت فشله في سوريا"، مشيرا إلى وقائع عدة، أبرزها طلبه من المغرب توضيحات حول مقترح الحكم الذاتي، واعتبر المتحدث أن هذا الطلب "إهانة" لمجلس الأمن الذي ظل يعتبر المقترح "جاد وواقعي ويحظى بالمصداقية".

كما انتقد أنور في حديثه لـ "الحرة" عودة دي ميستورا إلى مقترح "تقسيم الصحراء الذي رفضه المغرب بعدما قدمه الرئيس الجزائري الأسبق، عبد العزيز بوتفليقة للمبعوث الأممي جيمس بيكر سنة 2002".

وأشار المتحدث إلى أنه على دي ميستورا الاعتراف في تقريره بأن مسار التسوية الأممية في الصحراء الغربية قد "انهار"، عقب إعلان جبهة البوليساريو في ديسمبر 2020 تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991 والعودة إلى حمل السلاح، مما يعني، وفق المصدر، أن التسوية الأممية "ميتة وملغاة".

وعليه فإن ما يتطلع إليه المغرب، حسب تصريح أحمد نور، هو "إنهاء مسار التسوية الأممية"، متوقعا استقالة دي ميستورا مباشرة بعد اجتماع مجلس الأمن، و"إنهاء مهمة البعثة الأممية (المينورسو)، وعودة اللاجئين من مخيمات تيندوف".

خطوات "أكثر جرأة"

لكن بالنسبة للجزائر فإنها تتطلع، حسب الخبير في القانون الدولي والدستوري، موسى بودهان إلى أن"تدعم جولة دي ميستورا مساعي الأمم المتحدة الرامية لإيجاد مخرج للنزاع المستمر منذ نصف قرن بالمنطقة، بما يحفظ للشعب الصحراوى حقوقه".

وأضاف بودهان لـ"الحرة" أن الجزائر تتطلع إلى خطوات أممية "أكثر جرأة، لتسريع وتيرة الحل الأممي، وضمان الحقوق الفردية والجماعية لأبناء الشعب الصحراوي بواسطة رقابة أممية على حقوق الانسان".

كما أفاد المتحدث أن المطلوب من المبعوث الأممي الأخذ بعين الاعتبار "قرارات المحاكم الأوروبية التي منعت الاستغلال غير القانوني لثروات الصحراء الغربية وشعبها من طرف المغرب وبعض شركائه الأوروبيين الذين يسعون إلى الاستثمار في قطاعات المعادن والصيد البحري".

وبرأي الخبير الجزائري، فإن دي ميستورا تنتظره "مهام كثيرة" في سياق تجسيد متطلبات السيادة الدولية، على حد تعبيره.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.