آلاف السودانيون يلجأون لمصر هربا من المعارك. أرشيفية
آلاف السودانيون يلجأون لمصر هربا من المعارك. أرشيفية

يثير الصراع العسكري في السودان قلق دول الجوار بسبب تدفق اللاجئين، حيث تشير توقعات إلى أثار قد تكون "كارثية" على المنطقة، خاصة مصر، في حال استمر القتال.

ورغم تأييد الأطراف الدولية المختلفة لوقف إطلاق النار في السودان، إلا أن الدول العربية منقسمة بعمق بشأن الداخل السوداني، إذ أن قوات الدعم السريع حليف كبير للإمارات في حين تلقي مصر بثقلها خلف الجيش السوداني، فيما تسعى السعودية إلى التوسط في مفاوضات بين الجنرالين المتصارعين.

وأعلنت الولايات المتحدة والسعودية، في بيان مشترك، السبت، أن ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وافقوا على وقف لإطلاق النار مدته أسبوع يبدأ، الاثنين.

وقال البيان إن واشنطن والرياض تعلنان توقيع ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على الهدنة، وتعهدهم بعدم السعي لتحقيق مكاسب ميدانية خلال الساعات الـ48 التي تسبق بدء الهدنة الإنسانية.

وذكر البيان أن وقف النار "يمكن تمديده بموافقة الطرفين" اللذين اتفقا أيضا على "إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسيّة".

وأدى القتال بين الجانبين إلى انهيار في القانون والنظام مع تفشي أعمال النهب التي يتبادل الطرفان اللوم بشأنها. وتتناقص سريعا مخزونات المواد الغذائية والنقود والاحتياجات الأساسية، ووقعت أعمال نهب جماعي لبنوك وسفارات ومصانع ومخازن للمساعدات.

وخلفت المعارك الدائرة منذ أكثر من شهر في السودان ما يقرب من ألف قتيل ونحو 840 ألف نازح و220 ألف لاجئ.

وأكد محللون سياسيون مصريون تحدثوا لموقع "الحرة" أن مصر ليست بمعزل عن "التأثيرات السلبية للصراع الداخلي في السوداني"، والتي ستنعكس بشكل مباشر على ملفات إقليمية واقتصادية.

انعكاسات سياسية

محللون يرجحون أن السيسي يدعم البرهان سياسيا. أرشيفية

المحلل السياسي، هاني سلمان، يرى أن الأزمة في السودان "تشكل أحد أهم التحديات الإقليمية التي ستؤثر على مستويات مختلفة ترتبط بالإقليم وتحديدا على الدولة المصرية".

ويضيف في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن "هذا الصراع من شانه أن ينعكس بشكل سلبي على العديد من الملفات السياسية، ومنها احتمالية ظهور نظام سياسي سوداني قد لا يكون على توافق مع القاهرة، وهو ما سيؤثر على العلاقات بين الدولتين".

وأكد سلمان أن " استمرار الصراع قد يحد من مواجهة الأطماع الإثيوبية، وإدارة ملف أزمة سد النهضة بشكل أحادي، خاصة أن القاهرة والخرطوم كانتا تعملان على تشكيل حائط صد، ولكن النزاع قد يعني توقف تنسيق المواقف ما بين البلدين، وهو ما ستستغله إثيوبيا لمزيد من التقدم في ملء السد والضغط على دولتي المصب".

القاهرة ترى في سد النهضة تهديدا وجوديا. أرشيفية

ويبرز تخوف من أن تستغل تنظيمات إرهابية في المنطقة حالة عدم الاستقرار الأمني، لتعود وتنتشر في مدن سودانية، وهو ما سيشكل ضغطا على الأمن القومي المصري حيث يوجد حدود برية طويلة بين البلدين، ناهيك عن التأثيرات على المنطقة.

وأفاد تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لم يخف ميله نحو دعم قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، فيما عبر أكثر من مرة عن "ازدرائه لقوات الدعم السريع"، والتي لا يرى في تسلمها للسودان أمرا مقبولا.

ويقول المحلل السياسي، علي رجب مع سلمان، إن التحديات الأمنية "زادات بسبب المخاوف من استغلال مجموعات إرهابية لما يحدث في السودان للعبور لمصر".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن هذه التحديات الأمنية ودخول العديد من اللاجئين السودانيين يفرض تحديات اقتصادية كبيرة على مصر، والتي قد تصل إلى مرحلة تحتاج إلى دعم دولي من أجل مواجهة هذه التحديات.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه يعكف على تكثيف عملياته في ست ولايات على الأقل في السودان لمساعدة 4.9 مليون شخص معرضين للخطر، فضلا عن مساعدة أولئك الذين يفرون إلى تشاد ومصر وجنوب السودان.

ويقول الخبير في الجماعات الإسلامية المسلحة، أحمد سلطان، إن هذا الصراع يستقطب "تدخلات ودعم من قوى كبرى، والتي ستؤثر المشهد الجيوسياسي للمنطقة".

وأكد في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن القاهرة لن تتدخل بأي شكل من الأشكال في الصراع السوداني، وهي تدعم الجهود والمساعي للتوصل لحلول سياسية تجنب السودان، والمنطقة من استمرار المعارك التي يعتبر الشعب السوداني الخاسر الأكبر فيها.

ورغم التأثيرات التي ستطال مصر بسبب ما يحدث في السودان إلا أنها "لن تتدخل عسكريا" بحسب سلطان، مذكرا بأن الحالة الوحيدة التي تدخلت فيها مصر بنزاع إقليمي كان عندما وجهت ضربة عسكرية لداعش في ليبيا بعدما قتلوا 21 قبطيا مصريا في وقت سابق.

انعكاسات اقتصادية

مصر استقبلت الآلاف من اللاجئين السودانيين. أرشيفية

ولن تقف التأثير على مصر عند الجانبين السياسي والأمني، إذ إن هناك "تاثيرات اقتصادية على اعتبار أن هناك العديد من المشروعات والتعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة في القطاع الزراعي، وفق المحلل سلمان.

ويرى أن زيادة أعداد اللاجئين القادمين لمصر سيزيد من الأعباء الاقتصادية في الوقت الذي تعاني فيه من مرحلة اقتصادية صعبة، والتي قد تتطلب تدخلات ودعم دولي في مرحلة معينة لاستيعاب حركة اللجوء.

ووفق تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست" يعتبر السودان شريكا اقتصاديا رئيسيا لمصر، فيما تقترب عائدات التجارة البينية مليار دولار سنويا، ناهيك عن وجود مشاريع وخطط مصرية للاستثمار الزراعي في السودان.

وتواجه مصر وضعا اقتصاديا صعبا، حيث ارتفعت معدلات التضخم لمستويات قياسية، فيما تخوف الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي في تصريحات إعلامية من ان زيادة تدفق اللاجئين سيزيد الأعباء الاقتصادية للبلاد.

هل تتدخل القاهرة عسكريا في السودان؟

محللون يؤكدون أن مصر لن يتدخلون عسكريا بالسودان. أرشيفية

ويستبعد محللون أن تتدخل مصر بشكل عسكري في السودان، ولكن هذا لا يعني عدم انحيازها سياسيا لأطراف في السودان، من دون التأثير أو تأجيج التوترات في البلاد.

وقد يؤدي التدخل المصري في السودان إلى "زيادة تعقد الأمور إذا تم استدراجها لمنافسة إقليمية" خاصة في ظل وجود خلافات ترتبط بإثيوبيا، بحسب تحليل نيويورك تايمز.

ويرى خبراء أن كلا من الجنرالين، البرهان وحميدتي،  يعتقد أنه قادر على حسم المعركة عسكريا، ولكنهما الآن متعادلان، ويراهن كلاهما على حرب طويلة، وليس على  تسوية عبر طاولة المفاوضات، بحسب وكالة فرانس برس.

ويقول المحلل سلمان إن من القواعد التي تحكم السياسية الخارجية المصرية مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والقاهرة حريصة على هذا الأمر حفاظا سيادة السودان"، مشيرا إلى أن أفضل مثال على ذلك عدم تدخل مصر بالأزمة الليبية رغم التأثيرات التي طالت البلاد عبر الحدود.

وتابع أن هذا المبدأ لا يعني عدم الحفاظ على الأمن القومي المصري، وتأمين الحدود ومنع أي تسلل لعناصر إرهابية، والتي سيتم التعامل معها داخل الأراضي المصرية.

ويشرح سلمان أن هذا المبدأ أيضا لا يعني أن مصر لن يكون لها "حساباتها الخاصة فيما يتعلق بتوازن علاقاتها مع الأطراف المختلفة، أو حتى بدعم طرف بشكل محدود بما ترى فيه حماية لمصالحها، ويدعم استقرار السودان".

ويشير المحلل رجب إلى أن سياسة مصر الخارجية قائمة على عدم التدخل في شؤون الداخلية للدول، خاصة فيما يتعلق بالتدخل العسكري.

وأعاد التذكير أنه خلال 3 عقود من حكم الرئيس المخلوع، عمر البشري، لم تتدخل القاهرة في الشأن السوداني، رغم الأزمات التي صنعها البشير لمصر، وحتى منذ 2019 ودخول الخرطوم في مرحلة جديدة من الصراعات، إلا أن القاهرة لم تتدخل أيضا.

اندلع الصراع في الخرطوم بعد خلافات تتعلق بخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وتسلسل القيادة في المستقبل بموجب اتفاق مدعوم دوليا لانتقال السودان صوب الديمقراطية بعد حكم استبدادي على مدى عقود حفلت بالصراعات.

واتخذ قائد الجيش البرهان، الجمعة، قرارا بإقالة قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، من منصب نائب رئيس مجلس السيادة الحاكم الذي يقودانه.

وعين البرهان، مالك عقار، وهو زعيم سابق لجماعة مسلحة، خلفا لحميدتي. وقال عقار في بيان، السبت، إنه قبل المنصب للمساعدة في إحلال السلام ودعم الموسم الزراعي المقبل الذي من شأن فشله أن يؤدي إلى انتشار الجوع.

مالك عقار ومن خلفه "حميدتي" خلال مؤتمر صحفي في 27 يوليو 2019
مالك عقار.. دلالات تعيين "زعيم المتمردين السابق" خلفا لحميدتي
يرصد خبراء عدة دلالات في تعيين مالك عقار، القائد السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان "جناح شمال"، بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، بعد إعفاء قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، من المنصب.

وأوضح أن رسالته للجيش هي أنه "لا بديل للسلام إلا السلام، ولا مدخل للسلام إلا من باب الحوار". وأضاف قوله: "كما أتوجه برسالتي لقيادة قوات الدعم السريع: لا بديل لاستقرار السودان إلا عبر جيش مهني واحد وموحد".

والسبت، انهالت الضربات الجوية على ضواحي العاصمة السودانية الخرطوم مع بداية الأسبوع السادس من صراع أوقع المدنيين في أزمة إنسانية.