مشروع "قانون الكرامة" يواجه مقاومة كبيرة من بعض التيارات السياسية بموريتانيا ـ صورة تعبيرية.
مشروع "قانون الكرامة" يواجه مقاومة كبيرة من بعض التيارات السياسية بموريتانيا ـ صورة تعبيرية.

عاد مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والفتيات ليثير سجالات ونقاشات واسعة بموريتانيا، بين مؤيدين يدافعون عن بنود جديدة يرون فيها فرصة للنهوض بالحقوق، ومعارضة شديدة من رجال دين يرفضون "مخالفة" عددا من مضامينه لتعاليم الدين الإسلامي.

وفي ثالث محاولة لإقراره عبر البرلمان خلال السنوات الأخيرة، أحالت الحكومة الموريتانية مشروع القانون المعروف باسم "قانون النوع" أو "الكرامة" على السلطة التشريعية في البلاد، بعد أن سبق لوزارة العدل أن سحبت نسختين سابقتين في عامي 2017 و2018، لمراجعتهما بعد أن قوبلتا برفض واسع.

معارضة قوية

وفي أعقاب الإحالة الجديدة، دان عشرات الفقهاء والأئمة الموريتانيين في بيان مشترك، الجمعة، مشروع القانون الجديد، معتبرين أنه "مخالف للشريعة الإسلامية"، مضيفين "ألا عذر لمسؤول تنفيذي ولا تشريعي في العمل على فرضه على المسلمين".

وجاء في البيان أن المشروع المذكور يقوم على "نسخ كلي لشريعة الرحمن بشريعة شيطان"،  وهو بحسب المصدر ذاته، "ينسف ثوابت الولاية والقوامة، ويشجع للعقوق والنشوز، ويشيع للفاحشة والرذيلة، ويمكّن دعاة الشقاق وقطيعة الأرحام من العبث بسكينة الأسر واستقرارها..".

بالمقابل، تقول رئيسة منظمة "رابطة النساء معيلات الأسر" غير الحكومية، آمنة المختار، إن "إخراج هذا قانون مطلب ضروري تنادي به الجمعيات النسائية منذ سنوات من أجل حماية المرأة"، مسجلة "ارتفاعا ملحوظا" لجرائم العنف والاغتصاب "في ظل الفراغ القانوني المتعلق بحفظ حقوقهن".

وتضيف المختار في تصريح لموقع "الحرة"، أن بعض التيارات السياسية والدينية ترفض وجود أي قانون لحماية المرأة وكرامتها وشرفها وجسدها لأنها "لا ترى فيه مصلحتها، مما يعرقل إخراج هذا القانون منذ عام 2012، عبر حملة دون هوادة".

من جانبه، أكد الناطق باسم الحكومة الموريتانية قبل أيام "وجود حملة منظمة" ضد مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة والفتاة قانون كرامة"، مشيرا إلى أنه ما يزال مشروع قانون، ولم يتم اعتماده بعد.

وتابع المسؤول الحكومي الموريتاني، أن الأشخاص المشرفين على إعداد مشروع القانون المذكور "لا يمكن المزايدة عليهم في الدين أو الأخلاق أو القيم الاجتماعية"، كاشفا أن "القانون أرسل إلى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم وهيئة العلماء الموريتانيين وقدموا ملاحظتهم حوله".

في هذا السياق، توضح الناشطة الحقوقية الموريتانية أن "حملة شيطنة القانون وراءها فقهاء الحركات الإسلامية السياسية وليس الفقهاء ورجال الدين المستقلين"، والذين لا يريدون أي قانون يحمي المرأة، مضيفة أن "من مصلحة هؤلاء بقاء المرأة تحت السلطة الذكورية".

سنوات من الجدل

وسبق للحكومة الموريتانية أن قدمت مشروع القانون، أمام البرلمان في العام 2017، غير أنها سرعان ما سحبته، بعد أن واجه رفضا برلمانيا وشعبيا واسعا، وخصوصا داخل اللجنة البرلمانية التي تولت دراسته تحضيرا لعرضه في جلسة علنية، بحسب موقع "الأخبار" المحلي. 

وفي العام 2018، أعادت الحكومة عرض مشروع القانون ذاته على المؤسسة التشريعية، غير أنه قوبل بنفس الرفض، مما دفعها لسحبه وتنقيح بعض بنوده، بحسب المصدر ذاته، قبل أن تعود مجددا في مايو من عام 2020، لتصادق عليه خلال اجتماع استثنائي، غير أنها لم تحله في هذه المرة إلى البرلمان، بعد تجدد الجدل حول بنوده.

في هذا الجانب، تقول آمنة المختار، إن للتيارات التي ترفض خروج القانون تأثير مهم في المشهد السياسي وعلى الرأي العام، غير أنها تؤكد على أن "توفر إرادة سياسية حقيقية من الدولة كفيل بإخراجه واعتماده".

وجاءت مسودة مشروع القانون الجديد التي اطلع موقع "الحرة" على نسخة منها، في ستة فصول و55 مادة، شملت تحديد موضوع القانون وتعريفاته، بالإضافة لمجالات الحماية والعقوبات والإجراءات.

وجاء في المادة الأولى أن هذا القانون "يهدف إلى الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات ووضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة".

في هذا السياق، تقول بنتو صو، ناشطة حقوقية موريتانية، إنها اطلعت على مسودة القانون كاملة "ولا ترى أي مبرر لرفض بنوده، إذ لا يتضمن أي شيء يتنافى مع القيم الإسلامية".

وتضيف صو، في تصريح لموقع "الحرة"، أن "الانتقاد مقبول غير أنه ينبغي أن يوجه نحو مواد محددة، أما رفض مسودة تتكون من 54 بندا  بمجملها فلا يمكن تبريره".

أبرز البنود الجديدة

وكشف بحث ميداني سابق لـ"هيومن رايتس ووتش"، أن غياب القوانين القوية ضد العنف المبني على النوع الاجتماعي وغياب المؤسسات التي تقدم العون للضحايا، بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي والوصم، يمنع النساء والفتيات من طلب المساعدة والانتصاف عند تعرضهن للانتهاكات.

وجاء في تقرير المنظمة الحقوقية أن السلطات "لا تقدم إلى الضحايا ما يكفي من خدمات الرعاية الصحية والطب النفسي والدعم القانوني، ما يدفع المنظمات غير الحكومية إلى سد فجوة الحماية قدر المستطاع بإمكانات محدودة".

وأفادت هيومن رايتس ووتش بأن "ضحايا الاغتصاب اللواتي يقدمن شكاوى للسلطات خطر المحاكمة بسبب إقامة علاقة جنسية خارج الزواج إن لم يتمكنّ من إثبات تعرضهن للاغتصاب".

وفيما يتعلق بأبرز المستجدات التي جاء بها النص الجديد، تقول المختار إنه يعرّف العنف ضد النساء بـ"شكل شامل ومرجعي في المجال"، في ظل غياب أي إطار قانوني يجرمه ويحميهن، ومن هذا المنطق "تبرز أهميته والحاجة الأساسية إليه"، بحسب المتحدثة ذاتها.

ويعرف مشروع القانون الجديد العنف ضد النساء والفتيات، بأنه أي عنف موجه ضد الإناث يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية، بالنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.. كما يقدم أيضا ويحدد تعريفات للاغتصاب والتحرش الجنسي واغتصاب المحارم واللمس الجنسي.

وتنص مسودة القانون أيضا ولأول مرة على ضمان استفادة المرأة من حقها في الميراث، وذلك بإقرار عقوبة سجنية وغرامات "ضد من يمنعها من الحصول على حقوقها".

في هذا الجانب، تقول مختار، إن الكثير من النساء "لا زلن ممنوعات من حقهن في الإرث"، كما أن من الممنوع عليهن تسيير وحماية ميراث أبنائهن اليتامى، إذ يعود هذا الحق إلى أولياء آخرين، مما يتسبب في ضياع الحقوق.

ومن بين القضايا الأخرى البارزة في القانون، بحسب المتحدثة ذاتها، الإشارة إلى العنف الأسري والزوجي والذي لم يكن مقنّنا في السابق، مشيرة إلى أن المشروع الجديد "جاء بخطوة تجريمه، ووضع عقوبة رادعة ضده".

من جهتها، توضح الناشطة الحقوقية، بنتو صو، أن القانون الجديد "مخصص لحماية النساء وحقوقهن لا أكثر ولا أقل"، لافتة إلى بروز ما اعتبرتها "سلوكيات دخيلة على المجتمع الموريتاني، بالتالي كانت الدولة مسؤولة عن حماية جميع فئات المجتمع، وذلك عبر مثل هذه القوانين".

وتضيف المتحدثة، أن إخراج القانون "ضرورة لا محيد عنها" من أجل حماية النساء، خاصة فيما يتعلق بتوفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف الجسدي والجنسي.

وثمنت صو البند 15 من القانون والمتعلق بتوفير الدولة الحماية للشهود على الجرائم المرتكبة ضد من أجل الإدلاء بشهاداتهم، معتبرة أن هذه الخطوة "جد مهمة، حيث لم يقدم الكثيرون شهاداتهم للجرائم التي يشاهدونها خشية أعمال انتقامية".

وتنص المادة 27 من مسودة القانون أيضا على تجريم تشويه العضو التناسلي للفتاة، وجاء فيها "كل من يقوم بتشويه العضو التناسلي لبنت أو بأي ممارسة أخرى تضر بصحة المرأة والبنت، إذا لم تسفر نتيجة الفعل عن عقوبة أشد، يعاقب بالحبس ستة أشهر إلى سنة".

وتشير الناشطة الحقوقية أيضا إلى أهمية هذه الخطوة، مؤكدة أن تشويه العضو التناسلي للفتيات في ظل ما يعرف بـ"ختان الإناث" يبقى "جريمة منتشرة في المجتمع، لم يكن يعاقب على ارتكابها".

موريتانيا- مستشفى- أرشيف
كان الأطباء المقيمون قد دخلوا في إضراب عن العمل قبل ثلاثة أشهر

أعلنت نقابة الأطباء المقيمين في موريتانيا، الخميس، تعليق إضربها بعد توصلها لاتفاق مبدئي مع وزارتي الصحة والتعليم العالي.

ويقضي الاتفاق بمعالجة أبرز النقاط التي كانت وراء إعلانهم الإضراب عن  العمل لعدة أشهر.

وقد تم تشكيل لجنة مشتركة مع كل من وزارة الصحة وكلية الطب لمتابعة تنفيذ بنود هذا الاتفاق.

وكان الأطباء المقيمون قد دخلوا في إضراب عن العمل قبل ثلاثة أشهر تطور في وقت لاحق للاعتصام في مباني وزارة الصحة.

ويطالب الأطباء المقيمون بتوظيفهم في الوظيفة العمومية وتحسين ظروفهم المعيشية والدراسية التي تمكنهم من إكمال تكوينهم الطبي.

في السياق، أعلن المتحدث باسم نقابة الأطباء المقيمين، أجود ولد محمد الأمين، أنه سيتم تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الصحة والنقابة لتنفيذ البنود التي تتطلب وقتا لتحقيقها، وفق ما نقلت عنه وكالة "الأخبار المستقلة" المحلية. 

الأخبار (نواكشوط) - قال المتحدث باسم نقابة الأطباء المقيمين اجود ولد محمد الأمين إنه سيتم تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء المقيمين لتنفيذ ما يحتاج الوقت من بنود الاتفاق. وأضاف ولد محمد الأمين في تصريح خاص لوكالة الأخبار المستقلة عقب توقيع الاتفاق مع الوزارة اليوم أن من أبرز النقاط التي اتفق عليها، تحسين جودة التكوين، وتعجيل بناء المستشفى الجامعي، الذي سيقوم بتكوين الأطباء المقيمين. وأشار ولد محمد الأمين إلى أن الاتفاق ضم تحسين الأجور، والضمان الصحي، مؤكدا أن هناك بعض النقاط سيتم الإعلان عنها بعد تعليق الإضراب. وكان الأطباء المقيمون قد أعلنوا مساء اليوم في بيان لهم عن تعليق اعتصامهم الذي استمر أكثر 100 يوم، وكذا إضرابهم عن العمل، وذلك كبادرة حسن نية واختبار لمدى جدية الحكومة في تغيير الوضعية المزرية للإقامة الطبية. وأكد الأطباء أن كفاحهم مستمر، ونضالهم لن يتوقف إلا بعد رؤيتهم لجميع المطالب ملموسة على أرض الواقع، وفق البيان. وخاض الأطباء المقيمون إضرابا استمر لأكثر من أربعة أشهر بدأوه بإخطار بالإضراب وصولا لاعتصامهم بمباني وزارة الصحة مطالبة بتلبية ما يصفونها أساسيات لا غنى عنها لأي طبيب مقيم، وعلى رأسها تنظيم اكتتاب يمكنهم من الولوج للوظيفة العمومية وتوفير علاوة للخطر.

Posted by ‎وكالة الأخبار المستقلة‎ on Thursday, September 19, 2024

وفي تصريح خص به الوكالة، عقب توقيع الاتفاق، أوضح ولد محمد الأمين أن أبرز النقاط المتفق عليها تشمل تحسين جودة التدريب وتسريع بناء المستشفى الجامعي الذي سيوفر تدريبا للأطباء المقيمين.

كما أشار إلى أن الاتفاق يتضمن تحسين الأجور وتوفير التأمين الصحي، مع التأكيد على أن هناك بنودا سيُعلن عنها بعد تعليق الإضراب. 

يذكر أن بيان الأطباء المقيمين، الخميس، تضمن تعليق إضرابهم الذي دام أكثر من 100 يوم، لكنهم أعلنوا "أنهم سيواصلون نضالهم حتى تتحقق جميع مطالبهم بشكل ملموس على الأرض" وفقا للبيان.