مدينة الرباط
مدينة الرباط | Source: Courtesy Photo



أفاد تقرير لشبكة CNN  الأميركية أن العاصمة المغربية الرباط تعد واحدة من أكثر المدن التي تستقطب السياح الأجانب خلال العام الجاري.

وقالت الشبكة إنه بناء على معلومات جمعتها من وكالات سياحية وخبراء ومنظمات مختلفة حول الوجهات السياحية المفضلة في 2013، احتلت الرباط المرتبة الثانية من بين 12 مدينة سياحية أخرى بعد سكوتلندا بالمملكة المتحدة، وقبل أمستردام الهولندية وغيتيسبورغ الأميركية.

وأشارتCNN  إلى أنه في الوقت الذي تجذب فيه مدن مغربية شهيرة مثل مراكش العريقة، والصويرة المعروفة بشاطئها الخلاب ومهرجاناتها الفنية المتنوعة، سياحا من مختلف أنحاء العالم، يغفل الزوار العاصمة السياسية "التي لها مميزاتها التاريخية والثقافية والبيئية المتنوعة".
 
وقال عمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو في اتصال هاتفي مع موقع "راديو سوا"، إن ما ذكرته شبكة CNN مرتبط بقرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ضم عاصمة المغرب إلى قائمة المدن التي تشكل تراثا عالميا وذلك في شهر يوليو/تموز الماضي.

وأضاف ولعلو أن اختيار منظمة اليونسكو للرباط جاء على أساس أن تراث المدينة مقتسم بين سكان المدينة من المغاربة والأجانب، وأنه يعكس مختلف الحضارات التي مرت بالمغرب منذ عهد الرومان، مرورا بالأندلس ووصولا إلى فترة الاستعمار الفرنسي التي تركت بصمات واضحة على عمران المدينة.

فيديو لمدينة الرباط:


وأشار المسؤول المغربي إلى أن مدينة الرباط تشهد تحولات كثيرة، مضيفا أنها اعتبرت في عام 2010 واحدة من بين خمس مدن كبرى في العالم "خضراء" أي صديقة للبيئة، نظرا لغناها بالفضاءات الخضراء مقارنة بعدد سكانها البالغ 1.7 مليون نسمة.

من جهة أخرى، قال ولعلو إن الرباط شهدت في السنوات الأخيرة دينامية تجعل منها إلى جانب العاصمة السياسية للبلاد، "عاصمة للبيئة مرتبطة بقرار عام 2010 كمدينة خضراء، وعاصمة للثقافة والبحث العلمي والجامعات والمعرفة، مما يعطيها الإمكانيات لاستقطاب السياح من الخارج مثل مدينة مراكش أو الصويرة لكن انطلاقا من كونها مدينة عصرية منفتحة على العولمة والحداثة".

وكشف المسؤول المغربي أن هناك عددا من المشاريع الثقافية برزت في الآونة الأخيرة مثل الخزانة الوطنية ومتحف الفنون الحديثة فضلا عن مسرح جديد بالقرب من محمد الخامس أكبر مسارح المغرب، إلى جانب متحف للتاريخ.

وقال إن الوظيفة الثقافية هي التي ستعطي مدينة الرباط خصوصية لاستقطاب ليس السياح الأجانب فحسب بل حتى الزوار المغاربة.

هذا فيديو عن تاريخ مدينة الرباط:


لكن في المقابل يرى الناشط المغربي صلاح أحنشي أن التقرير الذي يتحدث عن أن الرباط ستكون وجهة مفضلة في الفترة القادمة "مجرد دعاية" لاستقطاب عدد متزايد من السياح.

وأضاف قائلا في اتصال مع موقع "راديو سوا"، "بصفتي أحد سكان المدينة أرى أن دعوة السياح لزيارة العاصمة يقتضي أن تواكبها إجراءات عملية تغير من ملامح المدينة سواء من الناحية العمرانية أو من الناحية السلوكية لساكنيها وللذين يزورونها".

وتابع أنه عندما تتم دعوة السياح لزيارة منطقة معينة "فإنك تعدّ لهم منتوجا، تراعي ما ينتظره هذا السائح الجديد أو السائح المفترض بمعنى أنك ستقدم له مجموعة من البدائل قد تكون ثقافية أو تاريخية أو أمنية أو حتى مجموعة من البنيات التحتية تستجيب لتطلعاته ورغباته المفترضة".

وتساءل أحنشي "فهل هناك تحديد مسبق لرغبات السياح المفترضين؟ لا أرى أن هناك أجوبة ميدانية لهذة الأسئلة بقدر ما أراها دعاية مسبقة أو دعاية تنتظر أن يستجيب لها السائح مسبقا ثم ننظر ماذا سنفعل"، مضيفا "برأيي هذه دعوة ناقصة، هي دعوة جميلة جدا لكنها ناقصة".

كما قال إن مشاريع دعم السياحة في المدينة موجودة لكنها مازالت حبرا على ورق أو مجرد مشروعات مفتوحة، وأردف قائلا "هل هذه المشروعات هي التي ستحتضن السائح؟ هل هذه المشروعات ستستجيب لما ينتظره السائح؟ يجب أولا العمل لأجل هذا السائح".

وأشار إلى بعض العراقيل التي قد تقف عقبة أمام إشباع توقعات السياح "بينها الإضرابات التي تشهدها المدينة مثل إضرابات عمال النظافة" وما يترتب عليها، وكذلك "عدم وجود شبكة نقل عمومي كبيرة".

وتابع أن "السائح عندما يحل ضيفا على العاصمة ستكون لديه الرغبة في التجول بحرية في كافة أنحاء المدينة وسيرغب في رؤية أماكن نظيفة ويتنقل بسلاسة".
 
وقال إن "المشاريع تبقى مجرد ورش مفتوحة تقف في وجهها عقبة إضرابات عمالها ربما لأنها لم تدرس بكيفية جيدة وأرى أنها أشياء يجب أن يعاد فيها النظر".

ويسعى المغرب إلى مضاعفة عائدات قطاع السياحة بحلول عام 2020 لتصل إلى أكثر من 140 مليار درهم، مقابل 63 مليار درهم حاليا علما بأن الدولار الأميركي يعادل 8,32 درهم مغربي.

وتشهد المملكة في السنوات الأخيرة مشاريع كثيرة تشمل تشييد طرق سريعة تربط بين مختلف مناطق المغرب وقطارات تراموي في مدينتي الرباط والدار البيضاء فضلا عن أسواق تجارية ومشاريع سياحية عديدة.

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.