ملك المغرب عام 1999
ملك المغرب عام 1999

يحتفل العاهل المغربي الملك محمد السادس الثلاثاء بالذكرى الـ20 لجلوسه على العرش في 30 يوليو، في بلد لا يزال مطبوعا بفوارق اجتماعية عميقة رغم الجهود المبذولة لتحقيق التنمية.

وتتزين المدن المغربية في عيد العرش بالأعلام الوطنية وتنشر الصحف المحلية تقارير عن حصيلة المنجزات، بيد أن الأسابيع الماضية شهدت أيضا صدور تقارير تنبه إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتردي الأوضاع الاجتماعية، محذرة من تداعيات البطالة المتفشية في صفوف الشباب.

وتحدث الملك محمد السادس في أولى خطبه بعد تسلمه العرش في 1999 خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني، عن البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية، على أنها من المعضلات الرئيسية في المغرب. وأطلق عليه اسم "ملك الفقراء" في بداية عهده، إذ كان يجسد تطلعات وآمال فئات واسعة من المغاربة بالتغلب على هذه المعضلات.

وإذا كانت قيمة الثروة الإجمالية للمغرب "تجاوزت الضعف ما بين 1999 و2013"، بحسب دراسة رسمية نشرت أواخر 2016، فإن المغرب لا يزال يواجه "العديد من التحديات التي يتعين رفعها لا سيما ما يتعلق بالبطالة في صفوف الشباب، والفوارق الاجتماعية والجهوية"، بحسب الدراسة التي أنجزت بتعليمات من الملك.

فوارق اجتماعية

وأكد المستشار الملكي عمر عزيمان في حوار مع وكالة فرانس برس أن "ثمار التنمية التي تحققت خلال الـ20 سنة الماضية لم يستفد منها الجميع، هناك شعور بالسخط. لا نستطيع خلق فرص عمل لشبابنا، ولا تزال لدينا مناطق مهمشة".

وأوضح مستشار العاهل المغربي في ظهور إعلامي نادر أن "تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية" هو أولى أولويات المغرب حاليا "إنه ورش ضخم يتطلب نموذجا جديدا للتنمية أكثر حرصا على تحقيق العدالة الاجتماعية".

وكان العاهل المغربي دعا في خطاب ألقاه في أكتوبر 2017 إلى صياغة نموذج تنموي جديد، لم تظهر معالمه بعد.

وشهدت مناطق مغربية مختلفة حركات احتجاجية في السنوات الماضية. وكان من أبرزها في الفترة الأخيرة الحركتان الاحتجاجيتان اللتان هزتا منطقة الريف (شمال) ومدينة جرادة (شرق) في 2017 و2018.

وظهر في ربيع 2018 أسلوب احتجاجي غير مسبوق في المغرب تمثل في مقاطعة منتجات ثلاث شركات تستحوذ على حصة الأسد في أسواق المحروقات والحليب والمياه المعدنية، رفضا لغلاء الأسعار. ولقيت الحملة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يتبناها أحد، تجاوبا واسعا.

وتلى الاحتجاجات التي شهدها الريف وجرادة الإعلان عن مشاريع تنموية في المنطقتين، لكن التحرك الاحتجاجي انتهى أيضا باعتقالات وصدور أحكام قاسية طالت مئات الأشخاص، بحسب تقارير منظمات حقوقية.

واستتفاد حتى الآن نحو 250 معتقلا على خلفية تلك الملاحقات من عفو ملكي.

ورأت منظمات حقوقية محلية ودولية في تلك الملاحقات "تراجعا" عن المكتسبات التي تحققت على صعيد حماية حقوق الإنسان، وخصوصا الآمال التي حملها تبني دستور جديد سنة 2011 نص على حماية الحريات.

وجاء تبني هذا الدستور في سياق تظاهرات حركة 20 فبراير، النسخة المغربية للربيع العربي، ضد ما وصف بالـ"الفساد" و"الاستبداد".

واعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقرير عرض مطلع يوليو أن السنة الماضية "عرفت ترديا كبيرا نتيجة المقاربة القمعية التي تعاملت بها الدولة مع التنظيمات السياسية... ونشطاء الحراك الاجتماعي".

في المقابل، أكد وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان مصطفى الرميد أن "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تم القطع معها، وأصبحت بالنسبة للمغرب من الماضي".

وسجل في تقرير عرضه منتصف يوليو حول الفترة ما بين 2012 و2018، "حالات معزولة ما زالت تطرح تحديات على مستوى ضمان فعالية منظومة الحماية الوطنية".

"مرحلة انتقال الملك"

وكانت تظاهرات "حركة 20 فبراير" جددت التأكيد على مطلب الانتقال نحو ملكية برلمانية على النمط الأوروبي. فقبل سنوات، وفي بداية عهد الملك محمد السادس، علّقت آمال على أن تؤسس تجربة "التناوب التوافقي"، أي الحكومة التي قادها بين 1998 و2002 حزب المعارضة الرئيسي آنذاك، لانتقال ديموقراطي يعيَّن فيه رئيس الحكومة من الحزب الأول في البرلمان. لكن ذلك لم يتحقق إلى أن جاءت تظاهرات 20 فبراير فتجددت المطالبة به تحت عنوان "الملكية البرلمانية".

ويرى المؤرخ المعطي منجب أن المغرب "لم يشهد تحولا نحو الديمقراطية وإنما فقط فترة انفتاح أثناء مرحلة انتقال الملك في بداية عهد محمد السادس، وكان الهدف في النهاية تأكيد نظام ملكية تنفيذية".

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي، من جهته، أن "أي مسار إصلاحي لا يمكن أن يسير في خط مستقيم ولا بد أن يتأرجح بين التقدم والتراجع"، مشددا على "نجاح المغرب في الحفاظ على استقراره" في محيط إقليمي تهزه التحولات السياسية.

ويشير الطوزي الذي شارك في لجنة مراجعة الدستور سنة 2011، إلى مؤشرات تدل على أن ثمة "تغييرات هامة حصلت".

وتتمثل هذه التغييرات في أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتبني قانون أسرة يعزز حقوق النساء في 2004، فضلا عن دستور 2011، ووجود هيئات رقابة مثل المجلس الأعلى للحسابات.

وعلى الرغم من هذه المؤشرات، لا يبدو الشباب المغربي إجمالا مطمئنا للمستقبل، ويفكر سبعة من كل 10 شبان مغاربة في الهجرة، بحسب نتائج دراسة نشرت مؤخرا لمؤشر "البارومتر العربي". وخلصت الدراسة إلى أن المغرب منقسم بين "جيل قديم أكثر ثقة، وآخر شاب أكثر تشاؤما".

المصدر: فرانس برس

 

خلال مظاهرة ضد الفساد بالمغرب (أرشيف)
خلال مظاهرة ضد الفساد بالمغرب (أرشيف)

لا تزال مكافحة الفساد في المغرب تثير الجدل بشأن أسباب تفشيه وآثاره على البنية السياسية والاقتصادية، بعد أن خلص مشاركون في ندوة حزبية عن "مبادرات لمحاربة الفساد"، إلى أن المجتمع بات "يُطبّع" مع الفساد وأن بعض الأحزاب تستغل محاربته كشعار انتخابي.

واعتبر رئيس "الجمعية المغربية لحماية المال العام"، محمد الغلوسي، أن ⁠الفساد في المغرب ظاهرة بنيوية تستخدم لضبط المجتمع وترسيخ السلطوية، مؤكدا أن غياب الديمقراطية وضعف المحاسبة يساهمان في تعميمه، مما يضمن استمرار مصالح النخب النافذة على حساب التنمية والإصلاح.

وأشار الغلوسي إلى وجود تضييق على القوى الديمقراطية والصحافة، بينما تعزز قوى الفساد نفوذها عبر تشريعات تعرقل المساءلة، لافتا إلى "استغلال بعض النخب لإضفاء شرعية على الفساد، مما يحوّل مؤسسات الرقابة إلى هيئات صورية".

وذكرت النائبة البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة الزهراء التامني، أن "تفشي الفساد في المغرب أدى إلى تكريس سياسة الإفلات من العقاب، وتعطيل عمل المؤسسات، وتقويض ثقة المواطنين في الدولة، بل وبات يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي"، مشددة على غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحته.

"نتيجة تراكمية"

وفي تعليقه على القضية، يشير الخبير الاقتصادي، عضو منظمة "ترانسبرانسي المغرب"، عز الدين أقصبي، إلى أن تطبيع المجتمع مع الفساد هو نتيجة تراكمية لمتابعة الوضع منذ عقود، ردفا "فرغم الجهود المدنية والتشريعية، فإن المغرب تراجع في مؤشرات الفساد الدولية، ما يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحته".

ويتابع أقصبي حديثه لموقع "الحرة"، أن الفساد في المغرب بنيوي ويمس قطاعات حيوية كالقضاء والصحة والأمن. مؤكدا أن ضعف القوانين وعدم تطبيقها يعزز الإفلات من العقاب ويجعل الفساد آلية لضبط السلطة، خاصة مع اقتصاد ريعي يعمّق هيمنة النخب النافذة".

ويربط أقصبي بين غياب الديمقراطية وتفشي الفساد، موضحا أن "المؤسسات الرقابية ضعيفة والمحاكم غير فعالة والصفقات العمومية تفتقر للشفافية والإصلاحات المعلنة شكلية، حيث تفتقد آليات التنفيذ، مما يكرس الوضع القائم بدلا من تغييره".

ويؤكد المتحدث ذاته، أن الحلول التقنية موجودة، لكن المشكلة سياسية بالأساس. مسجلا أن تطبيق قوانين الشفافية، مثل التصريح بالممتلكات يبقى محدودا، فيما يهيمن تضارب المصالح على دوائر القرار.

"غياب إرادة سياسية"

ويقول رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، إن "الأحزاب تستغل ملف الفساد كشعار انتخابي أكثر من كونه مشروعا حقيقيا للإصلاح"، موضحا أن "الفساد متجذر في المنظومة الحزبية نفسها التي تستفيد منه للحفاظ على نفوذها، مما يمنحه حصانة سياسية تحول دون مكافحته بجدية".

ويضيف لزرق في تصريح لموقع "الحرة"، أنه بعد دستور 2011، صدرت نصوص قانونية مهمة لمكافحة الفساد، لكنها لم تُفعّل بسبب غياب الإرادة السياسية. 

وقال "الإصلاحات المطلوبة تشمل تجريم الإثراء غير المشروع ومحاربة تضارب المصالح وتعزيز آليات الشفافية، لكنها تواجه مقاومة من داخل المنظومة الحزبية ذاتها".

ويعتبر لزرق أن المؤسسات الرقابية تعاني من ضعف فعاليتها ليس بسبب القوانين، ولكن بسبب الأشخاص الذين يديرونها. مشيرا إلى تعيين العديد منهم عبر الأحزاب السياسية، مما يقوض استقلاليتهم ويجعلهم جزءا من شبكة المصالح التي تعرقل أي جهود حقيقية لمكافحة الفساد.

ويؤكد لزرق أن المشكلة الأساسية ليست في النصوص القانونية بل في غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد داخل الأحزاب والمؤسسات. ويرى أنه "طالما بقيت الأحزاب تستفيد من الوضع القائم، فإن أي إصلاحات ستظل شكلية، وستظل المحاسبة غائبة، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب".

"ثقب أسود"

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن "المجتمع المغربي لا يطبع مع الفساد، بل يرفضه بطبيعته، كما يتضح من رفع الأحزاب السياسية لشعار محاربته خلال الانتخابات، مستدركا "لكن بعض الفئات تضطر إلى التعامل معه بسبب الحاجة، وهو لا يعني قبوله بل يعكس ضعف البدائل المتاحة".

ويعتقد العلام في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأحزاب التي ترفع شعار مكافحة الفساد خلال الحملات الانتخابية غالبا ما تتبنى إجراءات ضعيفة بعد وصولها إلى السلطة. ويعزو ذلك إلى "مقاومة اللوبيات المستفيدة، أو غياب الإرادة السياسية الحقيقية، مما يجعل الفساد مستمرا".

ويؤكد العلام أن الفساد "ثقب أسود" يستنزف ميزانيات ضخمة ويحرم البلاد من فرص استثمارية مهمة.

ويضيف أن مكافحة الفساد تتطلب إجراءات متعددة، من بينها تشديد العقوبات ضد المفسدين، ودعم الجمعيات الحقوقية، وتشجيع المواطنين على التبليغ عن الفساد. مشددا على أهمية التربية المجتمعية، بدءا من المدرسة والأسرة، لتعزيز ثقافة النزاهة ورفض تقديم التنازلات أمام الفساد.

"إجراءات ملموسة"

وفي المقابل، تدافع الحكومة المغربية على التزامها بمحاربة الفساد من خلال استراتيجيات واضحة وإجراءات، موضحة أن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (2016-2025) حققت إلى غاية الشهر الأول من السنة الجارية 76٪ من أهدافها، مشيرة تقدم محرز في تعزيز الشفافية والحكامة الجيدة.

وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أكد مؤخرا، أن الحكومة قامت بعدة إجراءات لتحسين الإدارة العمومية، كإصدار ميثاق المرافق العمومية وقانون تبسيط المساطر الإدارية ومرسوم الصفقات العمومية،

واعتبر بايتاس، أن ذلك "يمنح ضمانات أكبر للحد من استغلال المال العام بطرق غير مشروعة وتعزيز النزاهة في التدبير العمومي".

و⁠أبرز المسؤول الحكومي أن التحول الرقمي يعد ركيزة أساسية في مكافحة الفساد، حيث تعمل الحكومة على رقمنة الخدمات العمومية لتسهيل ولوج المواطنين إليها بشفافية أكبر. داعيا إلى تضافر جهود مختلف الفاعلين، سواء الدولة أو المجتمع المدني والهيئات الرقابية، لتحقيق نتائج فعالة في مكافحة الفساد.