يوم عاصف في الدار البيضاء. بالنسبة للبعض سيكون ذلك عذرا لعدم الخروج من المنزل.
لكن بالنسبة لفاطمة الزهراء بيلوسي فهذا هو الوقت الأفضل للخروج.
أصيبت فاطمة الزهراء بمرض جلدي نادر معروف باسم جفاف الجلد المصطبغ - المعروف أيضا باسم إكس بي.
إنها شديدة الحساسية للأشعة فوق البنفسجية، مما يعني أنها قد تعاني حروق الشمس الخطيرة مع أدنى تعرض للشمس وهو ما يجعلها عرضة للإصابة بسرطان الجلد.
نتيجة لطقس المغرب المشمس على مدار العام، يصبح الخروج من المنزل أمرا خطيرًا لمرضى إكس بي.
في كثير من الأحيان يتم تشخيص مرض إكس بي في مرحلة الطفولة المبكرة.
فاطمة الزهراء في الخامسة والعشرين، لكن لأن غالبية المرضى لا يحصلون على الحماية الملائمة فالكثير منهم لا يتجاوزون سنوات المراهقة، ولذا تكافح العائلات في المغرب من أجل الاعتراف بمحنة أطفالهم والحصول على مساعدات الحكومة وأبسط الحقوق المتمثلة في الذهاب إلى المدرسة.
يرأس الحبيب الغزاوي جمعية التضامن مع أطفال القمر من منزله في بلدة المحمدية.
تبلغ ابنته، فاطمة، من العمر 26 عاما وقد خضعت لأكثر من 50 عملية لإزالة نمو سرطاني على لسانها وجفونها وأجزاء أخرى من جسدها.
لذلك قامت العائلة بتركيب مكيفات في منزلها لجعله آمنًا قدر الإمكان.
يقول الغزاوي: "يوجد فيلم مضاد للأشعة فوق البنفسجية مثبت على النوافذ. إنه فيلم مكلف للغاية ولكن كان يتعين علينا تثبيته لمنح ابنتي بعض الحرية، حتى تتمكن من التنقل في المنزل دون مخاطر".
يقضي الغزاوي وقته بين زيارة العائلات وتوزيع التبرعات من الكريمات والأقنعة، وتزويد مستشفى الدار البيضاء بالبيانات، ومحاولة الضغط على الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
يتذكر بوضوح كيف شعر أن ابنته كانت تعاني من حالة خطيرة.
ويضيف "لم أسمع بهذا مطلقًا من قبل، لم أر أبداً أي شخص مصابا بهذا المرض. وقد أصيب جميع أفراد الأسرة بالصدمة، ولم أتمكن من التوقف عن البكاء، وكنت أخرج ليلًا وأرتدي عباءة وكنت أبكي كثيرًا، كنت أعتقد أنني سأفقد ابنتي لأن هذا المرض صعب للغاية. "
فاطمة لم تسمح للمرض أن يشكل عائقا لها، فهي تظل داخل المنزل وغالبا ما تنام طيلة النهار.
في عام 2016، أنشأت صفحة على موقع فيسبوك أطلقت عليها "بنت القمر" لتظهر للناس أنها فتاة عادية.
يتابع فاطمة أكثر من 40 ألف شخص ويتبادلون الصور والمعلومات بشأن مرضها.
عندما تخرج من المنزل خلال اليوم ترتدي قناعا خاصا.
تتعاون جمعية الغزاوي مع مركز مستشفى ابن رشد الجامعي في الدار البيضاء، ويتردد الكثير من أبناء عائلات أطفال القمر لإجراء الفحوص.
فاطمة الفطواكي، أخصائية الأمراض الجلدية لدى الأطفال في مركز مستشفى جامعة ابن رشد الجامعي في الدار البيضاء، تشرح سبب مرض شيوع مرض جفاف الجلد المصطبغ.
تقول فاطمة الفطواكي "في المغرب، هناك معدل انتشار مرتفع للغاية لهذا المرض لأن هناك تقاربا في النسب (انحدار من نفس الأجداد). نحن في بلد عربي، بلد مسلم حيث يوجد العديد من زيجات الأقارب. وهؤلاء المرضى هم نتاج هذه الزيجات."
ويؤثر هذا الاضطراب على واحد من كل عشرة آلاف شخص في شمال إفريقيا - أي أكثر من 10 أضعاف المعدل في أوروبا وحوالي 100 ضعف المعدل في الولايات المتحدة، وفقًا للدكتور كينيث كرايمر، باحث مرض إكس بي في المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة.
يرث الأطفال المصابون نسختين من جين متحور، واحدة من كل واحد من الوالدين.
وتشير دراسة أجرتها الحكومة المغربية عام 2016 إلى أن حوالي 15 بالمائة من الزيجات تتم بين الأقارب.
في غرفة الانتظار، تنتظر نادية الرامي وابنها مصطفى بصبر.
رغم سنوات عمره الثماني، خضع مصطفى بالفعل لأحد عشر عملية لإزالة أورام سرطانية على جلده.
وتبدي أمه الكثير من القلق بشأن مستقبله، اذ لم يتوصل العلم بعد إلى علاج لهذا المرض.
الشيء الوحيد الذي يمكن للمصابين بهذا المرض القيام به هو البقاء في الظلام وارتداء ملابس واقية إذا ما أرادوا الخروج من المنزل.
إصرار نادية الرامي على انتظام ابنها في المدرسة رغم ما قد يسببه التعرض للضوء من تهديد لحياته، أسفر عن اتفاق مع مدير المدرسة.
سيتمكن مصطفى من التواجد في الفصل إذا ظل داخل صندوق من الورق المقوى.
قبل مصطفى رضوان هذا الاتفاق بسعادة.
كان يعلم أن فكرة والدته ستقضي على قلق المدرسة بشأن حالته.
ولا يأبه مصطفى، المليء بالحيوية، بشأن ما يقوله الناس وسيواصل الذهاب إلى المدرسة.
صرخة من حقول المغرب.. عاملات زراعيات يتحدثن عن "القهر والاستغلال"
الحرة / خاص
12 ديسمبر 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
"نفيق في الظلام.. ونعود في الظلام" عبارة تختزل شحنة نهار شاق تقضيه النساء في "الضيعات الفلاحية"، حيث لا يعانين من ظروف عمل صعبة فحسب، بل يختبرن صنوفا من الانتهاكات، من عنف لفظي وتحرش جنسي، في إقليم اشتوكة أيت باها جنوب المغرب.
مليكة ونعيمة تختصران بشهادتيهما قصص العاملات الزراعيات، اللواتي قررن كسر حاجز الصمت وبدء خوض احتجاجات "رفضًا لكل أشكال القهر والاستغلال"، حيث قررن خوض إضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بداية من الأسبوع الجاري، في جميع الضيعات الفلاحية ومحطات التلفيف، احتجاجًا على استمرار تدهور أوضاع تشغيلهن وهزالة الأجور.
ويأتي هذا الإضراب بعد احتجاجات سابقة أواخر توفمبر الماضي، وبعد أن سجل تقرير جمعية "أطاك المغرب" تعرض عاملات وعمال "الموقف" (نقطة تجمع يومي للعمال) لمختلف أنواع الابتزاز من قبل السماسرة بما في ذلك الاقتطاع من أجورهم أو التحرش بالنساء.
ووصلت القضية إلى البرلمان بعد أن نبهت النائبة عن فيديرالية اليسار الديمقراطي، ، فاطمة التامني، في سؤال كتابي موجه لرئاسة مجلس النواب ووزير الداخلية، إلى أن هذه الاحتجاجات تأتي على خلفية تراكم انتهاكات حقوق العمال الزراعيين، بدءا من تدني الأجور اليومية ووصولا إلى الاستغلال الذي تتعرض له العاملات بما في ذلك المساومة على كرامتهن من قبل بعض مسؤولي الضيعات الزراعية.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تحكي مليكة ونعيمة إضافة إلى العديد من العاملات الزراعيات بالضيعات الفلاحية في المنطقة عن ظروف اشتغالهن ومعاناتهن اليومية لتوفير لقمة العيش، بينما ترتفع أصواتهن إلى جانب نقابيين وحقوقيين بضرورة التدخل من أجل تحسين أوضاع العمال الزراعيين وحماية حقوقهم.
"نشتغل كالعبيد"
مليكة (34 عاما) عاملة زراعية وأم لثلاثة أطفال تعيش في بيوكرى بإقليم اشتوكة أيت باها نواحي مدينة أكادير، تحكي لموقع "الحرة"، عن حياتها القاسية التي تبدأ فجرا لتأمين لقمة العيش بعد أن تحضر فطور أطفالها وتترك صغيرهم في الحضانة وتغادر للعمل، إذ تصف هذه اللحظات قائلة "نفيق في الظلام، نحط وليداتي ونشوفهم في الظلام".
تتحدث مليكة عن ظروف اشتغالها في الضيعات الفلاحية التي تبدأ يوميا من "الموقف"، موضحة أنها تجبر للعمل لساعات إضافية دون استراحة كافية وتتعرض للإهانة ويصرخ عليها المشرفون بألفاظ تحط من كرامتها، قائلة "كنخدمو في الفيرما (الضيعة) بحال العبيد، خصك دير أي حاجة قالولك".
تعيش مليكة مع أطفالها في غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها 16 مترا، تتكون من مطبخ ومرحاض ومكان للجلوس وسرير للنوم، ورغم عملها الشاق تؤكد أنها غير قادرة على تلبية احتياجات أطفالها من مأكل ودواء لابنها المريض بفقر الدم وضيق التنفس بسبب غلاء المعيشة والأجر الهزيل، وترى نفسها، أمثالها مهمشين قائلة "لا نحس بأننا أبناء الوطن أو أن الوطن يعاملنا كمغاربة لأننا لم نر سوى العذاب والعناء والغلاء".
وفي هذا السياق، تشدد مليكة على ضرورة اتخاذ تدابير حكومية عاجلة لتحسين ظروف العمال والعاملات الزراعيين الذين يعيشون بدون حقوق ووضعا صعبا مع أسرهم، وتقول إننا "نموت يوميا وقلبنا يتقطع لأننا لا نعيش بخير ولا يتم احترامنا وبمجرد العلم بأننا نشتغل في الضيعة يتم احتقارنا".
"تمييز وشقاء"
وعلى بعد كيلومترات من مليكة، تعيش نعيمة (70 عاما) في منزل لإعالة ابنها المريض نفسيا بمفردها، حيث تضطر للاستيقاظ في الرابعة صباحا لتحضير فطوره وأدويته قبل التوجه للعمل في الضيعات الزراعية رغم تقدم سنها، وتقول "أشتغل لتأمين لقمة العيش مقابل 80 درهما لا تكفي لشيء مع غلاء المواد الغذائية، فماذا نشتري بها، اللحم أصبحنا نراه فقط معلقا عند الجزار".
وفي حديثها لموقع "الحرة"، توضح نعيمة أنها تعمل مع النساء في ظروف شاقة وغير إنسانية وبدون حماية وسط غياب أي ضمانات قانونية كالتأمين الصحي وعقد العمل، مضيفة أنها تعاني من التمييز في "الموقف" من طرف السماسرة والوسطاء بسبب سنها، وتقول "يلا ماكانش باك صاحبي ماكاينش خدمة" (لا عمل بدون واسطة).
وفي مكان العمل، تتحدث نعيمة عن تعرضها للإرهاق الشديد والمعاملة القاسية من بعض المسؤولين في الضيعات الفلاحية الذين لا يكترثون لوضعها الصحي والاجتماعي، مشيرة إلى أنه أحيانا كثيرة يتم رفض اختيارها من "الموقف" على اعتبار أنها غير قادرة على أداء المهام المطلوبة.
وفي هذا الصدد، تطالب نعيمة بتوفير الاحترام والكرامة وتحسين أوضاع العاملات الزراعيات وتمكينهن من حقوقهن والعيش الكريم، تقول "نتمنى يشوفو فينا بعين الرحمة ويكون المواطن عندو حقوق بلا قمع وبلا عنف، لأن ما دايم غير الله".
"عنف وتحرش"
تشترك مليكة ونعيمة في سرد واقع مرير يعكس حال الآلاف من العاملات الزراعيات في إقليم اشتوكة أيت باها، وهو ما تم تأكيده خلال اجتماع للعاملات بمدينة بيوكرى، حيث تم التطرق إلى الأجور الهزيلة التي لا تتماشى مع غلاء المعيشة.
وتشير المتحدثات إلى معاناتهن من المصاريف المتزايدة، تقول إحداهن: "بـ 80 أو 90 درهما يوميا نواجه مصاريف الحضانة والكراء والطعام والدواء، لا يعقل أن تظل الأجور على هذا الحال، بينما نعمل ساعات طويلة بلا تعويض".
وكشفت إحدى العاملات الزراعيات خلال هذا الاجتماع الذي حضرته "الحرة" بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن استغلال الأطفال القاصرين في الضيعات الفلاحية، وقالت "بنات 14 و15 سنة يعملن في ظروف قاسية، ويهددن بالطرد مع أمهاتهن إذا رفضن المهام، ولا وجود للمراقبة، وكأن الضيعات تحولت إلى أماكن لاستغلال الأطفال".
وناقشت العاملات غياب الحماية القانونية للعمال الزراعيين، حيث يتعرضون للعنف اللفظي والتحرش ولاستغلال الوسطاء وغياب التصريحات القانونية، وتشتكي إحدى العاملات قائلة "نشتغل لسنوات دون توثيق، ونتفاجأ بعدم التصريح بأيام العمل، السماسرة ينهبون حقوقنا، وعلى الدولة التدخل لضمان كرامتنا وحمايتنا من هذا الاستغلال الممنهج".
"حياة أكثر قسوة"
وأكدت النقابية خديجة جداري، عضوة الاتحاد المغربي للشغل -القطاع الفلاحي- بإقليم اشتوكة أيت باها، استمرار معاناة العاملات والعمال الزراعيين في الضيعات الفلاحية بالمنطقة، مشيرة إلى أن "ظروف العمل لا تزال دون تحسن رغم مرور 20 عاما على عملها في هذا القطاع".
وتابعت جداري حديثها لموقع "الحرة"، أن "العمال يعانون من غياب الحقوق الأساسية كالتأمينات الاجتماعية والمراقبة القانونية، حيث لم ير العاملون أي تدخل من مفتشي الشغل حتى في الحالات التي تتطلب المراقبة الفورية، بل إن هناك محاولات مستمرة من قبل أرباب العمل لتفادي النقابات مما يزيد من استغلال العمال وإبقائهم في ظروف مزرية دون أي تحسن في الأجور أو الحقوق".
وتبرز جداري أنه "رغم المعاناة اليومية للعمال بدون وقت للراحة أو العطل فإنهم يعاملون بعنف لفظي وجسدي في بعض الأحيان ويعيشون ظروفا مزرية"، مؤكدة أن بعض النساء بما فيهن القاصرات يتعرضن للتحرش والضغط النفسي من قبل المشرفين ويعاني العديد منهم من أمراض خطيرة بسبب تعرضهم المستمر للمواد الكيميائية في العمل، ما يجعل حياتهم أكثر قسوة".
ودعت النقابية جداري إلى تدخل الحكومة والجهات المعنية لمراقبة الوضع في الضيعات وضرورة أن يكون هناك التزام حقيقي من قبل الشركات لدفع أجور عادلة وتوفير شروط عمل إنسانية، مضيفة أن العاملين في هذا القطاع هم من يحملون ثقل الإنتاج الزراعي الذي يصدر إلى الخارج.
"قمع وتنكيل"
ومن جانبه، يعزو رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع اشتوكة أيت باها، عبد الله مهماوي، احتجاجات العمال والعاملات الزراعيين في الإقليم إلى الزيادة المستمرة في الأسعار والأجور الهزيلة التي يتقاضونها، منبها إلى أنهم "خرجوا في احتجاجات سلمية وحضارية من أجل مطالب مشروعة إلا أنهم قوبلوا من طرف السلطات بالقمع والتنكيل واعتقال عدد من المتظاهرين".
ويضيف مهماوي في تصريح لموقع "الحرة"، أن "هؤلاء العمال والعاملات يتعرضون لانتهاكات كثيرة كالتمييز والتحرش المنتشر في أماكن العمل ويتم نقلهم في وسائل نقل مهترئة لا توفر أي شروط للسلامة مما يعرضهم لحوادث سير مميتة في بعض الأحيان"، لافتا إلى أن هذه المعاناة تزداد مع عيشهم في ظروف قاسية كالسكن في الخيام أو البلاستيك بالإضافة إلى أجور هزيلة لا تكفي لتغطية أبسط احتياجاتهم.
ويؤكد مهماوي أن "الحلول المتاحة لتحسين أوضاع العمال والعاملات الزراعيين تبدأ بزيادة الأجور بشكل عاجل لتصل كحد أدنى بنحو 150 درهم على الأقل في اليوم"، مشددا على ضرورة احترام القوانين الوطنية والدولية التي تكفل حقوق العمال واتخاذ إجراءات ملموسة تضمن لهم حياة كريمة وتحسن ظروف العمل بشكل عام.