ناشطات يتظاهرن ضد قانون تجريم الإجهاض في 25 يونيو  2019 في المغرب
ناشطات يتظاهرن ضد قانون تجريم الإجهاض في 25 يونيو 2019 في المغرب

ساهم توقيف صحفية شابة بتهمة "الإجهاض غير القانوني" و"ممارسة الجنس قبل الزواج" هذا الأسبوع في إحياء الجدل حول وضع الحريات في المغرب وصولا إلى حقوق النساء والحياة الخاصة والتقاليد والصحافة.

وأثار مصير هاجر الريسوني (28 عاما) احتجاجات المدافعين عن حقوق الإنسان وموجة ردود فعل غاضبة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وتحدثت أشد الانتقادات عن "واقع من العصور الوسطى" و"عنف مؤسساتي بحق النساء" و"تدخل للدولة في الحياة الخاصة" للمواطنين و"ترهيب للصحفيين".

وأوقفت الصحفية في جريدة أخبار اليوم الناطقة بالعربية السبت الفائت لدى خروجها من عيادة في الرباط.

ووضعت الريسوني التي أكدت أنها كانت تتلقى علاجا من نزف داخلي قيد التوقيف في انتظار محاكمتها المقررة الاثنين.

وأوقف معها خطيبها الذي كان سيتزوجها منتصف سبتمبر، وكذلك الطبيب المعالج وممرض وسكرتيرة تعمل في العيادة.

وينص قانون العقوبات المغربي على سجن من يمارس علاقات جنسية قبل الزواج ويلجأ إلى الإجهاض حين لا تكون حياة الأم في خطر.

وإذ أكدت أن توقيف هاجر الريسوني "لا علاقة له بمهنتها كصحفية"، أوضحت نيابة الرباط في بيان الأربعاء بالتفصيل العناصر الطبية التي تؤكد ان الصحفية كانت حاملا وقد أجهضت.

في المقابل، نددت الصحافية بـ "اتهامات مفبركة" و"قضية سياسية" على صلة بمقالات نشرتها أخيرا عن معتقلي "الحراك" في شمال المغرب، بحسب قريبين منها.

تناقض

 

 

وأكدت الريسوني في رسالة نشرتها صحيفة أخبار اليوم أنها استجوبت خلال توقيفها عن اثنين من أعمامها، الأول مفكر إسلامي معروف بمواقفه المحافظة المتشددة والثاني كاتب في أخبار اليوم معروف بانتقاداته اللاذعة.

وسبق أن حكم على صحفيين معروفين بمواقفهم المعارضة بتهم تراوحت بين "التواطؤ في ممارسة الزنى" و"عدم التنديد بالتعرض لأمن الدولة".

وأوردت افتتاحية لموقع يا بلادي الإخباري أن "الصحفيين يلاحقون بعد وقت طويل من نشر كتاباتهم باللجوء إلى مواد من قانون العقوبات".

كذلك، استهدفت وجوه إسلامية في الأعوام الأخيرة بمقالات تندد بالتناقض بين خطابهم وافعالهم على خلفية وقائع خاصة مثل الجنس خارج إطار الزواج.

ولوحق المؤرخ والناشط اليساري المعطي منجب بتهمة "التعرض لأمن الدولة" وارتكاب مخالفات مالية، وقد أحصى العام 2018 "380 مادة" في قانون العقوبات لجأت إليها وسائل إعلام "تعمل لحساب السلطة" للتشهير به "على مدى عامين ونصف عام".

وفي هذا السياق، كتب موقع "لو ديسك" الإخباري أن قضية هاجر الريسوني "تعكس التحالف الشيطاني بين النفاق الاجتماعي حول قضايا الحرية الفردية والقمع الأعمى الذي يستغل قوانين رادعة لأغراض الانتقام السياسي".

ودعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على غرار منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى الإفراج الفوري عن الصحافية، لافتة إلى "تدهور الحريات الفردية" في المغرب.

ووقع نحو 150 صحافيا عريضة تضامنية نددوا فيها بـ "حملات التشهير" الهادفة إلى تدمير سمعة الصحافية. ووضعت صورتها على مقاعد خالية خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الرسمي للمتحدث باسم الحكومة.

وردا على سؤال عن القضية، شدد المتحدث على وجود "إطار قانوني يتصل بالتشهير" مذكرا بأن إصلاح قانون العقوبات، بما فيها المواد المتعلقة بالإجهاض، هو على جدول أعمال البرلمان.

المشكلة سياسية

 

 

وكان وزير العدل المغربي محمد أوجار أعلن نهاية يوليو أن الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية "ملتزمة عملية اصلاحية"، عازيا بطء التغيير إلى "مجتمع محافظ جدا".

لكن المؤرخ محمد الناجي كتب على فيسبوك أن "المجتمع المغربي مهيأ إلى حد بعيد للعصرنة"، مضيفا أن "المشكلة سياسية".

وأوردت عريضة تدعمها الحركات النسوية وناشطات حقوقيات أن "قضايا المساواة بين الرجل والمرأة والحريات الفردية لم تعد معركة فئة من المغاربة، أنها معركتنا جميعا مهما كانت الانتماءات الإيديولوجية".

العام 2018، لاحق القضاء المغربي 14 الفا و503 أشخاص بتهمة الفسق و3048 بتهمة الزنى و170 بتهمة المثلية الجنسية و73 بتهمة الإجهاض، بحسب أرقام رسمية.

وتفيد تقديرات لجمعيات أن ما بين 600 و800 عملية إجهاض سري يتم اجراؤها كل يوم في المغرب.

إيقاف عدد كبير من الأطفال الراغبين في المشاركة في محاولة الهجرة الجماعية ـ صورة أرشيفية.
إيقاف عدد كبير من الأطفال الراغبين في المشاركة في محاولة الهجرة الجماعية ـ صورة أرشيفية.

تحولت مدينة الفنيدق المتاخمة لجيب سبتة الإسباني، شمال المغرب، إلى مسرح لأحداث غير معتادة، نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن امتلأت شوارعها بمئات الشباب والأطفال القادمين من مختلف أنحاء البلاد، رغبةً في العبور إلى الضفة الأخرى.

وخلال الأحداث التي شهدتها هذه المدينة الهادئة، كان لافتا، بشكل خاص، الحضور الكبير  للقاصرين والأطفال الراغبين في خوض مغامرة الهجرة، ما أثار تساؤلات بشأن الدوافع والأسباب التي حملت هؤلاء الصغار للمخاطرة بحياتهم في رحلة محفوفة بالمخاطر.

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يؤكد خبراء ونشطاء حقوقيون أن هذه المشاهد تعكس حالة  "الإحباط واليأس" التي تنتاب شريحة من المجتمع المغربي، كما تبرز من جهة أخرى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع فئات القاصرين والشباب للبحث عن فرص خارج وطنهم، حتى لو كان ذلك على حساب المخاطرة بحياتهم.

تفاصيل ما جرى

وفي مواجهة محاولة "الهروب الجماعي"، اتخذت السلطات المغربية إجراءات أمنية مشددة، إذ عززت وجودها في المنطقة، ونشرت قوات إضافية على طول الحدود، وكثفت عمليات المراقبة. كما  رحلت العديد من الأشخاص إلى مدنهم، في محاولة لإحباط محاولات العبور، بحسب تقارير محلية.

ويقع جيبا سبتة ومليلية الإسبانيين على الساحل الشمالي للمغرب، ويشكلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي في القارة الأفريقية ويتعرضان بانتظام لمحاولات تسلل مهاجرين.

ويصل المهاجرون إلى هاتين المنطقتين إما سباحةً على طول الساحل، وإما من طريق تسلق السياج أو الاختباء في المركبات.

رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، يوضح أن عدد الذين ينوون الهجرة يقدر بالآلاف من مختلف المدن المغربية، لكن عدد الواصلين إلى المدينة كان أقل بكثير.

ويشير الناشط الحقوقي في تصريح لموقع "الحرة" إلى أن السلطات الأمنية منعت الكثيرين من بلوغ مدن الشمال، خاصة القاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و16 عاما، عبر المراقبة في الحواجز عند مداخل المدن.

ويؤكد أن غالبية المتواجدين حاليا في وسط وأحياء الفنيدق هم من أبناء المدينة أو المدن المجاورة الذين استطاعوا تجاوز الحواجز.

ويلفت الناشط الحقوقي إلى الدور الكبير الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في حشد الآلاف وتنسيق هذه المحاولة، كاشفا عن مساهمة أطراف أجنبية من دولة مجاورة في هذه الحملة عبر صفحات وحسابات عملت على تحريض الشباب، مستدلا بذلك باللغة المستخدمة ومكان إدارة هذه الحسابات والصفحات.

وعملت السلطات الأمنية على مكافحة المنشورات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، حيث تمكنت من ضبط وتوقيف حوالي 60 شخصا، من بينهم قاصرون، للاشتباه في تورطهم في فبركة ونشر الأخبار الزائفة على منصات التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، يشدد بنعيسى على أن هذا التحريض ليس السبب الوحيد وراء الحملة الأخيرة، بل هناك أيضاً منشورات تتعلق بالفقر والرغبة في تحسين المستوى المعيشي.

ويشير إلى استغلال شبكات الاتجار بالبشر لمثل هؤلاء لاستقطاب زبائن جدد.

ويضيف أن هذه المنصات تحتوي على عشرات المجموعات والحسابات المخصصة للتنسيق وتبادل المعلومات حول مسارات الهجرة وطرق التعامل مع السلطات المغربية والإسبانية.

ونقلت وسائل إعلام محلية، أن السلطات رحّلت 39 شخصا، معظمهم من المواطنين الجزائريين والتونسيين، الموجودين بشكل غير قانوني في المدينة والمشتبه في رغبتهم دخول سبتة بوسائل وطرق غير شرعية.

"إنذار حقيقي"

ويعد المغرب ممرا تقليديا للهجرة غير النظامية باتجاه إسبانيا، سواء بالنسبة للقادمين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء أو العديد من الشباب المغاربة الذين يرغبون في حياة أفضل في "الفردوس الأوروبي".

وفي أغسطس الماضي، منعت السلطات المغربية 14648 مهاجرا من دخول سبتة ومليلية بشكل غير قانوني، إما عن طريق السباحة أو عن طريق تسلق السياج الحدودي، وفقا لأرقام وزارة الداخلية بالمغرب.

كما كشفت السلطات أن 32 في المئة من محاولات التسلل غير القانونية التي تم إحباطها هذا العام استهدفت سبتة ومليلية، في الشهر المنصرم.

الخبير المغربي في شؤون الهجرة، صبري الحو، يوضح أن المشاهد التي نراها في مدن الشمال تكشف عن نمو شعور لدى فئات اليافعين والشباب بأن الهجرة غير النظامية هي "الحل".

ويعتبر الحو في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذا الشعور والقرار يمثل في حد ذاته "محاكمة للسياسات الحكومية المتعاقبة"، مشيرا إلى أنه لا يمكن تجاهل الدلالة المجتمعية لهذه المحاولات التي تعكس "اليأس والإحباط" لدى فئات الشباب والقاصرين.

ويضيف المحامي المغربي أن هؤلاء الشباب والقاصرين لم يعودوا يرون مستقبلهم في بلادهم، بل أصبحوا مستعدين للمغامرة وركوب المخاطر من أجل تحقيق ما يتصورونه حلاً.

وكشف استطلاع حديث للرأي، أجراه مركز البارومتر العربي، أن 35 في المئة من المغاربة أعربوا عن رغبتهم في الهجرة، وقال 53 في المئة منهم، إنهم لا يمانعون الهجرة بدون وثائق.

في هذا الجانب، يقول الحو إن الرغبة والدعوات للمغادرة الجماعية وحجم الاستجابة لها تشكل "إنذارا حقيقيا بوجود خطر مجتمعي يستدعي الاهتمام والمعالجة"، معتبراً إياه مؤشرا على أزمة ثقة وعدم رضا لدى هذه الفئات.

ويشير إلى أن خطابات الهجرة والرغبة فيها قد تحولت إلى معطى سيكولوجي ونفسي عام لدى عدد من الفئات، بما في ذلك أفراد ينتمون لفئات مجتمعية ميسورة أو من الطبقة المتوسطة. ويعتبر هذا الأمر مؤشراً مقلقاً في حد ذاته.

بين النفسي والاقتصادي

من جهته، يؤكد أستاذ علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، أن الرغبة في الهجرة سلوك إنساني قديم من الناحيتين النفسية والأنثروبولوجية، مؤكدا أن حرية التنقل لم تقيدها سوى القوانين المحلية والدولية مع تطور مفاهيم الدولة والحدود الوطنية.

وفي الحالة المغربية، يشير بنزاكور إلى وجود دوافع اجتماعية واقتصادية قوية للهجرة، ومن بينها تأثير سنوات الجفاف المتتالية على الوضع الاقتصادي لسكان المناطق الجبلية والقروية، والأضرار الناجمة عن الزلزال الأخير، بالإضافة إلى استمرار تداعيات جائحة كورونا على بعض الفئات.

ويؤكد بنزاكور على عامل أساسي آخر يدفع نحو الهجرة وهو المقارنة التي يجريها الكثيرون بين حياتهم وأنماط العيش في بلدان أخرى، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، موضحا أن هذه المقارنات غالبا ما تفتقر إلى التفكير المنطقي والواقعي.

وبحسب إحصائيات منظمات غير حكومية مغربية وإسبانية، يتراوح عدد القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم في إسبانيا بين 6 و8 آلاف، بينما يقدر عددهم في فرنسا بالمئات، لاسيما في مدينة باريس، وتتباين الأرقام في الدول الأوروبية الأخرى.

ويميز الخبير المغربي بين رغبة البالغين في الهجرة ورغبة الأطفال والقاصرين فيها. فبينما يمكن فهم دوافع البالغين الذين تتوفر لديهم مؤهلات الهجرة، يثير طموح الأطفال للهجرة والمغامرة بحياتهم "تساؤلات بشأن فشل منظومة معينة في المجتمع".

ويشير بنزاكور إلى أن البعض يربط بين رغبة القاصرين والأطفال في الهجرة والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه يطرح سؤالاً أعمق حول الأسباب والخلفيات التي تجعل الطفل مستعداً مسبقاً للمغامرة وترك أمان أسرته.