مصانع السيارات بالمغرب توفر حوالي 180 ألف فرصة شغل

يراهن المغرب على تطوير قدراته في مجال تصنيع المركبات الصديقة للبيئة لتعزيز موقعه في السوق العالمية للسيارات ومواكبة التوجهات الجديدة للانتقال الطاقي، وذلك في خضم المساعي الدولية الحثيثة للتحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى النظيفة، في مواجهة التغيرات المناخية والتقلبات التي تعرفها أسواق المحروقات.

ويهدف المغرب الذي يصنّع 40 ألف سيارة كهربائية من إجمالي 700 ألف سيارة ينتجها سنويا، إلى مضاعفة الرقم خلال العامين القادمين وتطوير بنياته الصناعية في المجال، حسب معطيات أدلى بها وزير الصناعة والتجارة رياض مزور شهر يوليو الماضي.

وعاد المسؤول المغربي، ليعلن أمس الأربعاء، عن سعي بلاده لأن تصبح منصة تصنيع السيارات المنخفضة الكربون "الأكثر تنافسية في العالم"، بالإضافة إلى طموحها في زيادة معدل مشاركة المقاولات المغربية في تصنيع أجزاء المركبات المنتجة محليا إلى 80 بالمئة.

وأكد مزور أن الرباط تمضي في طريق التحول نحو "التنقل الأخضر" ذي التأثير المنخفض على البيئة، مشيرا إلى أن المملكة أبانت عن قدراتها في إنتاج سيارات كهربائية، مستندة على سياساتها في مجالات الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، حسبما نقلته وكالة المغرب العربي الرسمية

وأضاف المسؤول الوزاري خلال ملتقى للجمعية المغربية لصناعة وتركيب السيارات،  أن المغرب، يعد المنتج الأول لهذه الأخيرة على الصعيد الإفريقي، بطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى 700 ألف سيارة، ويأمل زيادة الإنتاج مع إطلاق 31 مشروعا بقيمة إجمالية بلغت 6.5 مليار درهم (دولار واحد يساوي 10 دراهم)، خلال السنتين الأخيرتين.

خطوات التحول

وكشف وزير الصناعة المغربي رياض مزور، يوليو الماضي، أن المملكة تتفاوض مع شركات مصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية من أجل إنشاء مصنع في البلاد، دون أن يحدد أسماءها.

وأضاف الوزير لـ"رويترز": "نأمل في توقيع اتفاق لإنشاء المصنع قبل نهاية العام الجاري"، مشيرا إلى أنه سيكون "مصنعا ضخما، سيوفر قوة دفع هائلة لقطاع السيارات المحلي، مستفيدا من توفر الطاقة المتجددة والمواد الخام مثل الكوبالت والفوسفات في المغرب".

وتتوفر الرباط على احتياطات كبيرة من معدن الكوبالت، الذي يُعد أحد أهم المعادن في مجال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، كما أنها ثالث أكبر منتج عالمي للفوسفات، الذي برز مؤخرا كمادة بديلة لتصنيع بطاريات "فوسفات الحديد والليثيوم" عوض بطاريات "أيونات الليثيوم"، بسبب الأسعار الباهظة لمكونات لأخيرة.

وفي تقرير صدر شهر سبتمبر، اعتبر مركز الشرق الأوسط الأميركي، أن إعلان المغرب مؤخرا عزمه توقيع اتفاقية لإنشاء مصنع ضخم لبطاريات السيارات الكهربائية، "يضع البلاد على سكة الريادة في مجال النقل الأخضر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وبحسب مركز الشرق الأوسط، فإن الخطوة المغربية "ذات أهمية بالغة"، إذ بإمكانها أن تحوّل المملكة إلى مركز عالمي لتصنيع المركبات الكهربائية، بـ"فضل الإمكانيات التي تتمتع بها". وذكّر المصدر ذاته بالدور المغربي في مجال الطاقات المتجددة التي تمثل 35 بالمئة من المزيج الطاقي للمغرب.

سوق واعدة

وتحول المغرب خلال العقد الماضي إلى قبلة للمصنعين العالميين الذين أطلقوا استثمارات كبيرة في مجال تصنيع السيارات بمدن الدار البيضاء والقنيطرة وطنجة. ويعد القطاع اليوم، من المرتكزات الاستراتيجية التي يقوم عليها للاقتصاد المغربي، حيث بلغ رقم معاملاته 66.7 مليار درهم عند متم أغسطس الماضي، بارتفاع قارب 30 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية.

وأمام الأرقام الإيجابية المحققة على مستوى السيارات "التقليدية"، شرعت شركات السيارات بالمغرب، في إطلاق مشاريع جديدة للمركبات الكهربائية؛ آخرها إعلان شركة رونو الفرنسية، شهر سبتمبر بدء تصنيع أول سيارة كهربائية بمصنع طنجة شمال البلاد.

وسيبدأ المصنع في إنتاج السيارة الكهربائية في الربع الأول من العام المقبل، بقدرة إنتاجية تصل 17 ألف سيارة، يرتقب أن توجه أساسا  حو السوق الأوروبية.

وفي يونيو سنة 2020، أعلنت الشركة الفرنسية "ستروين" (Citroen) عن تصنيع أول سيارة كهربائية بمصنعها في مدينة القنيطرة، غرب المغرب، وديسمبر من نفس السنة، كشف المغرب عن نموذج محطة لشحن السيارات الكهربائية تم إنتاجها محليا.

مواكبة الاتجاهات

الخبير الاقتصادي إدريس الفينا، يرى أن رهان المغرب ودعمه للاستثمار في الصناعات الخضراء، يأتي لمواكبة تحولات السوق الدولية التي تتجه أكثر نحو الاستثمار في مجال السيارات التي تعتمد على الطاقات البديلة، بالتالي تبقى الغاية الأولى منه "الحفاظ على حصته في السوق الدولية وتطويرها، لمواصلة النتائج الإيجابية التي يحققها في قطاع السيارات العادية".

ويبرز الخبير الاقتصادي في تصريح للحرة، أن شركات السيارات الكبرى بالمغرب تعمل على هذا التحول، وتتجه نحو رفع إنتاج السيارات منخفضة التكلفة الطاقية، مشيرا إلى أن الوحدتين الصناعيتين بطنجة والقنيطرة تتوفران على إمكانيات تطوير كبيرة في المجال، غير أن هذا التحول قد يتطلب من سنتين إلى ثلاث سنوات.

ويلفت الفينا إلى أن الرهان على التحول نحو التنقل الأخضر، "مشروع بالنسبة للمغرب"، للاستفادة من موارد الطاقة الشمسية والريحية وكذلك المعدنية التي يتوفر عليها، بالإضافة إلى تعزيز مرونة سلسلة التوريد للدول الراغبة في ضمان التحول نحو السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة. 

ومكن قطاع صناعة السيارات من إحداث أزيد من 180 ألف فرصة عمل منذ سنة 2014، كما يضم أكبر، من 250 مصنعا وموردا للمعدات على الصعيدين المحلي والدولي.

أمام هذه الأرقام التي وصفها بالإيجابية، يبقى التحدي أمام منظومة صناعات السيارات بالمغرب، بحسب الخبير الاقتصادي، رفع نسبة الاندماج المحلي؛ أي رفع مستوى حضور المقاولات الوطنية في هذه الاستثمارات، ويشير إلى أن هذا من شأنه المساهمة في خلق قيمة مضافة عالية وتحقيق اندماج في سلاسل القيمة العالمية.


 

المغرب يواجه آثارا اقتصادية كبيرة جراء الزلزال المدمر
المغرب يواجه آثارا اقتصادية كبيرة جراء الزلزال المدمر

بعد أن بدأ بالخروج من صدمة الزلزال الذي ضرب البلاد، يبحث المغرب عن التعافي الكامل من هذه الكارثة، عن طريق مسار طويل قد يستغرق 5 سنوات.

ويتوقع أن يتسبب الزلزال المدمر في المغرب بانعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد خلال المرحلة المقبلة، كما هو الحال مع أي كارثة طبيعة يتعرض لها بلد ما.

وقال الخبير الاقتصادي المغربي، محمد الشرقي، إن مثل هذه الكوارث الطبيعية تتسبب في "خسائر مباشرة وأخرى غير مباشرة".

وفي حديثه لموقع قناة "الحرة"، أوضح الشرقي أن "الخسائر المباشرة تتمثل في دمار البنية التحتية من منازل ومدارس وطرق، فيما تكون الخسائر غير المباشرة متعلقة بالنشاط التجاري، ومدى تأثر بعض القطاعات مثل السياحة.

وفي الثامن من سبتمبر الجاري، ضرب زلزال بقوة 6,8 درجة على مقياس ريختر إقليم الحوز جنوب مراكش، مخلفا نحو 3 آلاف قتيل، بحسب الأرقام الرسمية.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن حجم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الزلزال قد تصل إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي للمغرب، مما يعني حوالي 10.7 مليارات دولار، قياسا على بيانات عام 2022 الصادرة عن البنك الدولي.

من جانبه، قدّر الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بـ 150 مليار دولار.

وقال الديب لموقع "الحرة"، إن "الخسائر لحقت بالبنية التحتية والأساسية، والمرافق، وقطاعات اقتصادية، كالاستثمار والسياحة" في خامس أكبر اقتصاد أفريقي.

تضرر 60 ألف منزل

ودمر الزلزال، وهو الأكثر إزهاقا للأرواح في المغرب منذ عام 1960، عددا من التجمعات السكنية الصغيرة المبنية من الطوب الطيني التقليدي والحجارة والخشب، وهي إحدى السمات المميزة لقرى جبال الأطلس التي ينطق قاطنوها اللغة الأمازيغية.

وألحق الزلزال أضرارا بنحو 2930 قرية يسكنها 2.8 مليون نسمة في جبال الأطلس الكبير، حسبما ذكر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب.

وقال الوزير المغربي، فوزي لقجع، أمام البرلمان، الجمعة، إن "ما لا يقل عن 59674 منزلا تضرر جراء الزلزال، وإن 32 بالمئة من هذه المنازل انهارت بالكامل".

وأضاف أن الحكومة ستقدم 2500 درهم (244 دولارا) شهريا على مدى عام لمساعدة الأسر المتضررة من الزلزال، بالإضافة إلى 140 ألف درهم (13.6 ألف دولار) لتعويض الأسر التي انهارت منازلها بالكامل، و80 ألف درهم (حوالى 7780 دولار) للأسر التي تضررت منازلها جزئيا.

ومع ذلك، قال الشرقي إن التقديرات تشير لخسائر بالمليارات، لكن "من الصعب" تحديد رقم معين على اعتبار أن "الحكومة لا تزال تحصي الخسائر".

وقبل الكارثة، انكمش الاقتصاد المغربي بسبب مجموعة من العوامل، من بينها الجفاف ووباء كورونا، ثم التضخم العالمي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا للبنك الدولي.

وذكر البنك الدولي في مايو، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمغرب، "انخفض إلى ما يقدر بـ 1.2 بالمئة بين عامي 2021 و2022 ، من 7.9 بالمئة".

وقال الشرقي: "الكارثة مفاجئة وكبيرة جدا، وجاءت في ظرف غير مناسب أساسا للمغرب حيث الأسعار مرتفعة بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا والجفاف الذي أثر على الزراعة، مما أثر بدوره على الناتج المحلي".

وتابع: "لحسن الحظ فإن السياحة أنقذت الاقتصاد (المغربي) في (عام) 2023" وذلك قبل الزلزال.

وتمثل السياحة 7 بالمئة من النشاط الاقتصادي للمغرب، وتوظف أكثر من نصف مليون شخص، وفقا لشركة البيانات "موردور إنتليغنس".

وفي عام 2019، ساهمت السياحة بمبلغ 81.4 مليار درهم (7.8 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، بحسب بيانات الشركة ذاتها.

"رسالة طمأنة"

وبالنسبة للاقتصاد المغربي، فإن تبعات الزلزال "ستؤثر على الموازنة وليس على النمو"، وفقا للشرقي، الذي أوضح أن "النمو مرتبط بقطاعات أخرى لم تتضرر من الزلزال، بما في ذلك السياحة".

وأضاف: "أهم وجهة سياحية مغربية هي مراكش، ولم تتضرر جراء الزلزال بشكل كبير"، منوها بتأثير الإبقاء على اجتماعات صندوق النقد الدولي في "المدينة الحمراء".

واعتبر أن ذلك "يرسل رسالة طمأنة مهمة للسياح الدوليين، بأن المدنية آمنة ولم تتضرر جراء الزلزال".

والإثنين، أكد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عزمهما على عقد اجتماعاتهما السنوية في مراكش، أكتوبر المقبل، كما هو مخطط لهن على الرغم من الزلزال المدمر الذي ضرب المناطق القريبة.

والأربعاء، قال الديوان الملكي المغربي إن الدولة "تعتزم إنفاق 120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى السنوات الخمس المقبلة، في إطار برنامج لإعادة الإعمار عقب الزلزال".

وأوضح الديوان الملكي في بيان عقب اجتماع العاهل المغربي الملك محمد السادس مع مسؤولين بالحكومة والجيش، أن البرنامج "يستهدف 4.2 مليون شخص في المناطق الست الأكثر تضررا"، وهي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات.

لكن الديب يعتقد أن فاتورة إعادة الإعمار ستكون "أكثر من ذلك بكثير"، مشددا على أهمية "مد يد العون والمساعدة للمغرب" من قبل المجتمع الدولي.

وقال الباحث الاقتصادي: "الزلزال تسبب في انهيار العديد من المباني العامة والخاصة والتاريخية في البلاد، فضلا عن تعليق الإنتاج الصناعي في العديد من المصانع، وتضرر البنية التحتية، مما يرفع فاتورة إعادة الإعمار".

وجاء في بيان الديوان الملكي، أن البرنامج يضم مشروعات تهدف إلى "إعادة بناء المساكن، وتأهيل البنيات التحتية المتضررة... وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة"، وكذلك الانفتاح على المناطق المتضررة.

"فرصة"

وقال الشرقي إن الحكومة ستنفق 2.5 مليار دولار سنويا من مصادر مختلفة بهدف إعادة الإعمار، مشيرا إلى أن "المصادر تأتي من الموازنة العامة والتبرعات المحلية والخارجية، بالإضافة إلى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية".

وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، هو مؤسسة تابعة للدولة يقدم مساعدات لبرامج السكن والبنية التحتية، سواء بمساهمات مالية مباشرة أو على شكل قروض.

وبحسب رويترز، فإن حساب التضامن الذي سبق أن فتحته الحكومة المغربية بعد الزلزال، حظي بتبرعات بلغت 700 مليون دولار.

ويتوقع الشرقي أن تستغرق "عملية التعافي الكامل" من الزلزال، "5 سنوات"، بما في ذلك عملية إعادة الإعمار في القرى النائية التي تضررت بشدة، وهي من أفقر المناطق في المغرب.

وأضاف أن "المرحلة الأولى في عام 2024 ستكون الأصعب؛ لأن الإنفاق لم يكن مبرمجا في الموازنة التي يتوقع أن تطرح على البرلمان في أكتوبر".

ومع ذلك، فإن الزلزال قد يمثل "فرصة" لتلك القرى الجبلية الفقيرة التي "لم تحظ بنصيب من التنمية والبنية التحتية"، حسبما قال الشرقي.

واختتم الرجل حديثه بالقول، إن تلك المناطق التي يطلق عليها "المغرب العميق"، ستحصل بـ"فرصة لضخ 12 مليار دولار لإعادة تأهيلها وبنائها بالكامل، من منازل وطرق ومؤسسات ومرافق".

وأشار إلى أن ذلك "قد يسهم في تنشيط السياحة الريفية، ويجلب على المدى المتوسط استثمارات تنعش الاقتصاد".