سيدات مغربيات في مظاهرة سابقة للتنديد بالعنف ضد النساء والمطالبة بالمساواة/ أرشيف
سيدات مغربيات في مظاهرة سابقة للتنديد بالعنف ضد النساء والمطالبة بالمساواة/ أرشيف

تعتزم الحكومة المغربية إقرار قانون لإثبات النسب للأطفال المولودين خارج إطار الزواج باعتماد تحليل الخبرة الجينية، غير أنها ترهن الخطوة بفتح نقاش مجتمعي والحصول على فتوى دينية، الأمر الذي يثير حفيظة الأوساط الحقوقية بالمغرب.

وكشف وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، أن مشروع القانون الجنائي الجديد الذي تستعد الحكومة لتقديمه قريبا، سيتضمن إجراءات جديدة بشأن الأطفال المولودين خارج الزواج، تتعلق أساسا بإثبات بنوة الطفل المولود وإلزام والده بالنفقة إلى حين بلوغه 21 سنة.

غير أن الوزير المغربي الذي كان يتحدث في ندوة صحفية، الثلاثاء أشار إلى أن الخطوة تبقى مقيدة بالحصول على فتوى دينية من المجلس العلمي الأعلى واجتهادات الفقهاء في الموضوع، الأمر الذي يحول دون تقنينها في الوقت الحالي. 

وبالرغم من أن قانون الأسرة المغربي يعتمد الخبرة الجينية لإثبات النسب، إلا أنه يحصرها فقط في القضايا والحالات المتعلقة بالأطفال نتاج ما يعتبر "علاقة شرعية" سواء زواج أو خطوبة، ويستثني أبناء  "العلاقات غير الشرعية".

وتنص مقتضيات قانون الأسرة على أنه "لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب، أي أثر من آثار البنوة الشرعية"، بمعنى أن بنوة الطفلة أو الطفل الذي ولد خارج الزواج،  لأبيه البيولوجي غير مبررة لا شرعا ولا قانونا، ويحرمه بهذا من كل حقوقه المادية والمعنوية.

"تشريعات متجاوزة"

وترفع الحركة الحقوقية بالمغرب منذ سنوات، مطلب تغيير هذه التشريعات التي تعتبرها "متجاوزة وتقليدية" و"تهضم حقوق ومصلحة الأم والابن على السواء"، داعية إلى اعتماد الخبرة الجينية كطريقة علمية مؤكدة للكشف عن روابط القرابة.

المحامية بهيئة الدار البيضاء، خديجة الروكاني، رحبت بإعادة فتح نقاش نسب الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج، مشيرة إلى أن من الظلم أن تتحمل النساء فقط، مسؤولية علاقة جنسية تمت بين شخصين لمجرد أنها امرأة وأن بطبيعتها تحبل. 

وتشير المحامية المغربية في تصريح لموقع الحرة، إلى أن عدد الأمهات العازبات والأطفال المولودين خارج إطار مؤسسة الزواج في ارتفاع خطير، والاستمرار في تجاهل معالجة هذه المشاكل شبيه بمحاولات النعامة دس رأسها في الرمال للاختباء.

وتدعو الأوساط الحقوقية بالمغرب إلى توفير الحماية القانونية للأمهات العازبات وأطفالهن، ورفع التجريم عن الإجهاض لمن يرفضن الاستمرار في الحمل، خاصة مع الارتفاع المتواصل لحالات الإجهاض السري والتخلي عن الرضع.

وتكشف دراسة أنجزتها "العصبة المغربية لحماية الطفولة" مع منظمات نسائية عام 2019 عن تسجيل "153 حالة ولادة يوميا خارج مؤسسة الزواج، يتم التخلي عن 24 منهم".

وتربط عدة دراسات بين ارتفاع نسب الأطفال غير المعترف بهم بتفاقم ظواهر اجتماعية خطيرة، فأمام الصور النمطية والاقصاء الاجتماعي، يجد أغلب هؤلاء الأطفال أنفسهم في الشارع أو في وضعية اجتماعية هشة.

في هذا الجانب تقول المحامية المغربة إن من باب تحمل المسؤولية وحماية الأطفال الأبرياء يبقى، من الضروري ملاءمة التشريعات الوطنية مع اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها المغرب ويقدم بخصوصها تقارير دورية، من خلال تجاوز كل القوانين "الرجعية والاقصائية، التي تكرس التمييز والإقصاء في حق فئة من فئات المجتمع".

"فتوى دينية"

وبخصوص انتظار الحكومة لـ"الضوء الأخضر" من المجلس العلمي الأعلى قبل نقاش الموضوع على المستوى القانوني،  قالت المتحدثة ذاتها، إن مطالب الفعاليات الحقوقية هي الاعتراف بـ"النسب وليس فقط البنوة"، موضحة أن ّالفقهاء يرفضون النسب بمبرر أنه أمر محسوم شرعا".

وأكدت أن "التشريع ينبغي أن يتم تحريره من الدين، لأن هذه مشاكل القرن 21، ولا يمكن حلها بتشريعات تعود لـ14 قرنا في ظروف زمنية مختلفة تماما، مضيفة: "لو كان في ذلك العهد تحليل الخبرة الجينية، أظن أن المقتضيات الشرعية التي وصلتنا اليوم لم تكن لتكون بهذه الطريقة".

وفي ختام تصريحها انتقدت المحامية والحقوقية المغربية، ما اعتبرتها "العودة في أي نقاش يتعلق بالمرأة إلى المرجعية الدينية، الأمر الذي لا يتم عند الحديث عن مقتضيات أخرى كالتجارة والاقتصاد والشغل".

"نسب لا بنوة"

من جانبها، تشدد رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب سميرة موحيا، على أن أي مراجعة أو تعديل "يجب أن ينطلق من دستور 2011، الذي يتحدث عن سمو الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب على التشريعات الوطنية، وأيضا تنصيصه على المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، والمساواة بين الأطفال بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية".

وتبرز موحيا في تصريح لموقع الحرة، أن لا مانع من العودة في الموضوع لأخذ فتوى دينية، غير أنها تشير إلى أن الفقهاء والعلماء مدعوون إلى "تجديد خطابهم الديني"، مشيرة إلى أن النصوص الفقهية التي كانت سارية في السابق، غير ممكن اعتمادها اليوم أمام تغير البنيات الاجتماعية الأسرية".

وتلفت الناشطة الحقوقية إلى أن رجال الدين، مدعوون لـ"تجديد التفسيرات الفقهية وفق معطيات الواقع والإشكاليات الكثيرة التي تواجهها النساء، خاصة في الموضوع المتعلق بإثبات النسب عبر الخبرة الجينية".

في نفس السياق، توضح الحقوقية المغربية أن "لا معنى للاعتراف ببنوة الابن المزداد خارج إطار الزواج، مع حرمانه من الاعتراف بالنسب، لأن هذا الأخير هو ما يمنح الحقوق الأخرى المتعلقة بالإرث والاسم، مشيرة إلى أن الاكتفاء بالبنوة بدون نسب يخلق بدوره "تمييزا جديدا في حق الطفل".

وتشدد المتحدثة على أن معظم قوانين منظومة مدونة الأسرة بحاجة إلى الإصلاح والمراجعة، من أجل اعتراف فعلي بالمساواة والحريات بين الرجال والنساء، مؤكدة أن "المقتضيات الحالية تؤثر على مشاركة المرأة في التنمية وانخراطها في الحياة الاقتصادية".

"رأي الدين"

في تعليقه على النقاش المطروح، يقول لحسن بن ابراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي لمحافظة الصخيرات تمارة، قرب العاصمة الرباط، إن كل المواضيع تقبل النقاش، "إلا ما نص الدليل القطعي في دلالته من القرآن أو السنة على حكمه مما أجمع عليه علماء الأمة".

ويضيف سنكفل في تصريح لموقع الحرة بأن إثبات النسب والبنوة، تناوله الفقهاء قديما بالبحث والنقاش واختلفوا فيه إلى رأيين: الأول لجمهور العلماء (أغلبيتهم)، ويقضي "ألا مجال لإلحاق ولد الزنا بوالده، لأنه ولد خارج مؤسسة الزواج.. واستندوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش.."، أي أن الولد ينسب إلى والده إذا كان متزوجا بالأم، والمقصود بالفراش: فراش الزوجية".

فيما الرأي الثاني لابن تيمية وابن القيم، ومفاده، حسب رجل الدين المغربي، أن "الولد يلحق بأبيه إذا أقر الأب بأن الولد ولده، قياسا على إلحاقه بأمه التي ولدته وأنه لا ذنب لذلك الولد استنادا إلى قول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويسمى هذا استلحاقا".

ويشير إلى أن "هذا يصح عند شبهة النكاح كمن عاشر خطيبته في مرحلة الخطبة فحملت ثم ولدت، واعترف الخاطب بأن الولد ولده".

ويورد رئيس المجلس المغربي، أن القائلين بالرأي الثاني، يشيرون إلى أن الحديث النبوي "الولد للفراش" متعلق بمن ادعى بنوة أحد الأطفال وأم الطفل متزوجة بشخص آخر.. فيحكم للزوج بأنه والد الطفل وليس لمن ادعى ذلك".

وتستعد الحكومة المغربية إلى عرض مشروع القانون الجنائي الجديد بداية السنة المقبلة على البرلمان، حسبما كشفه وزير العدل، الذي أكد أن المسودة الأولى للمشروع تمت صياغتها ومناقشتها ووصلت إلى مراحلها النهائية، وينتظر أن تعود الحكومة في عدد من القضايا الجدالية في المشروع إلى المجلس العلمي الأعلى المؤسسة الرسمية التي تعنى بالإفتاء.

احتفالات سابقة بالسنة الأمازيغية في المغرب
احتفالات سابقة بالسنة الأمازيغية في المغرب

مع حلول ليلة 13 يناير من كل سنة، يعيش المغرب على وقع احتفالات لاستقبال رأس السنة الأمازيغية الجديدة "إيض يناير"، وهي واحدة من الطقوس العريقة التي تتم ممارستها في مختلف مناطق البلاد، سواء الناطقة بالأمازيغية أو العربية.

ويمتد هذا التقليد تاريخيا إلى كل بلدان شمال أفريقيا، وحتى بين أفراد الجاليات الأمازيغية في الخارج.

وتتنوع تسميات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في المغرب حسب المناطق، حيث يوضح الباحث في الثقافة الأمازيغية، الحسين أيت باحسين، أنها تعرف بأسماء مثل "ئض ن ئنّاير" و"ئض ن ؤسكًّاس" و"حاكًّوزا".

ويقول: "مع دينامية الحركة الأمازيغية، أصبحت التسميات المتداولة والأكثر شيوعا هي (ينّاير) أو (ئض ن ؤسكًّاس أمازيغ) و(أسَّاس أماينو أمازيغ)، مما يعكس وحدة الهوية الثقافية بالرغم من تعدد التسميات".

ويضيف أيت باحسين في تصريح لموقع "الحرة"، أن الاحتفالات بالسنة الأمازيغية كانت تدوم قديما ما بين 3 و7 أيام، وفقا للظروف الاجتماعية والبيئية لكل منطقة.

ومع مرور الوقت، تراجعت مدة الاحتفالات في بعض المناطق إلى يوم واحد، خاصة في المدن، مما "يفسر اختلاف الاحتفال بها ليلة 11 أو 12 أو 13 يناير".

ويبرز أيت باحسين، أن رأس السنة الأمازيغية يرتبط بطقوس متنوعة، تشمل "إعداد أطباق تقليدية تختلف حسب موارد كل منطقة"، مثل "تاكًّلا" (العصيدة) و"سكسو د زكزيو" (الكسكس بسبع خضر) و"توقّيرين" (الفواكه الجافة).

كما يتميز الاحتفال بإخفاء نواة فاكهة أو بذرة في الأطباق، لاعتبار من يجدها "مسعود السنة".

ويقسّم المتحدث ذاته، الطقوس المصاحبة للاحتفال إلى 5 أنواع رئيسية، هي: 

تحضيرية تتعلق بتوفير مستلزمات الاحتفال.

تطهيرية تهدف إلى التخلص من السلبيات واستقبال العام الجديد بروح إيجابية.

غذائية تتعلق بتحضير الأطعمة والأطباق المميزة.

تجميلية، كاستخدام الحناء والكحل.

رمزية تعكس الارتباط بالهوية الثقافية، عبر ألعاب الأطفال وتنشئتهم على الموروث الاجتماعي.

"أصل الاحتفال"

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول، بحسب رئيس "التجمع العالمي الأمازيغي"، رشيد راخا.

ويتحدث راخا عن "تطور هذا التقويم مع اكتشاف الزراعة في العصر الحجري الحديث، ليصبح أداة لتحديد مواسم الزراعة والرعي، مما يبرز تفرد التقويم الأمازيغي بارتباطه الوثيق بالأرض".

كما يشير إلى أن اعتماد السنة الأمازيغية الحالية (2975) يعود إلى "تتويج الملك الأمازيغي شيشونق الأول فرعونا لمصر عام 950 قبل الميلاد، رمزا أُعيد إحياؤه في الثمانينيات"، مستدركا أن "التقويم سبق شيشونق إذ نظم المواسم الزراعية منذ آلاف السنين، ويحتفي ببداية عام زراعي جديد مرتبط بالخصوبة والإله (أنزار) إله المطر، في الميثولوجيا الأمازيغية".

ويتابع راخا أن أصول هذا الاحتفال تعود إلى أزمنة بعيدة تمتد جذورها في حضارات شمال أفريقيا والصحراء الكبرى، مستشهدا بدراسات أثرية تربط الأمازيغ بحضارات البحر المتوسط القديمة، كالحضارة الفرعونية والنقوش الصخرية في منطقة تيورار (على مقربة من مدينة الصويرة المغربية)، التي تظهر كيف استخدم الأجداد هذه الرمزية للاحتفال ببداية السنة الزراعية.

ويعتبر كذلك أن "الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية من قبل المغرب والجزائر، يحمل دلالة رمزية عميقة نحو المصالحة مع هذا التراث العريق، وتأكيدا على الهوية الأمازيغية الخالدة الممتدة عبر آلاف السنين".

"إرث مشترك"

ويرى رئيس منظمة "تاضا تمغربيت"، عبد الله حيتوس، أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يمثل إرثا ثقافيا عريقا يخص جميع المغاربة وليس فقط الأمازيغ.

ويؤكد أن هذا التقليد "إرث مشترك في المجتمع المغربي، وأن الاحتفالات به تتم بطرق متباينة، مثل تحضير وجبات تقليدية كالعصيدة والكسكس، في تعبير رمزي عن بداية جديدة مرتبطة بالأرض والزراعة".

وبشأن الجدل الذي يرافق طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يوضح حيتوس في تصريح لـ"الحرة"، أنه "لا يعكس انقساما حقيقيا بقدر ما يظهر عدم تصالح بعض المغاربة مع تنوعهم الثقافي، سيما أن الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية كعطلة وطنية منذ 2023، خطوة تاريخية تدعم المصالحة مع الذات الوطنية".

ورغم ذلك، يشدد حيتوس على "أهمية تجاوز الاحتفال الرمزي نحو تعزيز التفعيل المنصف لمقتضيات القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لضمان الأمن الثقافي واللغوي للمغاربة كجزء من الأمن القومي للمملكة".

ويدعو الناشط الأمازيغي إلى ضرورة استثمار الزخم الحالي "لتثمين الثقافة الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية"، منبها إلى أن "التهاون في ذلك قد يؤدي إلى فقدان العناصر الثقافية واللغوية للأمازيغية، مما يهدد الأمن الثقافي والمتعلق بالهوية لدى المغاربة".