كان عضو البرلمان الأوروبي السابق، بيير أنطونيو بانزيري وعائلته، يخططون لاستقبال العام الجديد في فنادق فاخرة بمدينة مراكش المغربية، حيث يُزعم أن الحكومة المغربية حجزته لهم، غير أن البرلماني الإيطالي السابق قضى مع وزوجته وابنته، الأيام الأولى من العام الجديد رهن الاعتقال في بلد، وفق تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز".
وبرز بانزيري كشخصية مركزية في تحقيق الفساد الذي هز البرلمان الأوروبي في ديسمبر وباتت القضية تعرف بـ"قطر غيت"، بعدما داهمت الشرطة البلجيكية مقر المؤسسة الأوروبية ببروكسيل، وصادرت أكثر من 1.5 مليون يورو نقدا في منزل بانزيري واثنين من المشتبه بهم الآخرين.
ويعتقد المدعون أن "قطر استخدمت بانزيري وشبكته لتحسين صورتها في بروكسل قبل كأس العالم لكرة القدم"، كما يشتبه المحققون في أن الإيطالي، البالغ من العمر 67 عاما، "تلقى أيضا رشاوى وهدايا من المسؤولين المغاربة لأكثر من عقد، مقابل التأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي"، بحسب الصحيفة.
وحتى عام 2019، عندما فشل في إعادة انتخابه للبرلمان الأوروبي، كان بانزيري، الشخصية الرئيسية البرلمان في إدراة العلاقات مع المغرب، كما كان مدافعا عن حقوق الإنسان بالمؤسسة، وزائرا متكررا لفندق المامونية، المنتجع الفاخر بمراكش الذي سبق أن حل به وينستون تشرتشل.
ووفقا لنصوص المحادثات التي تم التنصت عليها ونقل مضمونها لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "ناقشت عائلة بانزيري الهدايا المقدمة من السفير المغربي ببولندا عبد الرحيم عثمون، كما ناقش آل بانزيري خطط قضاء أسبوع واحد، بما في ذلك ليلة رأس السنة الجديدة، في المامونية، على حساب الرباط".
وتخضع الزوجة والابنة للإقامة الجبرية في لومباردي بإيطاليا، وينتظران نقلهما إلى بلجيكا حيث يحتجز بانزيري، إذ يزعم المدعون أن السيدتين كانتا على علم بعملية الفساد.
ورفض محامي بانزيري ووزارة الخارجية المغربية التعليق وفق صحيفة فاينانشل تايمز، في حين قال محامي زوجة السياسي الإيطالي وابنته، إنهما تنفيان ارتكاب أي مخالفة.
ولم ترد وزارة الخارجية المغربية على استفسارات موقع قناة الحرة حتى وقت نشر التقرير.
وتعود علاقات بانزيري بالمسؤولين المغاربة إلى أكثر من عقد من الزمان، عند توليه رئاسة الوفد البرلماني الأوروبي-المغاربي، بين عامي 2011 و2019، كما ترأس لجنة برلمانية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب مع السفير المغربي المذكور.
وتظهر السجلات البرلمانية أن بانزيري، "كان يحمل آراء مؤيدة للحكومة المغربية في وقت مبكر من عام 2010، عندما حث المفوضية الأوروبية على تخصيص المزيد من التمويل للمملكة"، كما يشير سجله التشريعي إلى تصويته لصالح اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب واتفاقية الصيد البحري.
كما أشاد النائب البرلماني السابق في حدث للحزب الديمقراطي الإيطالي اليساري الوسطي في 1 سبتمبر 2012، بـ"الدفعة الديمقراطية" التي يشهدها المغرب، وكان السفير المغربي عبد الرحيم عثمون حاضرا خلال هذا اللقاء.
وبدأ التحقيق في مزاعم الفساد في البداية، من خلال عملية استخباراتية لجهاز المخابرات البلجيكي في عام 2021، بالتعاون مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية الأخرى، للتحقيق في عناصر علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي.
وكان التركيز في التحقيق على الضغوط والجهود التي تبذلها الرباط لتشمل اتفاقية الصيد البحري الموقعة مع الاتحاد الأوروبي مياه الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، بحسب مسؤولين مطلعين على الملف.
وتعتبر الأمم المتحدة الصحراء الغربية "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي" في غياب تسوية نهائية، في حين تقترح الرباط التي تسيطر على ما يقرب من 80 في المئة من هذه المنطقة منحها حكماً ذاتياً تحت سيادتها، بينما تطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير فيها برعاية الأمم المتحدة.
وفي يوليو 2022، زرع ضباط المخابرات البلجيكية كاميرات فيديو في منزل بانزيري في بروكسل، بعد عثورهم على 700 ألف يورو نقدا مخبأة هناك، ليبلغوا الشرطة البلجيكية والمدعي العام ببروكسيل، وفقا للمسؤولين المطلعين على التحقيق.
وفي إحدى الحالات التي سجلتها المراقبة، سلم بانزيري 50 ألف يورو في مظاريف تحمل صورة سانتا كلوز إلى النقابي الإيطالي لوكا فيسينتيني، الذي كان يسعى لإعادة انتخابه رئيسا للاتحاد الدولي لنقابات العمال.
واعترف فيسنتيني بتلقي الأموال كتبرع لحملته، نافيا ارتكاب أي مخالفة.
ويزعم المحققون أن مجموعة بانزيري، كانت قادرة على التأثير للتصويت ضد منح ناشطين مغربيين، كانوا مدرجين في القائمة القصيرة، لجائزة ساخاروف لحقوق الإنسان المرموقة التي يمنحها البرلمان الأوروبي في 2018 و2021 على التوالي. وبدلا من دعم المرشح المغربي الذي قدمه أقصى اليسار في عام 2021، انتهى الأمر بالاشتراكيين في البرلمان الأوروبي، بالتصويت على مرشح بوليفي رشحه أقصى اليمين، بحسب الصحيفة.
وفي الأسبوع الماضي، طلب المدعون البلجيكيون من البرلمان رفع الحصانة عن اثنين من أعضاء البرلمان الأوروبي المشتبه في تورطهم في القضية، أحدهما خليفة بانزيري في البرلمان الأوروبي كـ"رجل للمغرب" وفق الصحيفة، ويتعلق الأمر بأندريا كوزولينو.
وأوقف كوزولينو مؤقتا عن عضوية الحزب الديمقراطي الإيطالي، الشهر الماضي. ولم يستجب عضو البرلمان الأوروبي لطلبات التعليق ورفض محاموه تقديم أي تصريح للفاينانشل تايمز.
وفي تصريح لوكالة الأنباء الإيطالية، قال محاموه إن "لا علاقة له بالجرائم" وإنه منفتح على رفع حصانته البرلمانية.
وفي سياق متصل، قال تشارلز تانوك، عضو البرلمان البريطاني السابق الذي أعد تقريرا ينتقد فيه الانتهاكات الحقوقية بالمغرب عام 2013، إنه ليست لديه أدنى فكرة عن أي محاولات رشاوى مغربية، لكنه أشار إلى أن "يبدو أن بانزيري، كان يحاول باستمرار تخفيف الانتقادات الموجهة للرباط".
وتابع تانوك في حديثه لصحيفة فاينانشيال تايمز، أن "بانزيري، كان دائما مهذبا وادعى أنه يريد فقط ضمان علاقات لائقة مع الحكومات في المنطقة، مضيفا: "لقد شعرت بالذهول تماما عندما سمعت عن المزاعم".
وكان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أثار القضية خلال زيارته للرباط الأسبوع الماضي، حين قال إنه ناقش المزاعم مع الحكومة المغربية، في حين ردت الرباط على لسان وزير خارجيتها بالقول إن المملكة تتعرض لهجمة إعلامية.
وقال بوريل، بعد اجتماع مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة "موقف الاتحاد الأوروبي واضح لا إفلات من العقاب في قضايا فساد، ولا تساهل إطلاقا"، فيما أكد الوزير المغربي أن "الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي تواجه هجمات إعلامية متكررة وهجمات داخل البرلمان".
وأضاف بوريطة "سيدافع المغرب عن مصالحه ويراهن على شركائه للدفاع عن هذه الشراكة".وقال بوريل، الذي بدأ الخميس، زيارة للمغرب ليومين "علينا انتظار نتائج التحقيقات الجارية.. نتوقع التعاون الكامل للجميع في هذا التحقيق".