عندما يتحدث والدا حسناء أمزل بلغتهما الأمازيغية الأصلية، فإنها تفهمها بصعوبة، لأنها تنتمي إلى جيل انتقلت عائلاته من جبال المغرب إلى المدن الكبرى الناطقة بالعربية، ويشعر بالأسف حاليا بسبب انقطاع صلته بجذوره القديمة.
ورغم اعتراف المغرب بالأمازيغية لغة رسمية، مع طباعة أبجديتها، أو أحرفها الخاصة، على لافتات الطرق والمباني الحكومية، إلا أنها تُدرس بالكاد في المدارس.
ويخشى المتحدثون الأصليون بالأمازيغية من أن الدولة سعيدة برؤية لغتهم وهي تندثر وتتلاشى، فيما يعتبره بعض النشطاء الأمازيغ خيانة بالوعود التي نص عليها دستور جديد وُضع بعد احتجاجات عام 2011.
وقالت أمزل (36 عاما)، التي تحاول تعلم الأمازيغية عن طريق تلقي دورات على الإنترنت "يجب تدريس الأمازيغية في المدارس لتمكين المواطنين الذين لم يتعلموا هذه اللغة في البيت مثلي من استرجاع الوعي بجذور الهوية المغربية.. اللغة التي لا ندرسها هي لغة نقتلها".
وبحسب نشطاء، انخفض عدد الأطفال الذين يتعلمون الأمازيغية من 14 بالمئة في عام 2010 إلى تسعة بالمئة حاليا رغم تدريسها في بعض المدارس.
وتعمل أمزل في شركة تجارية بالدار البيضاء، وقد سألت والدتها عن سبب تحدثها هي ووالدها بالعربية فقط في المنزل.
وأوضحت "قالت (لي) إنه كان علينا إعطاء الأولوية للغة التعليم بالمدرسة لكي لا يتأثر مسارنا الدراسي".
وتجربة أمزل مألوفة لدى العديد من العائلات المغربية، إذ غادر الناس المناطق الريفية الناطقة بالأمازيغية خلال العقود الأخيرة، واتجهوا إلى المدن الكبرى التي تسود فيها اللغة العربية باللهجة المغربية.
ولا يتحدث عبد الملك يميني (34 عاما)، وهو من الدار البيضاء، وتعود جذوره إلى منطقة زاكورة في جنوب المغرب، اللغة الأمازيغية على الإطلاق.
وقال "نتكلم العربية فقط لأن أجدادنا وآباءنا لم يتكلموا معنا بالأمازيغية".
ورغم أن كثيرين من المغاربة من أصل أمازيغي إلا أن المندوبية السامية للتخطيط تقول إن ما يناهز ربع سكان البلاد فقط لا يزالون يتحدثون الأمازيغية.
وقال الكاتب الأمازيغي والناشط الحقوقي أحمد عصيد "هذا الرقم يؤكد أن الأمازيغية فقدت ثلثي الناطقين بها خلال العقود الخمسة الأخيرة".
وذكر خبير الأنثروبولوجيا أفولاي الخطير أن استخدام اللغة العربية باللهجة المغربية يتزايد حتى في المدن الواقعة داخل المناطق الأمازيغية التقليدية مثل مدينة أغادير الجنوبية.
احتجاجات
في حين أن عاملي الانتقال إلى حياة المدينة والارتياح الشخصي كانا الدافع وراء تحول كثيرين إلى اللغة العربية، يقول العديد من النشطاء إن القرارات السياسية أيضا من أسباب انحسار اللغة الأمازيغية أيضا.
وكانت المناطق الناطقة بالأمازيغية معقل المقاومة المسلحة ضد المستعمر الفرنسي والإسباني، لكن المغرب اعتمد العربية لغة رسمية في الخمسينيات فور حصول البلاد على استقلالها.
وتجاهلت النخبة الحاكمة التي اعتبرت نفسها من العرب بالأساس الأمازيغية في سياق موجة القومية العربية.
ورغم تغافل الاقتصاد المغربي عن المناطق الأكثر فقرا، بدأ رفع العلم الأمازيغي ذي الألوان الأزرق والأخضر والأصفر والرمز الأحمر خلال احتجاجات على عدم المساواة.
ورغم أن الملك محمد السادس تعهد في عام 2001 بتعزيز اللغة، أثيرت القضية في احتجاجات "الربيع العربي" في عام 2011 التي استطاعت السلطات إخمادها جزئيا من خلال وضع دستور جديد.
وجاء في هذه الوثيقة أن الأمازيغية لغة رسمية، لكن لم يُنشر قانون يحكم استخدامها حتى عام 2020 كما تأخر تدريسها في المدارس.
وقالت إلهام بواكال، المعلمة الوحيدة للغة الأمازيغية في مدرسة تضم حوالي 600 تلميذ بالقرب من الرباط، إنها تعلم الأطفال حتى سن الثامنة فقط وتعاني من عدم توافر الكتب المدرسية بهذه اللغة.
ورفعت الحكومة ميزانية تدريس الأمازيغية بنسبة 50 بالمئة هذا العام إلى 300 مليون درهم (30 مليون دولار) وتعهدت بتوظيف مئات من الكتبة الرسميين الذين يتقنون هذه اللغة في الإدارات العامة، لكن النشطاء لا يزالون يشعرون بعدم الرضا.
وقال عماد المنياري رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وهي أقدم جمعية تدافع عن اللغة والثقافة الأمازيغية بالمغرب "الوتيرة البطيئة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تزيد من إضعاف هذه اللغة".