أبرزت خلاصات دراسة جديدة للمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي (حكومي)، أن العقبة الأساسية التي تحول تحول دون تحقيق المساواة الكاملة والتمكين الاقتصادي للنساء في المغرب، تتمثل في "العقليات الذكورية والثقافة الإقصائية السائدة".
وكشفت الدراسة التي تم تقديم أبرز نتائجها، الجمعة، خلال المناظرة الوطنية الأولى حول موضوع "المرأة والأسرة ورهان التنمية"، أن الثقافة السائدة حول المرأة والصور النمطية التي تحط من مكانتها، مازالت تقف أمام وصولها وتمكينها اقتصاديا.
ووضع المشاركون في البحث الذي أعده المجلس الذي يضطلع بمهام استشارية، استمرار العقلية الذكورية في التعامل مع المرأة على رأس أهم العراقيل التي تقف دون التمكين الاقتصادي لفئات واسعة من النساء المغربيات، فيما جاء التمييز بالوسط المهني بالمرتبة الثانية.
ومثلت صعوبات الحصول على التعليم والتكوين العامل الثالث، وحلت الالتزامات والأعباء المنزلية، والمخاطر التي تهدد سلامة المرأة في أماكن العمل وفي طريقها إليه، في المرتبتين الثالثة والرابعة تواليا.
وتسجل بالمغرب تفاوتات كبيرة بين الجنسين في الحصول على وظيفة؛ ففي عام 2020، شكلت النساء 50.2 بالمئة من سكان البلاد، لكن نسبتهن بين السكان النشيطين لم تتجاوز 23 بالمئة، وذلك وفقا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط -مؤسسة الإحصاء الرسمية بالبلاد.
وفي عام 2021، صنف المغرب في المركز 148 بين 156 بلدا في مؤشر الفجوة بين الجنسين للمنتدى الاقتصادي العالمي للمشاركة والفرص الاقتصادية.
"مشاكل عميقة"
خديجة الرباح، فاعلة حقوقية ومؤسسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، تؤكد أن مختلف التقارير والدراسات، تكشف أن "مشاكل عميقة تواجه النساء في الولوج إلى سوق الشغل، وعراقيل وعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية، تحول دون تمكين اقتصادي حقيقي للنساء".
وتضيف الرباح في تصريح لموقع "الحرة"، أن بعض العقليات الذكورية السائدة في المجتمع وبأوساط صناع السياسات والمجالات الاقتصادية، "لا تمنح النساء حاملات المشاريع، أو الراغبات في الولوج إلى سوق الشغل الثقة المطلوبة".
وتخلق التفاوتات بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالحصول على وظيفة وشغل مراكز إدارية عليا نقصا في الأيدي العاملة والمهارات في المغرب، وتعرقل التنمية الاقتصادية والبشرية، بحسب تقرير للبنك الدولي.
في هذا الجانب تبرز الرباح، أن الجهود الحكومية عبر البرامج والسياسات العمومية التي يتم إطلاقها، "تبقى قاصرة ولا تقدم الإضافة المرجوة، حيث تكون ظرفية ولا يكون أثرها بعيد المدى".
ومن بين النماذج على هذا الضعف، تقدّم المتحدثة مثال "الخطة الحكومية للمساواة ـ إكرام 2"، التي وضعتها الحكومة السابقة عام 2017، بأهداف تقوية فرص عمل النساء وتمكينهن اقتصاديا وحماية النساء وتعزيز حقوقهن، ونشر مبادىء المساواة ومحاربة التمييز والصور النمطية على النوع الاجتماعي.
وتبرز الفاعلة الحقوقية ضرورة تقييم أثر هذه السياسة العمومية، بعد 5 سنوات على إطلاقها ومساءلة النتائج المحققة على مستوى ولوج النساء إلى الشغل، وتقييم مدى تقليصها من الفقر في أوساط النساء ومدى إسهامها بشكل حقيقي في التغيير".
في هذا الجانب، تبرز المتحدثة على ضرورة اعتماد مقاربات تشاركية تجمع مختلف الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، لتحسين الوضع الحالي، ومساعدة النساء، خاصة الفقيرات اللائي بقين لسنوات منسيات في الهامش اللائي لا تتاح أمامهن الفرص".
بدورها تبرز، الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق النساء، فوزية العسولي، أن خلاصات الدراسة الجديدة حول العراقيل التي تواجه ولوج النساء إلى سوق الشغل "تؤكد نتائج دراسات سابقة، تحدثت عن المشاكل القانونية والاجتماعية والثقافية التي تواجه النساء في سوق الشغل".
"في الحاجة للإصلاح"
وتلفت العسولي في تصريح لموقع "الحرة"، أن الكثير من النساء رغم حصولهن على دبلومات عليا إلا أنهن يضطررن لعدم ولوج سوق الشغل بسبب العراقيل المذكورة، كاشفة أن نسبة 80 بالمئة من النساء خارج دائرة الاقتصاد المهيكل، ويعملن بشكل حر أو بالمنزل، مما يحد من حضورهن الاقتصادي.
وتكشف المعطيات أن أربع مغربيات من أصل خمس في سن العمل غير نشيطات، وتتزايد هذه النسبة رغم التحسن في المستوى التعليمي للمرأة، بحيث تشير دراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط إلى أن ضعف نشاط المرأة في الاقتصاد المغربي، يرتبط في شق كبير منه بالمسؤوليات الأسرية من تربية الأطفال والأعمال المنزلية.
وتربط الفاعل الحقوقية استمرار هذه العوامل في الوقوف حجر عثرة أمام التمكين الاقتصادي للنساء بالمنظومة القانونية، التي تستدعي إدخال تغييرات جذرية على كل بنودها، مشيرة إلى أنها "تكرّس التمييز وعدم المساواة وتدفع النساء مغادرة العمل".
وفي النقطة المتعلقة بـ"ضعف ولوج النساء إلى المناصب العليا"، تبرز أن الحل يكمن في فرض إجراءات وتدابير تدعم المناصفة، من خلال تخصيص نسب للنساء في المجالس الإدارية للمؤسسات، سواء بالقطاعين العام أو الخاص".
وعن سبل مواجهة ما وصفها التقرير بـ"الهيمنة الذكورية"، تشير إلى أن ذلك يستدعي إصلاحا شامل للعقليات والثقافات السائدة من خلال التعليم والقوانين وتوفير بنيات مختلفة مساعدة للنساء.
ويشدد المشاركون في استشارة المجلس، على ضرورة إيلاء عناية خاصة لمكافحة الصور النمطية التي تحط من مكانة المرأة في المجتمع من أجل تمكينها من المشاركة في التنمية، وتأسيس الإطار القانوني والمؤسساتي الجدير بتفعيل مبدأ المساواة وتعزيز شروط سلامة المرأة في المنزل والفضاءات العامة وأماكن العمل.