المسلسل يحقق نسبة مشاهدة كبيرة
المسلسل يحقق نسبة مشاهدة كبيرة

يعود المسلسل المغربي "مكتوب" من جديد في جزءه الثاني ليحي جدلا بدأ العام الماضي، ولا يزال مستمرا بسبب قصته التي تدور حول "راقصة" وهي المهنة التي يطلق عليها شعبيا بالمملكة اسم "الشيخة".

وتذيع القناة المغربية الثانية المسلسل الذي يحظى حتى الآن بنسبة مشاهدة كبيرة وفق وسائل إعلام مغربية.

ويتعرض المسلسل لانتقادات حادة بسبب  تطرقه لمهنة "الشيخة"، وهو الاسم الذي يطلق على المغنية والراقصة الشعبية في المغرب.

والعام الماضي، شن رجل دين مغربي هجوما كبيرا على المسلسل واتهم صانعيه بمحاولة دفع المغاربة إلى "التطبيع مع الشيخة" وتصويرها على أنها مهنة كباقي المهن.وعلى وسائل التواصل الاجتماعي انضم العديد من المغاربة إلى رجل الدين متهمين المسلسل بمحاولة تقديم "الشيخة" كمهنة عادية.

والشيخة غالبا ما يتم ربطها في المخيلة الشعبية المغربية بالرقص في الملاهي وأحيانا بالدعارة، غير أن مختصين تحدثوا لموقع "الحرة"يقولون إن الصورة الحديثة للشيخة في المجتمع المغربي لا علاقة لها بمهنة الشيخة تاريخيا.

صورة تاريخية مغايرة

يقول الإعلامي المغربي الباحث في العلوم الاجتماعية، يوسف منصف، إن "لفظة الشيخ أو الشيخة يحيل على تراتبية مجتمعية، ونقول شيخ الزاوية وشيخ القبيلة وشيخ الزوجة (والد زوجها) وكذلك لفظة الشيخة تنسحب على مجال التراتبية الاجتماعية بالنظر للدور الذي كانت تلعبه الشيخة، وهو دور ريادي يمزج بين التأطير والجمالية الفنية". 

ويذهب الباحث في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه على عكس الصورة الحديثة، فإن "شيخات زمان كن ينظمن الأشعار ويتغنين بجوارح المجتمع الروحية والاجتماعية، وكانت أول ما تبدأ به الشيخة نظمها هو مناجاة الأولياء للبركة، وترسيخ قدسيتهم، قبل أن يختص غناؤها بلهج حبيب أو فراق أو ماشابه من الأحوال والوقائع الاجتماعية لمغاربة زمان".

الشيخة "لا علاقة لها بالملاهي"

ويقول الناقد المغربي، مطصفى الطالب، إن الشيخة لم تكن تغني في الملاهي الليلية بل كان عملها يقتصر على الغناء في الأعراس والولائم وبشكل عام في المنازل.

ويوضح الطالب في حديث لموقع "الحرة" أن مسلسل مكتوب "حاول عصرنة الشيخة في الوقت الراهن".

وعلى غرار الجزء الأول، يحظى الجزء الثاني من المسلسل الذي يعرض حاليا في رمضان بنسبة مشاهدة كبيرة، وفق ما نقلت وسائل إعلام مغربية.

وفي تصريح لموقع هسبريس المغربي، قالت كاتبة سيناريو المسلسل، فاتن اليوسفي، إن "أي عمل يثير جدلا ويحدث نقاشات حول المواضيع المطروحة يعتبر شيئا إيجابيا".

كيف تغيرت صورة "الشيخة" في المجتمع المغربي

تعليقا على دور الشيخة في مسلسل مكتوب، يقول الباحث المغربي، يوسف منصف، في حديثه لموقع "الحرة" إن الجزء الثاني من المسلسل "لم يلامس عمق الأدوار التاريخية والاجتماعية للشيخة وإنما عالج التيمة بكثير من السطحية والاختزال، حيث انطلق من التمثل السلبي للفظة الشيخة الذي يحيل على البغاء والرذيلة وزنا المحارم".

وعن تحول دور الشيخة بين الماضي والحاضر، يقول منصف إنه للأسف "جاء نتاج تحول في الأدوار والوظائف للعديد من المؤسسات الاجتماعية. ومنها الشيخة التي تحولت بعد احتلال المغرب إلى صانعة فرجة بالمواخير".

ويشير الباحث إلى أنه في هذه المرحلة "تحولت الشيخة من قائدة رأي في المجتمع المغربي تنشد الأشعار والأهازيج الوطنية لمواجهة المحتل، إلى مغنية وبائعة هوى في الحفلات والمواخير".

ويقول منصف: "بالتالي صار المخيال الجمعي للمغاربة يحيل على الفسق والرذيلة عوضا عن المعاني الجميلة التي كانت تعبر عنها فيما مضى الشيخة المغربية".

ويقول الناقد المغري، مصطفى الطالب، إن "المشكلة ليس في تناول موضوع الشيخة، لأن كل الظواهر الاجتماعية يجب أن يتطرق لها الفن". مشيرا إلى أن  "المشكلة تكمن في طريقة تناول الموضوع لأن التحيز لنظرة معينة لا يخدم الفن"، بحسب تعبيره.

ويوضح الطالب أن "التمثلات عن الشيخة في المجتمع المغربي هي تمثلات سلبية، رغم أن هناك أعمالا تقول إن الشيخة ساهمت في مقاومة الاستعمار الفرنسي، لكن ذلك يحتاج إلى إثبات تاريخي"، بحسب تعبيره.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن الجزء الثاني من المسلسل يشهد تطورا في الشخصيات والمواضيع الجديدة يتطرق إليها، والتي قد تصنف ضمن "التابوهات"، ويتوقع مغاربة أن يثير ذلك مزيد من الجدل في البلاد.

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.