المنظمات الحقوقية تعتبر القوانين الحالية تمييزا ضد النساء
المنظمات الحقوقية تعتبر القوانين الحالية تمييزا ضد النساء

تضغط منظمات نسائية في المغرب على المشرعيين لتعديل قوانين الأسرة التي تعيق ولاية المرأة على الأبناء وتمنحها بشكل مطلق للرجل، ويتزامن ذلك مع مع النقاش الذي تشهده المملكة حول تعديل مرتقب القانون.

وقدم حزب الأصالة والمعارضة المغربي مقترحا يقضي بتغيير المادتين 236 و 238 من قانون الأسرة الحالي،  المعروف بـ" مدونة الأسرة"، تقيدان بشكل كبير ولاية المرأة على الأبناء.

المادة 236 من القانون تنص على أن "الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب".

وتمنح هذه المادة الولاية للأب على الأبناء القاصرين منذ الولادة إلى حين بلوغهم سن الرشد القانوني وهو 18 عاما.

أما المادة 238 من القانون الحالي فتفصل الحالات التي يمكن للمرأة الولاية بدل الأب، وتشترط لولاية الأم على أولادها عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو مبحوث عنه من أجل جنحة إهمال الأسرة أو أثناء قضائه عقوبة حبسية بسبب جنحة أو جناية، أو بغير ذلك".

ويقترح الحزب أن تكون الولاية للأب بحكم الشرع "ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم كذلك حق القيام بالشؤون والإجراءات الإدارية المتعلقة بأولادها بما يحفظ المصلحة الفضلى للطفل"، وفق ما نقل موقع "هسبريس" المغربي.

وتطالب المنظمات الحقوقية والنسائية منذ سنوات بتغير القانون، وفق الناشطة في مجال حقوق النساء، فتيحة اشتاتو.

تمييز ضد النساء

وتقول اشتاتو، الناشطة الحقوقية في فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، إن قانون الأسرة الحالي استقبل بترحاب عند اعتماده لأول مرة واعتبر نموذجا في العالم العربي والإسلامي، لكن الواقع سرعان ما أتبث محدوديته وكشف ثغرات كبيرة به خاصة فيما يتعلق بالطلاق ومشكل الولاية على الأبناء.

وبموجب القانون المغربي، تحصل المرأة على حق الحضانة بعد الطلاق، لكن هذه الحضانة تظل تابعة لولاية الأب، بحسب اشتاتو، مضيفة أن المرأة حتى مع حصولها على حق حضانة أبنائها لا يمكن التصرف في مصالحهم بدون إذن من الأب الولي.

وتوضح الناشطة الحقوقية في حديثها لموقع "الحرة" أن المرأة لا يمكنها السفر مع أبنائها أو نقلهم من مكان لآخر حتى داخل المغرب دون إذن من الأب.

وترى اشتاتو أن هذا تمييز ضد النساء وخرق للدستور وكل المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب أمام المجتمع الدولي لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.

ودعت اشتاتو إلى تغيير القانون وربط حق الحضانة بالولاية كما يحدث في تونس.

وينص قانون الأسرة التونسي، المعروف بقانون الأحوال الشخصية والعلاقات الأسرية، بمنح الولاية للأم في حال الطلاق.

وتنص المادة 67 من القانون التونسي أنه في حال الطلاق وإسناد الحضانة للأم، "تتمتع بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية".

وبخلاف تونس، تتشابه قوانين الأسرة في المغرب وباقي الدول العربية التي تمنح الولاية للأب حتى في حل منح حق الحضانة للأم.

وتصاعدت حدة النقاش الدائر بالمغرب حول التعديل المرتقب لقانون الأسرة بين المحافظين والحداثيين بسبب مواضيع خلافية تركز عليها المنظمات الحقوقية في مطالبها للسلطات التشريعية للبلاد.

ويسعى حقوقيون إلى إقناع البرلمان بإلغاء القوانين المجرمة للحريات الفردية، وتعديل قانون الأسرة المعروف بالمملكة بمدونة الأسرة.

وتطالب المنظمات الحقوقية منذ سنوات بإباحة الإيقاف الطوعي للحمل ضمانا لحق المرأة التصرف في جسدها، إضافة إلى مطالب أخرى.

لكن هذه المطالب بتغيير بعض القوانين لتلائم التشريعات والمواثيق الدولية تلقى معارضة في الداخل من حزب العدالة والتنمية، أكبر حزب إسلامي بالبلاد، والتيارات المحافظة الأخرى.

ومدونة الأسرة هي محط خلاف كبير بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، والحداثيين الذي يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقعها عليها المغرب.

المغرب والجزائر
العلاقات بين المغرب والجزائر تشهد توترا منذ سنوات.

بعد أن أثار موقفه بشأن "الصحراء الشرقية" الجدل في المغرب والجزائر على حد سواء، حاول رئيس الحكومة المغربية الأسبق وأمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في تصريح خاص بموقع "الحرة"، احتواء تداعيات تصريحاته التي رأى فيها جزائريون أنها تأتي في إطار "موجة جديدة من الشعبوية السياسية" عند بعض الساسة المغاربة.

وكان بنكيران أعاد قضية "الصحراء الشرقية" إلى واجهة النقاش السياسي والإعلامي، بعد تصريحات أثارت جدلا أشار فيها إلى أن هذه المناطق الواقعة ضمن الحدود الجزائرية هي "أراضٍ مغربية وسكانها مغاربة".

وتطرق بنكيران إلى جوانب تاريخية في سياق حديثه مؤخرا عن موقف العدالة والتنمية من التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية)، قائلا إن "مناطق الصحراء الشرقية حازتها الجزائر لأن فرنسا اقتطعتها منا (المغرب) وقالت لنا إنها ستعيدها إليها قبل استقلال الجزائر".

وذكر بنكيران أن فرحات عباس، أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة من 1958 إلى 1961، "رفض إرجاع تلك المناطق للمغرب بعد استقلال الجزائر"، وهو وضع "استمر إلى اليوم"، مضيفا "ولو أن الحسن الثاني تنازل لهم (الجزائر) عليها، لكن ذلك (القرار) لم يمر عبر البرلمان ولا يزال موضوع خلاف".

وجاءت هذه التصريحات في وقت تتسم فيه العلاقات المغربية الجزائرية بتوتر غير مسبوق في خضم قطيعة دبلوماسية بين البلدين، مما يثير التساؤلات حول مغزى هذه الإشارات التاريخية ودلالاتها السياسية في قضية ليست حديثه العهد، بل تسلط الضوء مجددا على إرث النزاعات الحدودية التي تعكس تعقيدات تاريخية وسياسية تتجاوز مسألة الأراضي إلى قضايا أعمق تتعلق بالهوية والسيادة الوطنية.

"سرد تاريخي بسيط"

وفي تعليقه على التصريحات الأخيرة، يؤكد بنكيران لموقع "الحرة"، أن حديثه عن "الصحراء الشرقية" كان مجرد "سرد تاريخي بسيط" لحقائق لا يمكن إنكارها، موضحا أن النظام الجزائري، بحسب وصفه، يمتلك "حساسية مفرطة" تجاه التذكير بهذه المعطيات التاريخية "الموثقة".

ويضيف بنكيران أن موقفه كان دائما هو الدعوة إلى التهدئة وحل المشاكل العالقة بين المغرب والجزائر بطريقة ودية، وقال "نحن نرفض أن نعتبر الشعب الجزائري معاديا للمملكة، بل إن المشكل يكمن في النظام الحاكم الذي يتخذ من المغرب عدوا. وهذا خطأ تاريخي قد يدفع الجميع ثمنه".

وبالنسبة لجدوى إثارة هذا الموضوع في هذه الفترة، أشار بنكيران إلى أن الحديث عن "الصحراء الشرقية" لا ينبغي أن يفهم على أنه تصعيد، وإنما هو استحضار لجوانب تاريخية ينبغي أن تناقش بهدوء، بعيدا عن التوترات القائمة، قائلاً: "لا نريد أن ننجر إلى صراعات قد تكون عواقبها وخيمة، ولكننا أيضا لا نتغافل عن حقائق تاريخية ثابتة".

"عقيدة عدائية"

وفي هذا الصدد، يرى الباحث المغربي في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن "تصريحات بنكيران بشأن الصحراء الشرقية تستند إلى معطيات تاريخية موثقة بما فيها أرشيف الخزانة الملكية ودراسات فرنسية ككتاب أربعة قرون من تاريخ الصحراء المغربية".

ويتابع نور الدين حديثه لموقع "الحرة"، مستبعدا تأثير تصريحات بنكيران على العلاقات المغربية الجزائرية المتأزمة، لأنها قد بلغت "منتهاها"، مؤكدا أن "الجزائر تعتمد سياسة عدائية تجاه المغرب منذ حرب الرمال عام 1963، مرورا بتدخلها العسكري في أمغالا ودعمها لجبهة البوليساريو، وصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية في أغسطس 2021".

ورغم ذلك، قال الباحث المغربي إن "النظام الجزائري يستغل مثل هذه التصريحات لتعزيز دعايته ضد المغرب وتبرير مواقفه العدائية إلا أن الأزمة الحالية لا تحتاج إلى مبررات إضافية، كونها جزءا من استراتيجية جزائرية ممنهجة"، مشددا على أن المغرب رغم هذا التوتر، يتبنى خطابا رسميا يدعو للحوار والتفاهم، مقابل عقيدة عدائية جزائرية تعتبر المغرب "العدو الكلاسيكي".

موجة من "الشعبوية"

وفي المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، في تعليقه على تصريحات بنكيران، أن هناك "موجة جديدة من الشعبوية السياسية تجتاح الكيانات السياسية المغربية، ورجالات سياستها، في تماهي مع الخطاب الرسمي الذي يصعد في مواجهاته مع الجزائر".

وفي تقدير بوقاعدة فإن الهدف من هذه التصريحات "سياسوي بحت"، مضيفا أن "الرجل يريد العودة إلى السلطة يمثل هذه الافتراءات التاريخية بعدما فقد مصداقيته السياسية في الدفاع عن قضايا المجتمع المغربي والقضايا العربية".

ويضيف توفيق بوقاعدة، في حديثه لموقع "الحرة"، أن مسألة الحدود "محسومة بين الجزائر والمغرب، وفق اتفاقيات متعارف عليها ووفق اللوائح والخرائط الأممية"، ويخلص المتحدث إلى التأكيد على أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد "فهلوة سياسية تعني صاحبها، وترضي المهوسين بالنزاعات في محاولة السعي للنيل مع سيادة الجزائر ووحدتها التربية".

"لن تلتفت إليها الجزائر"

واستنكر المحلل السياسي محمد هدير تصريحات بنكيران قائلا إن "البطالة السياسية هي من دفعته إلى النبش في هذا الموضوع المنتهي أصلا".

وأضاف أن بنكيران "فقد كافة أوراقه السياسية عندما انجر للحديث عن هذه القضايا التي فصل فيها القانون الدولي"، معتبرا أن مثل هذه التصريحات "لن تلتفت إليها الجزائر، مادامت تدخل في نطاق المقاولاتية السياسية".

وأشار المحلل السياسي الجزائري، في تصريحه لـموقع "الحرة"، إلى أن "الجزائريين رسموا حدودهم بالسلاح والثمن الباهض الذي دفعوه خلال الحرب التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، ولم يكتسبوها بالتراضي أو بالتنازلات".

ويعتقد المتحدث أن قضية "ما يسمى بالصحراء الشرقية تحولت إلى سجل تجاري لدى بعض النخب المغربية رغم أن اتفاقية ترسيم الحدود سنة 1972 قد فصلت فيها، التي استندت إلي مسار طويل من الاتفاقيات الثنائية، بدأت بمعاهدة لالة مغنية التي صادق عليها المغرب وفرنسا سنة 1845".

جدل تاريخي مستمر

وأمام هذا الوضع، يبقى الجدل مستمرا بين البلدين حول سيادة كل منهما على هذه المنطقة، إذ يعتبر المغرب أنها كانت تاريخيا جزءا من سيادة البلاد، استنادا إلى علاقة البيعة التي ربطت قبائل المنطقة بسلاطين المغرب، وأن ملوك المغرب، مثل السلطان عبد الرحمن بن هشام، بسطوا سيادتهم عبر تعيين عمال لإدارة هذه المناطق، وهو ما تثبته الوثائق والظهائر الملكية.

ويؤكد المغاربة أنهم واصلوا الدفاع عن حقوقهم التاريخية في "الصحراء الشرقية" حتى بعد استقلال البلاد، حيث اعترفت الحكومة الجزائرية المؤقتة في اتفاق 1961 بأحقية المغرب في هذه الأراضي، قبل أن تتراجع لاحقا.

كما تسلط الرواية الضوء على الدور الاقتصادي للصحراء الشرقية، التي كانت مركزا للتبادل التجاري ودعما للهوية المذهبية المالكية، ما يعكس ارتباط المنطقة بالعمق التاريخي والجغرافي للمغرب.

بينما ترى الجزائر أن الجنوب الغربي يعد جزءا من أراضيها السيادية، استنادا إلى معاهدات تاريخية مثل معاهدة لالة مغنية عام 1845 واتفاقيات لاحقة لترسيم الحدود، أبرزها اتفاقية 1972 التي نصت على تسوية الحدود مع المغرب، بما في ذلك استعادة الجزائر لمنطقة "العرجة أولاد سليمان" بإقليم فجيج عام 2021.

وتعتبر الجزائر أن هذه الحدود تم توثيقها بموجب الاتفاقيات الموقعة بين الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني، وهو ما يؤكد الطابع النهائي لهذه التسويات الحدودية.

كما يبرز الجزائريون أهمية جنوبها الغربي اقتصاديا، حيث تضم ولاية تندوف منجم غار جبيلات، أحد أكبر مناجم الحديد في العالم، والذي يعد محورا استراتيجيا ضمن خطط التحول الاقتصادي في عهد الرئيس عبد المجيد تبون.

وقد شرعت الجزائر في استغلال المنجم وربطه بالشمال عبر السكك الحديدية. إضافة إلى ذلك، تزخر ولاية بشار، المحاذية للمغرب، بموارد معدنية مثل المنغنيز والباريت، فضلا عن كونها وجهة سياحية بارزة.

ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي يتواجد آلاف الصحراويين بمخيمات تندوف التي تضم قيادات جبهة البوليساريو، وتتنازع إقليم الصحراء الغربية (المستعمرة الإسبانية السابقة) مع المغرب، وتتقاسم تندوف الحدود مع هذا الإقليم والمغرب.