تحذيرات من مخاطر انتشار منصات التعارف بين  القاصرين على الإنترنت ـ صورة تعبيرية.
تحذيرات من مخاطر انتشار منصات التعارف بين  القاصرين على الإنترنت ـ صورة تعبيرية.

أطلقت منظمة حقوقية مغربية عريضة للمطالبة بحجب ومنع منصات التعارف الموجهة للقاصرين على الإنترنت، كاشفة أنها تحولت إلى "مواقع مواعدة" مماثلة لنظيرتها الخاصة بالكبار، وأشبه "ببؤر للتحرش والاستغلال الجنسي للأطفال".

وجاء في بيان مرافق للعريضة المنشورة على موقع العرائض "تشانج"، أن "الارتفاع المثير للقلق" لمنصات التعارف بين  القاصرين على الإنترنت، أدى إلى "خلق بيئة خصبة للمعتدين جنسيا، مما يعرض السلامة العاطفية والجسدية للأطفال للخطر".

"تهديد مقلق"

واعتبرت العريضة التي أطلقتها منظمة "ماتقيش ولدي" (لا تلمس طفلي) تحت عنوان"أنقذوا أطفالنا.. أنهوا مواقع مواعدة القاصرين التي تم اختراقها من قبل البالغين"، أن "هذا التهديد المقلق" يطرح أسئلة حول قدرتنا على حماية الجيل القادم في العالم الرقمي.

وأضافت العريضة أن مجرد وجود هذه المواقع والتطبيقات التي تستهدف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاما "صادم للغاية وغير مقبول"، داعية السلطات إلى التحرك بسرعة لـ"إغلاق هذه المنصات الخبيثة ووضع لوائح قوية لمنع استغلال ومضايقة القاصرين".

وأشار المصدر ذاته إلى أن مواقع مواعدة أوروبية، وخاصة فرنسية، متاحة في المغرب، ويمكن للقاصرين المغاربة الولوج إليها واستعمالها، دون وعي بخطورتها. 

وطالبت المنظمة في هذا الجانب القادة السياسيين بفرنسا وأوروبا وجميع المعنيين المحليين، بالتعبئة لاتخاذ إجراءات فورية لإنهاء هذا الخطر المتزايد، ووضع تدابير تنظيمية قوية لمنع استغلال ومضايقة القصر عبر الإنترنت.

"ترصد على الإنترنت"

رئيسة منظمة "ما تقيش ولدي"، نجاة أنور، تقول إن المواقع التي تم رصدها مخصصة أساسا للتعارف بين الأطفال والقاصرين، غير أنها تعرف "حضورا كثيفا أيضا لأشخاص كبار في السن، يبقى حضورهم على هذه المنصات مشبوها".

وتضيف أنور في تصريح لموقع "الحرة"، أن أعضاء بالمنظمة قاموا بالتسجيل بعدد من هذه المواقع الأوروبية التي يمكن الوصول إليها بالمغرب، على أساس أنهم "أطفال صغار وتلقوا كمًّا هائلا من الرسائل والتعليقات من طرف بيدوفيليين، يسعون لاستمالتهم لإرسال ومشاركة صور وفيديوهات إباحية أو حتى استدراجهم على أرض الواقع".

وفيما تشير المتحدثة ذاتها إلى أن إطلاق العريضة يأتي استجابة لشكايات مجموعة من الآباء القلقين من انتشار هذه المواقع وإمكانية الوصول إليها، توضح أن معظم الحالات التي توصلت بها بالمغرب اقتصرت على منصات التواصل الاجتماعي، غير أنها تشير إلى أنها تبقى "خطرا قائما".

وتكشف المتحدثة أنه يكفي كتابة كلمات مفتاحية من قبيل "تعارف، مراهقين، أطفال، لقاء" باللغة الفرنسية على موقع البحث غوغل، للوصول إلى عشرات المواقع المجانية التي ينتشر فيها "بيدوفيليون يترصدون ضحاياهم، رغم أنها مخصصة في الأصل لغرض التواصل بين الأقل سنا فقط".

وتوضح أنور أن المنظمة قامت بمراسلة كل من وزارة الداخلية ورئاسة النيابة العامة بالمغرب، كما يقوم فرعها في أوروبا بحملة من أجل غلق وحجبها نهائيا".

"مخاطر التحرش الإلكتروني"

وتكشف أرقام جمعيات ومنظمات حقوقية بالمغرب أن العنف الرقمي ضد الأطفال يمضي في تزايد على الفضاءات، خاصة  بعد جائحة فيروس كورونا التي عرفت ارتفاعا في أعداد مستعملي الأنترنت من الأطفال.

في هذا الجانب، أفادت معطيات "المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار"، بأن 31 في المائة من الأطفال المغاربة تعرضوا للتحرش الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الألعاب عبر الإنترنت، في دراسة أعدها عام 2021.

وبحسب دراسة لـ"جمعية التحدي للمساواة والمواطنة" حول العنف الرقمي، فإن العديد من الأطفال عرضة للعنف وخاصة التحرش الجنسي الذي يتطور ليصبح ابتزازا جنسيا أو ماليا.

وأكدت الدراسة ذاتها أن 20 في المئة من الأطفال ضحايا هذه السلوكات حاولوا الانتحار و45 في المئة منهم فكروا فيه.

وفيما يعاقب القانون المغربي بالحبس من سنة إلى خمس سنوات على "كل من حرض أو شجع أو سهل استغلال أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد إباحية، وذلك بإظهار أنشطة جنسية بأية وسيلة كانت سواء أثناء الممارسة الفعلية أو بالمحاكاة أو المشاهدة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للأطفال يتم لأغراض ذات طبيعة جنسية".

يقول الأخصائي في علم النفس الاجتماعي محسن بن زاكور، إن المقاربة القانونية تبقى غير كافية لمواجهة الظاهرة، لافتا إلى أن لمسألة حماية الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت عموما "أهمية كبرى في الحفاظ على سلامة وأمن الأطفال".

ويضيف بن زاكور في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذه الوسائل دائمة التحول والتطور السريع، كما أن الأطفال يطورون وسائل لخرق الحماية التي قد تفرضها أسرهم، مما يستدعي مواكبة دائمة وتحيينا دقيقا للمعلومات والمعطيات الموجهة للأسر من أجل توعية أبنائها والتصدي لمراقبة استعمال أبنائهم للإنترنت

ويبرز الأخصائي النفسي المغربي ضرورة التركيز في تربية الأبناء "تربية رقمية، في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية والتواصل الافتراضي مع الآخرين، سواء داخل الأسر أو بالمؤسسات التعليمية"، وتوعيتهم بـ"ما قد يواجهونه على هذه المنصات من تنمر وتحرش ومحاولات استغلال".

ويشدد المتحدث ذاته أن الأهم بناء علاقة ثقة بين الأطفال وآبائهم،  أساسها الصراحة والثقة المتبادلة والصراحة، وتوفير محيط آمن يستطيع فيه الأطفال التعبير عن أحاسيسهم ومشاركة ما يزعجهم وأيضا مشاركة جديدهم على هذه المنصات.

وفي نفس الإطار، يضيف بن زاكور أن على السلطات المختصة أيضا العمل على إصدار برمجيات حماية بالمجان تصدر لفائدة الأسر، تحجب المواقع والمنصات الإباحية والمواقع التي تهدد سلامتهم، وذلك من أجل ضمان أمنهم وحمايتهم خلال تصفحهم الأنترنت.

وكشفت وزارة التضامن والأسرة،  شهر أبريل الماضي، أن حوالي 63 بالمئة من الأسر المغربية "غير قادرة" على توجيه أطفالها أثناء استعمال الإنترنت، ما يعرضهم لمجموعة من المخاطر، كمشاهدة المحتويات الضارة التي تنعكس سلبيا على سلامتهم النفسية والصحية، وكذا مظاهر العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني.

عن جهودها في لحماية الأطفال على المنصات الرقمية، أفاد مصدر من الوزارة بإطلاق "دليل الأسر لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت"، بشراكة مع "اليونيسيف"، وذلك بهدف تقديم أجوبة عن أكثر الأسئلة تداولا لدى الأسر، وتعزيز معارفها وكفاءاتها لمواكبة أنشطة أطفالها على الإنترنت، والتعريف بسبل الوقاية وبمحركات البحث الملائمة للأطفال، وبتطبيقات الحماية المتوفرة.

كما قامت الوزارة أيضا بتوقيع اتفاقية مع "اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي" (حكومية)، في دجنبر الماضي، من أجل حماية الأطفال من العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني، وفق المصدر ذاته.

 وقائع الجريمة تعود إلى العام الماضي حين تعرضت الطفلة لاغتصاب متكرر 

في حادثة مروعة شهدتها إحدى القرى بمنطقة العطاوية ضواحي مراكش بجنوب المغرب، تعرضت طفلة قاصر تعاني من إعاقة عقلية لاغتصاب جماعي متكرر من طرف ثلاثة رجال، وأسفرت هذه الجريمة عن حمل الطفلة وولادتها عبر عملية قيصرية مؤخرا.

الشكدالي بوزضاض (41 سنة) وهو أب لخمسة أطفال من بينهم ابنته الوسطى التي تعرضت للاغتصاب، يعيد رواية تفاصيل هذه الحادثة لموقع "الحرة". 

ويقول بوزضاض "عرفنا بالحمل في شهر سبتمبر الماضي خلال بداية الدخول المدرسي، حيث كنت أعمل "كسّالا" (مدلك ومنظف) في حمام شعبي بالدار البيضاء وتلقيت اتصالا من عائلتي بأن الأطفال في المدرسة يتحدثون عن حمل ابنتي التي تدرس في المستوى الخامس ابتدائي".

يضيف الشكدالي أنه في ذلك اليوم عاد بسرعة إلى بيته في قرية "أولاد عراض"، وأخذ ابنته من المدرسة وسألها عما قيل لكنها كانت تبكي وتنفي بشدة وهي تقول له "بابا ماكاين والو".

وبعد أيام من الشكوك والمعاناة، قرر الأب المكلوم اصطحاب ابنته إلى المستشفى يوم عيد المولد النبوي (16 سبتمبر)، ليفاجأ بعد الفحص أن ابنته حامل منذ خمسة أشهر ونصف، "كيف ومتى، لم أصدق ولم أفهم شيئا"، يقول الأب بصوت مختنق بالألم.

الأب لم يستوعب الموقف في البداية، لكنه توجه في نفس اليوم إلى الدرك الملكي بالعطاوية، وهناك بدأت القصة تتكشف.  

"قلت لهم إن ابنتي حامل، وأعطيتهم ورقة الفحص الطبي، وعندما سألوها، ذكرت لهم أسماء المعتدين الثلاثة، وكلهم رجال تم القبض عليهم تتراوح أعمارهم بين 54 و70 عاما، وكلهم جيراننا في الدوار وقد اعترفوا بجريمتهم التي ارتكبوها مرات كثيرة".

يحكي الأب كيف كانت ابنته تعاني في صمت تحت وطأة التهديد والخوف، ويشير إلى أنها لم تخبره بالاعتداءات المتكررة عليها بسبب مخاوفها من تهديدات المعتدين الذين كانوا يستغلون إعاقتها ويهددونها بأنها ستفقد والدها إذا أفشت السر.

وقال: "قالت لي، بابا خفت عليك. أنت اللي كاتخدم علينا وتمشي للحبس بسببهم".

وبشأن إعاقتها، يوضح الأب أن سلطات الدرك الملكي عندما نقلتهم في اليوم الموالي إلى قلعة السراغنة لعرض الطفلة على مركزين صحيين تم للتأكد من حالة حملها بالإضافة إلى اكتشاف أنها في نفس الوقت تعاني من خلل عقلي خفيف.

وفي رده عن عدم عرض ابنته لعملية إجهاض طفلها، كان رده حاسما "لم أستطع أن أقتل نفسا بريئة. هذا الطفل جزء من عائلتي، وأنا مستعد لتحمل مسؤوليته مهما كان. لدي خمسة أطفال، وقد ربيتهم بتعب وشقاء عبر عملي، ولن أترك هذا الطفل يعاني بسبب ذنب لم يرتكبه".

عانت الأسرة كثيرا بعد الواقعة، حيث اضطر الأب لمغادرة قريته بحثا عن حياة جديدة بعيدا عن نظرات الناس وكلامهم. 

يقول: "لم أعد أستطيع البقاء هناك، نظرات الناس وكلامهم كانا يزيدان من ألمي. تركت منزلي وانتقلت إلى مكان آخر، والآن، أعيش حياة صعبة".

وحاليا، تنتظر العائلة جلسة جديدة لمحكمة الاستئناف بمراكش يوم الأربعاء المقبل، بعد أن تم تأجيل ثلاث جلسات بسبب غياب الضحية التي لم تتوصل بإشعار الحضور نظرا لتنقلات الأسرة. 

ويأمل الأب في تحقيق العدالة وإنصاف ابنته، ويقول "أطالب بحق ابنتي وبمعاقبة هؤلاء المعتدين، وأريد أن أُثبت نسب الطفل وأحميه من وصمة العار".

غضب حقوقي

خلفت هذه الواقعة موجة غضب واسعة داخل المجتمع المغربي، ودفعت منظمات حقوقية إلى إصدار بيانات تستنكر "جريمة الاغتصاب الجماعي لطفلة من حاملي الإعاقة عمرها 13عاما نتج عنه حمل وولادة"، داعية إلى تشديد العقوبات.

في هذا السياق، رفعت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع العطاوية تملالت"، رسالة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تطالب فيها باتخاذ أقوى درجات الردع القانوني ضد الجناة. 

وأكدت أن "الأفعال الصادرة عن هؤلاء الأشخاص انتهاكات فظيعة لحقوق الطفل وجرائم قد ترقى إلى الاتجار في البشر وممارسة التعذيب والايذاء البدني والنفسي".

ويقول سعيد الفاضلي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعطاوية – تملالت، في تصريح لمقوع "الحرة"، إنه من المقرر إجراء فحص الحمض النووي لتحديد الأب البيولوجي للمولود. 

وأكد أن الجمعية قد نصبت نفسها كطرف مدني في القضية، وستواصل دعم الضحية وعائلتها لضمان محاكمة عادلة وكشف جميع خيوط هذه الجريمة البشعة.

وبدورها، اعتبرت "المنظمة المغربية لحقوق النساء في وضعيات إعاقة"، في بيان، أن الجريمة تكشف على هشاشة وضعية النساء والفتيات ذوات الإعاقة في المغرب. 

وتقول إنها "حادثة ليست معزولة بل جزء من مشكلة أوسع تتمثل في العنف ضد المرأة والفتاة وتقاطعها مع الإعاقة".

ودعت  المنظمة الحقوقية إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحية وأسرتها، وتعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التمييز والإهمال الذي تتعرض له هذه الفئة.

وأعادت هذه الجريمة إل الأذهان قضايا مشابهة سبق أن أثارت جدلا داخل المجتمع المغربي، من بينها قضية الطفلة سناء.

وكانت سناء تعرضت لاغتصاب جماعي من ثلاثة رجال في ضواحي مدينة تيفلت، وقضت محكمة الاستئناف بالرباط في حق المتهمين أحكاما تتراوح ما بين 20 و10 سنوات سجنا نافذا.