قرى انهارت بالكامل بعد الزلزال المدمر
قرى انهارت بالكامل بعد الزلزال المدمر

بعد أسبوع على الزلزال المدمر الذي هز المملكة، لا يزال المغاربة يحصون أضرار  الكارثة الطبيعية التي ضربت في وقت متأخر من يوم 8 سبتمبر، مناطق واسعة بوسط البلاد، بقوة وصلت إلى 6.8 درجة.

ويجعل عدد القتلى الذي تجاوز 2900 شخصا "زلزال الحوز" الأكثر دموية في البلاد منذ ستة عقود، مع تأكيدات خبراء ورجال إنقاذ شاركوا في جهود البحث عن ناجين أن وَهن المساكن التقليدية المبنية من الطين اللبن والطوب والحجارة، ساهم في مفاقمة الأضرار وخسائر الأرواح.

وخلّف الزلزال المدمر خسائر بشرية ومادية ثقيلة، إذ لم تستطع بيوت وبنايات مجموعة من القرى والبلدات الفقيرة المتناثرة بإقليمي الحوز وتارودانت، الصمود في وجه الضربة الزلزالية القاسية لتستوي مع الأرض.

وبعد أيام قليلة فقط على حدوث الزلزال المدمر، أعلنت السلطات المغربية، وسط الأسبوع، إطلاقها مبادرات فورية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي.

ومع تشييد غالبية بيوت المنطقة من الطوب اللبن والأخشاب، انهارت المباني بسرعة لتتحول قرى بأكملها إلى أكوام حطام وخراب واسع من الطين والأتربة، عقّد عمليات الإنقاذ، وفرص الوصول إلى ناجين تحت الأنقاض.

وأفاد بيان للديوان الملكي، الخميس، بأنه من المقرر تقديم مساعدات مالية مباشرة تقدر بنحو 14 ألف دولار للمساكن التي انهارت بشكل تام، ونحو 8 آلاف دولار لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.

وطرحت إشارة البيان إلى أن عملية إعادة الإعمار ستتم بـ"إشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة وباحترام الخصائص المعمارية المتفردة" للمنطقة، أسئلة بشأن ما إن كان نمط بناء المنازل بشكلها التقليدي آمنا وقادرا على مقاومة الكوارث الطبيعية المستقبلية المحتملة.

وكذلك تطرح التساؤلات عن السبل المثلى للحفاظ على المعمار المميز  لهذه البلدات في مشروعات الإعمار الجديدة، خاصة بعد الانتقادات التي رافقت واقع البنية التحتية بالمنطقة، في أعقاب الزلزال.

تمسك بالبناء التقليدي

وتعتمد أغلب القرى والبلدات المتناثرة عبر جبال وسفوح الأطلس الكبير الذي هزه الزلزال على تقنيات بناء قديمة، يعود استخدامها لقرون، وغالبا ما تتم عمليات التشييد والتصميم من قبل الأسر التي تمتلك بيوتها دون مساعدة تقنية أو هندسية، وتجري عليها إصلاحات دورية، كلما استدعت الضرورة ذلك.

ويتمسك سكان بلدات بوسط وجنوب المغرب بتقنيات البناء التقليدية تلك لقدرتها على المساعدة بالتحكم في الحرارة في ظروف الطقس الحار في المنطقة صيفا، وأيضا قدرتها على الحماية من برد أعالي الجبال القارس، شتاءً.

وتبقى عزلة هذه القرى التي يصعب الوصول إليها أو إمدادها بمواد البناء الحديثة، إضافة إلى ارتفاع مستويات الفقر بها، عاملين أساسيين آخرين وراء اعتماد السكان على بناء المنازل من مواد محلية الصنع وبطرق تقليدية.

وكشف مقال نشرته مجال ناشيونال جيوغرافيك، هذا العام، أن السكان والمهندسين المحليين بهذه المناطق يفضلون البناء القائم على الطوب الطيني على الخرسانة لأنها "تخلق هياكل أكثر برودة من الخرسانة، وأرخص، وتتطلب طاقة أقل لإنتاجها".

مشهد عام من قرية إمليل بالأطلس الكبير قبل الزلزال

وتنال المنازل التقليدية، التي يصل عمر بعضها إلى مئات السنين، أيضا اهتمام وإعجاب زوار المنطقة، حيث تشكل البنايات الطينية التي تتناغم مع الجبال الخضراء لوحة طبيعية خلابة، تستقطب سياحا من مختلف دول العالم، مما يسهم في توفير مورد دخل للآلاف من أبناء هذه المناطق الذين يعيشون من النشاط السياحي.

مزج بين التقليد والسلامة

وباشرت هيئات المهندسين تنسيقها مع السكان المحليين ومع عدد من الهيئات والمجالس الأخرى، وأجرت المعاينات والدراسات الميدانية اللازمة لمشروعات إعادة البناء بمختلف المناطق المتضررة من الزلزال.

رئيس المجلس الجهوي للمنطقة الوسطى لهيئة المهندسين المعماريين بالمغرب، كريم السباعي، يوضح أن دور المهندسين المسؤولين عن مشروعات إعادة الإعمار "يتمثل في المزج بين الحفاظ على التراث المعماري للمنطقة والحفاظ على جميع معايير السلامة الخاصة بالبناء".

ويضيف السباعي في تصريح لموقع "الحرة"، أن مباني المنطقة بنيت منذ قرون مضت ورغم أن معظمها لا يخضع لشروط البناء المفروضة في المجالات الحضرية إلا أنها صمدت، وكانت ستصمد لعقود أخرى، لولا الزلزال القوي.

ويبرز المسؤول المعماري المغربي أن مشروعات إعادة الإعمار ستستعمل مواد البناء المحلية وبطرق محلية، ولكن بمعايير سلامة أعلى، تعتمد تقنيات البناء المضادة للزلازل، مؤكدا أن الرهان يبقى تصميم بنايات تتلاءم مع نمط عيش وتقاليد هؤلاء السكان.

ويدافع ناشطون بيئيون ودعاة الحفاظ على تراث المنطقة عن البيئة على تقنيات البناء المحلية، حفاظا على الثقافة الإقليمية والاستفادة من مئات السنين من الخبرة المعمارية المصممة خصيصا للمناخ المحلي والجغرافيا.

غير أنه بالمقابل، يؤكد كولن تايلور، أستاذ هندسة الزلازل المتفرغ بجامعة بريستول، أن "قرار الحكومة الكبير يتمحور أساسا حول التأكد من استخدام قوالب الإنشاءات الحديثة في أي عملية لإعادة البناء"، موضحا أن إعادة البناء بقالب الطوب اللبن هذا ستتسبب في كارثة أخرى خلال 20 أو 30 عاما".

وأضاف في تصريحات نقلتها رويترز "في بلدان مثل المغرب، توجد هذه المشكلة الكبرى المتمثلة في وجود عدد كبير من المنازل، وهو أمر ربما يعود تاريخه إلى مئات الأعوام، وإصلاح كل هذا العدد من المباني أو تقويته أمر شاق على المستوى الفني، وأمر مكلف جدا أيضا".

مشاهد الدمار التي أحدثها الزلزال بقرية مغربية

وأعلن المغرب، الخميس، برنامجا لإعادة الإيواء، يشمل في مرحلة أولية نحو 50 ألف مسكن دمرها الزلزال الذي هز المملكة، إضافة إلى "مبادرات لإعادة الإعمار".

ويشمل البرنامج "مبادرات عاجلة للإيواء المؤقت وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد"، فضلا عن "فضاءات استقبال مهيأة وتتوافر على كل المرافق الضرورية"، بتعليمات من الملك.

ويشير رئيس الهيئة الجهوية للمهندسين أن الهيئة بدأت في "دراسة المنازل المدمرة، التي يمكن استصلاحها"، مشيرا إلى أن بعض القرى دمرت بالكامل، مما يستدعي جهود إعمار شاملة.

ونشرت جريدة "بيان اليوم" المغربية، أن التقديرات المبكرة، أو الأولية، لحجم التكلفة المالية التي على المغرب أن يتحملها لمواجهة الخسائر الناجمة عن الزلزال المدمر تبلغ 60 مليار درهم، تتوزع بين مصاريف استشفاء ومعالجة المصابين وإعادة إعمار المناطق التي تهدمت بها البنايات السكنية والعمومية، وتضررت فيها البنية التحتية بشكل كبير.

ويقدر السباعي أن مشروعات إعادة بناء آلاف المباني بالقرى والبلدات التي ضربها الزلزال قد تتطلب على الأقل "ثلاث سنوات"، مشيرا إلى أن جهود البناء تستلزم عملا متواصلا، وجهودا من كل الأطراف المعنية، موازاة مع عمل المهندسين.

خُمس إنتاج الكهرباء بالمغرب يأتي من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة ـ صورة أرشيفية.
خُمس إنتاج الكهرباء بالمغرب يأتي من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة ـ صورة أرشيفية.

بحثا عن مصادر الطاقة الخضراء وتقليص اعتمادها على الوقود الأحفوري، تخطط بريطانيا لإطلاق مشروع لنقل الكهرباء من المغرب إلى منازل الملايين من مواطنيها عبر كابلات بحرية، بحلول عام 2030.

واعتبرت وزيرة الطاقة البريطانية، كلير كوتينيو، أن جلب الطاقة النظيفة من المغرب عبر أطول كابل يمر تحت البحر "مشروع ذو أهمية وطنية"، مشيرة إلى أن تكلفته ستصل إلى حوالي 24 مليار دولار.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن مؤيدي المشروع ببريطانيا يتوقعون أن يسهم جلب الطاقة من المغرب في تزويد  أكثر من 7 ملايين منزل بالكهرباء، وتلبية ما يصل إلى 8 في المئة من احتياجات البلد من الطاقة.

وقال الرئيس التنفيذي لمشروع الربط الكهربائي مع المغرب "أكس لينكس" (Xlinks)، ديف لويس، للصحيفة إن تصنيف الوزيرة للمشروع على أنه ذو أهمية وطنية، سيساعد في تبسيط وتسريع إجراءات التخطيط، مشيرا إلى أن المخطط "يتقدم بشكل جيد".

وبموجب المشروع، سيتم نقل الكهرباء المنتجة بجهة "كلميم واد نون" بجنوب المغرب عبر كابلات تمتد لمسافة 3800 كيلومتر تحت سطح البحر إلى قرية ألفيرديسكوت، الصغيرة بالقرب من مدينة ديفون، جنوب غرب إنكلترا، حيث سيتم ربطها بشبكة الكهرباء المحلية.

وقال لويس للصحيفة البريطانية إن المشروع ستبلغ قدرته التوليدية 10.5 غيغاوات، منها 7 غيغاوات منتجة عبر الطاقة الشمسية و3.5 غيغاوات من الرياح، مضيفا: "الشمس تشرق كل يوم هناك، والرياح تهب كل مساء".

"رابح رابح"

وتحول المغرب، خلال السنوات الأخيرة، إلى وجهة جذابة تستقطب الاستثمارات الأجنبية والمحلية نظير المؤهلات الطبيعية التي يزخر بها، إضافة إلى الخطوات الاستثمارية الهامة التي أطلقتها الرباط في مجال الطاقة المتجددة.

ويهدف المغرب، منذ عام 2009، لتحقيق هدف أن تشكل الطاقة النظيفة 52 في المئة من مجموع أنواع الطاقة بالبلاد، بحلول عام 2030. وحاليا، يأتي خُمس إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.

الخبير المغربي في المناخ والتنمية المستدامة، أيوب كرير، يرى أن المشروع الجديد بين المغرب وبريطانيا يتوج "الاتفاقات الاستراتيجية التي وقعها الجانبان والتي شملت قطاعات مختلفة، وتحديدا على مستوى التعاون المناخي والطاقي ودعم مشاريع النمو الأخضر ومواكبة الرباط لتطوير اقتصاد منخفض الكربون.

ويضيف كرير، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "بريطانيا تسعى للانتقال إلى الطاقات المستدامة والمتجددة للوفاء بالتزاماتها الدولية، وأيضا لمواجهة تقلبات اقتصاد الطاقة بالسوق العالمية، والتي تثير قلق الدول الغربية التي وجدت نفسها أمام تحديات البحث عن مصادر الطاقة المتجددة وتقليص اعتماداتها على الأحفورية".

بين الفرص والتحديات.. "عرض المغرب" أحدث جهود الرباط للريادة في "طاقة المستقبل"
يتطلع المغرب إلى التحول إلى مورد وفاعل دولي رائد في قطاع الطاقات المتجددة، بعد إعلان الحكومة اعتزامها تفعيل ما أسمته "عرض المغرب" في مجال الهيدروجين الأخضر، العام المقبل، وإطلاق مشروع وطني لإنتاج هذه الطاقة المستقبلية.

وقالت وزيرة أمن الطاقة وخفض الانبعاثات إلى الصفر في بريطانيا في بيان، إن مشروع الربط الكهربائي مع المغرب "يحظى بأهمية وطنية لقدرته على مساعدة البلاد على التخلص من الوقود الأحفوري".

وذكر المصدر ذاته أن "المشروع المقترح يمكن أن يلعب دورا مهما في تمكين نظام الطاقة الذي يفي بالتزام المملكة المتحدة بالحد من انبعاثات الكربون، وأهداف الحكومة المتمثلة في توفير إمدادات طاقة آمنة ويعول عليها وبأسعار معقولة للمستهلكين".

من جهته، يرى مصطفى بن رامل،  رئيس منظمة "منارات للمناخ والبيئة" غير الحكومية، أن المشروع المرتقب يأتي بصيغة "رابح رابح"، حيث سيخدم مصالح الجانب البريطاني في الحصول مصدر مهم للطاقة النظيفة، وأيضا تأمين أمنها الطاقي بعيدا عن المصادر  التقليدية.

وعلى الجهة المقابلة، "سيمكن هذا المشروع الطموح المغرب من تعزيز تموقعه كمنتج مهم للطاقات الجديدة، وأيضا حصوله على فرصة تصديرها نحو الخارج"، حسبما يؤكده بن رامل في تصريح لموقع الحرة.

وتابع المتحدث أن المشروع من شأنه أن يستقطب استثمارات من باقي دول العالم، وخاصة الأوروبية للتوجه للمملكة والعمل أيضا بـ"هذه التقنية الثورية، التي تبقى منخفضة التكلفة، وحلا اقتصاديا واجتماعيا مهما".

وفي هذا الجانب، قالت شركة "Xlinks" إنها تسعى للحصول على عقد لمدة 25 عاما يضمن سعرا يتراوح بين حوالي 93 دولار إلى 106 دولارات لكل ميغاوات في الساعة، وهو أقل من سعر الجملة الحالي الذي يبلغ حوالي 117 دولارا.

وذكرت "أكس لينكس" أن المشروع سيوفر نحو 10 آلاف وظيفة في المغرب، 2000 منها ستصبح دائمة، كما أنه يتسق مع استراتيجية البلاد لتصدير الطاقة.

وبدوره، يؤكد كرير أيضا، على أهمية المشروع من الناحية المالية والاقتصادية للجانب المغربي، سواء من خلال فرص العمل التي يوفرها، وأيضا توفيره موردا تمويليا مهما يرتقب ضخه في مشاريع البلاد الخاصة بالانتقال الطاقي، من أجل تسريع وتيرة إنجازها، وتحفيز مزيد من الاستثمارات في المجال.

ويوضح الخبير المغربي أن المغرب يبقى أيضا في حاجة للعمل مع شريك بحجم بريطانيا من أجل تطوير تجربته في مجال الطاقة، مشيرا إلى أن أكبر شركات التنقيب عن الثروات الطبيعية والمعادن بريطانية، وتمتلك تجربة كبيرة في البحث والابتكار والتكنولوجيات الفائقة التطور في المجال.

تحديات عملية

ورغم كل مزايا المشروع البيئية والاقتصادية، أشارت وول ستريت جورنال إلى أنه يواجه تحديات عملية تتمثل أساسا في طول المسافة من المغرب إلى بريطانيا، إضافة إلى المشاكل التقنية التي يمكن أن تعترض تنفيذه، علاوة على العقبات البيروقراطية المحتملة بسبب عدد الولايات القضائية التي يحتاج الكابل المرور عبرها.

ويقول كبير مصممي النماذج في شركة "كورنوال إنسايت" الاستشارية، توم إدواردز، لصحيفة وول ستريت "إن المسافة تمثل تحديا"، مشيرا إلى أن على الكابل أن "يمر عبر المياه المغربية والإسبانية والفرنسية".

وكشف رئيس "أكس لينكس"، أن تكاليف المشروع بأكمله تقدر الآن بما يتراوح بين 22 مليار و26 مليار دولار، مؤكدا على أن الشركة البريطانية الناشئة يمكنها بناء المخطط "بدون دعم حكومي".

وفي هذا الجانب، يقول بن رامل، إن 3 تحديات أساسية يرتقب أن تواجه نجاح المشروع، يتعلق الأول بجوانبه التقنية على اعتبار أنه يعتمد تكنولوجيا جديدة للنقل والتي ستحتاج إلى المزيد من الأبحاث والدراسات والتطوير.

أما التحدي الثاني، فيتمثل بحسب المتحدث ذاته، بمدى قدرة الشركة البريطانية وباقي الأطراف المشاركة في المشروع على موارد المالية المرتفعة، مشيرا في هذا الجانب إلى أن الطرفين المغربي والبريطاني يسعيان إلى وضع أسس تمويل مستدامة من أجل إنجاح الخطوة.

ويتمثل التحدي الثالث، بحسب المتحدث ذاته، في الجانب البيئي، حيث يشير إلى أن نقل الكهرباء عبر البحر من شأنه أن يحدث ما يسمى "هالة مغناطيسية" ستصاحب العملية، ما يمكن أن يؤثر على بعض الكائنات البحرية الحيوانية والنباتية.

وشدد بن رامل في تصريحه على ضرورة إجراء دراسات علمية دقيقة وأبحاث معمقة عن آثار النقل الكهربائي المائي.