مغاربة يحتفلون بالعام الأمازيغي الجديد في الرباط
مغاربة يحتفلون بالعام الأمازيغي الجديد في الرباط

احتفل أكثر من ألف مغربي بالعام الأمازيغي الجديد في الرباط، الأحد، بعطلة رسمية  للمرة الأولى في المملكة بعدما طالب بها ناشطون أمازيغ لفترة طويلة.

واجتمع المحتفلون أمام مبنى البرلمان وسط العاصمة، وارتدوا أزياء ملونة، وعزفوا موسيقى تقليدية للتذكير بـ"أصول المغرب"، حسبما قالت حنان أوبيلا (21 عاماً) لوكالة فرانس برس واضعةً علماً أمازيغياً على كتفيها.

احتفالات بالعام الأمازيغي الجديد

ويُحتفل بالعام الأمازيغي الجديد (إيض ن يناير) كل عام في 13 يناير في المغرب، البلد الذي يضم أكبر عدد من البربر في المنطقة المغاربية.

وأعلن الملك محمد السادس في مايو 2023 أن هذا اليوم سيصبح عطلة رسمية، على غرار بداية العامين الميلادي والهجري. 

واعتبر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية يعد احتفاء بتراث كبير للمغاربة قاطبة.

وقال أخنوش في تصريح نقلته وكالة الأنباء المغربية الرسمية، بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2974، "نحتفل اليوم من أكادير مع المغاربة بهذه المناسبة الوطنية التي تعد تراثا كبيرا ليس فقط للأمازيغ بل للمغاربة قاطبة". 

وأشار الأمين العام للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الحسين المجاهد، إلى أن الاحتفال هذا العام يتميز بتقديم عروض فنية لفرقة "تاسكيوين"، المنحدرة من المناطق التي وقع فيها زلزال 8 سبتمبر، كبادرة تضامن مع السكان المتضررين، ومعرضا للصور للمبدع  خالد أطلس تتضمن  "صورا لأنشطة الأطفال التي تم تنظيمها بعد زلزال الحوز بتيفنوت".

ومن جهته، قال مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عبد السلام الخلفي، إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية عرف تحولات هامة في العقود الأخيرة، إذ انتقلت الاحتفالات والطقوس المرافقة لهذا الحدث من دائرة الفضاءات العائلية والأوساط المحدودة إلى فضاءات ثقافية ومؤسساتية واسعة".

يذكر أن "إيض ن يناير" يعتبر حسب الموروث الشعبي بشمال إفريقيا إيذانا ببداية الاستعداد للموسم الزراعي ويحيل في نفس الوقت إلى التيمن بالخصب، كما يعد ذكرى سنوية للتلاقي وإعداد أطباق متنوعة منها طبق "أوركيمين"، الذي يتم إعداده بسبعة أنواع من الحبوب، بحسب وكالة الأنباء المغربية.

وقال الناشط الأمازيغي منير كيجي لوكالة فرانس برس "إنه تتويج لمسار طويل من النضال".

واعتبر أن "هذا الاعتراف الرسمي يصالح المغاربة مع حضارتهم وثقافتهم وهويتهم التي امتدت آلاف السنين".

ويُطلق البربر الذين سبق وجودهم العرب والإسلام على أنفسهم اسم "أمازيغيين"، جمع "أمازيغ"، مما يعني "الرجل الحر" في لغتهم الأمازيغية.

وتم الاعتراف باللغة الأمازيغية سنة 2011 كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في الدستور المغربي، بعد عقود من نضال الناشطين.

وفي العام 2019، اعتُمد قانون أساسي لتعميم اللغة الأمازيغية. ويحدد هذا النص استخدامها في الإدارات والسلطات المحلية والخدمات العامة، وتدريسها في المدارس واستخدامها في الأنشطة الثقافية.

ومن أبرز نتائج هذا الاعتماد الرسمي ظهور أبجدية تيفيناغ على المباني العامة، بالإضافة إلى اللغتين العربية والفرنسية.

ومنذ العام 2010، كُرّست قناة تلفزيونية مغربية عمومية هي "تمازيغ تي في" Tamazight TV، للترويج للثقافة الأمازيغية، لكن ناشطين أمازيغ ينتقدون بطء انتشار هذه اللغة، خصوصاً في مجال التعليم.

المغرب

"صرخات في العتمة" لنساء في المغرب

فؤاد الفلوس - الرباط
06 فبراير 2025

"كانوا يضربونني باستمرار، ويخرجونني إلى الشارع، حتى أطفالي لم يسلموا، زوجي كان يخنقني ويضرب طفلتي ذات الـ3 سنوات ويروع رضيعي البالغ سبعة أشهر"، هكذا تلخص حياة (18 سنة) من مدينة ورزازات (جنوب المغرب)، معاناتها مع العنف الذي تحول إلى جزء من حياتها اليومية.

تقول حياة، لموقع "الحرة"، إنها تزوجت حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها من رجل يكبرها بتسع سنوات، بعد ظروف قاسية بسبب تخلي والدتها عنها وتعرضها لاعتداءات متكررة من زوجة والدها، لتواجه العنف المستمر من زوجها وعائلته على مدار تسع سنوات، حيث تعرضت لكدمات وجروح وكسور ولا تزال آثار العنف على جسدها. بحسب تعبيرها.

رغم سنوات العنف، لم تكن حياة تملك رفاهية الهروب، فكلما لجأت إلى السلطات وقدمت شكاية ضد زوجها، كانت تجد نفسها بلا مأوى، تنام في الشوارع مع أطفالها، حتى تضطر للعودة والتنازل عن شكايتها.

ومع كل مرة تعود فيها يزداد العنف، ولم يكن الأمر مجرد ضرب بل إهانة وحرمان "كانوا يعاملونني كخادمة، أجبروني على غسل أقدامهم، وتقليم أظافرهم، بينما كنت أحلم فقط بأن أعيش بكرامة". تضيف حياة.

اليوم، تعيش حياة في حالة نفسية صعبة، حيث تتناول أدوية الاضطرابات العصبية بشكل يومي، وقررت أن تطالب بالطلاق إلا أنها تخشى أن ينتزع منها أطفالها أو تجد نفسها مجددا بلا مأوى.

"لا أريد سوى بيت يأويني، بعيدا عن العنف... لا أريد لأطفالي أن يكبروا وسط هذا الجحيم"، تقول بحزن، متسائلة عن مستقبلها ومستقبل أطفالها وسط هذه المعاناة المستمرة حيث تعجز عن اتخاذ قرار ينهي معاناتها.

آثار العنف

وتتقاطع هذه المعاناة مع قصة فاطمة التي تزوجت عام 2008 على أمل بناء حياة مستقرة، رغم أن زوجها كان يعاني من نوبات صرع ولم يكن له عمل ثابت.

دعمت علاجه وتحسنت حالته الصحية، لكنها سرعان ما اكتشفت أن مشكلته الحقيقية لم تكن المرض بل العنف، إذ بعد عامين من الزواج، تلقت أولى الصفعات، لكنها التزمت الصمت خوفا من مواجهة عائلتها التي كانت ترفض هذا الزواج منذ البداية.

توضح فاطمة، لموقع "الحرة"، أن العنف تحول إلى روتين يومي في حياتها، حيث كانت تُضرب لمجرد دفاعها عن أطفالها أو بسبب خلافات بسيطة حول شؤون المنزل، مضيفة أن العنف بلغ ذروته خلال جائحة كورونا، حيث ضربها بقوة حتى فقدت وعيها، وحين استفاقت وجدته يجرها إلى غرفة أخرى، مهددا: "إذا كان لك أحد يحميك، فدعيه يأتي الآن".

وتحكي فاطمة أنها تعرضت في إحدى الليالي لاعتداء آخر عنيف، فجمعت أطفالها وتوجهت إلى السلطات وقدمت شكاية.

بيد أن استدعاء الزوج لم ينفذ بعد وساطة من العائلة، لكنها أدركت أن العنف لن يتوقف حيث استمر التهديد حتى استقال زوجها من عمله ليحرمها من أي نفقة قانونية، مهددا إياها بالتنازل عن مستحقاتها القانونية إذا أرادت الطلاق.

واليوم، تعيش فاطمة في مدينة الفقيه بن صالح بعد أن غادرت منزلها رفقة أطفالها الثلاثة وهي تحمل آثار العنف الذي امتد إلى أطفالها، حيث يعاني ابنها الأكبر (15 سنة) من التبول اللاإرادي بسبب الضغط النفسي، وابنتها الوسطى تحمل خوفا عميقا من جميع الرجال.

"كنت أظن أنني قادرة على التغيير"، تقول فاطمة، لكنها وجدت نفسها اليوم تكافح من أجل الحصول على الطلاق وضمان مستقبل أطفالها.

معركة قانونية

في عام 2006، تزوجت فتيحة عام 2006 على أمل بناء حياة مستقرة، وساهمت بذهبها وجهدها في بناء المنزل الذي جمعها بزوجها. لكنها سرعان ما أدركت أن هذا الاستثمار العاطفي والمادي لن يحميها من العنف.

فمع مرور السنوات، بدأ زوجها يمهد لفكرة الزواج بأخرى، وطلب منها التوقيع على الإذن بالتعدد وحين رفضت، ازدادت حدة الاعتداءات.

تروي فتيحة لموقع "الحرة"، أن العنف تصاعد منذ عام 2021، فلم يعد يقتصر على الضرب، بل شمل محاولات الخنق والتهديد بالقتل، وفي إحدى الليالي هاجمها عند باب المنزل، فارتطم رأسها بالحائط قبل أن ينهال عليها بالضرب حتى كُسرت يدها. وفي حادثة أخرى خنقها بنقابها حتى كادت تفقد الوعي.

وتؤكد فتيحة، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها قدمت شكايات مدعمة بشهادات طبية تثبت الإصابات، لكنها لم تحصل على حماية فعالة، وفق تعبيرها.

وفي إحدى الحالات، حكم عليه بالسجن أربعة أشهر مع غرامة مالية، لكنه بعد انقضاء المدة عاد ليكرر الاعتداءات.

ورغم طلاقها في ديسمبر 2023، استمر العنف ضد فتيحة من طرف زوجها السابق الذي يهددها بالطرد من البيت بعد أن باع طابقين منه.

وقالت "أخوض اليوم معركة قانونية ضد العنف والاغتصاب والتحرش الذي أتعرض له من طرف زوجي السابق رغم الطلاق".

تصاعد مستمر

تكشف شهادات حياة وفاطمة وفتيحة عن واقع مؤلم تتقاسمه العديد من النساء في المغرب، العنف الذي يبدأ داخل جدران البيت ويتحول إلى كابوس مستمر حتى بعد الفرار أو الطلاق.

ورغم أن الاعتداءات على النساء ليست جديدة، فإن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي جعل بعض هذه الجرائم أكثر وضوحا، كما حدث مؤخرا مع مقطع الفيديو الذي وثّق اعتداء عنيفا لشخص على ثلاث نساء في منطقة العوامرة نواحي مدينة العرائش، مما أثار موجة استنكار واسعة.

وترى رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبدو، في تصريح لموقع "الحرة"، أن العنف ضد النساء في تصاعد مستمر، وأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورا مزدوجا، حيث تساهم في كشف الانتهاكات وتحريك الجهات المختصة، لكنها في الوقت ذاته قد تزيد من معاناة الضحايا بسبب التشهير بهن.

وتضيف عبدو "رغم أن نشر هذه المقاطع يسلط الضوء على خطورة الوضع، فإن غياب الحماية الفعلية يطرح تساؤلات حاسمة حول تلقي الناجيات للدعم القانوني والنفسي الذي يحتجن إليه ومدى فعالية القوانين في ردع المعتدين وعدم تكرار هذه الجرائم"، منتقدة العقوبات المخففة بحق الجناة بكونها تعزز الإفلات من العقاب.

وذكرت الناشطة الحقوقية أن النساء يواجهن أيضا تعقيدات إجرائية تثقل كاهلهن، إذ يجبرن على التنقل بين مراكز الشرطة والمستشفيات والنيابة العامة وإعادة سرد معاناتهن عدة مرات، مما يزيد من صدمتهن النفسية، داعية إلى تبسيط هذه الإجراءات وتوفير مساعدة قضائية مجانية للضحايا، إلى جانب تفعيل وسائل حماية أكثر فاعلية.

تغييرات مجتمعية

ومن جانبها، ترى المحامية عضوة المكتب الوطني لـ"فدرالية رابطة حقوق النساء"، سعاد بطل، أن القانون رقم 103.13 يمثل خطوة مهمة في محاربة العنف ضد النساء، لكنه يواجه صعوبات في التطبيق، خصوصا فيما يتعلق بإثبات العنف داخل البيت الزوجي.

وقالت "بسبب غياب الشهود وامتناع المجتمع عن التدخل، تجد الضحايا أنفسهن عاجزات عن تقديم أدلة قانونية كافية لحماية حقوقهن".

وتتابع بطل حديثها لموقع "الحرة"، مؤكدة أن كثيرا من الضحايا يشعرن بالإحباط حتى بعد صدور أحكام ضد المعتدين، لأن العقوبات لا تكون منصفة في نظرهن، ولا تعكس حجم المعاناة التي تعرضن لها. مشيرة إلى أن العنف الزوجي يستخدم أحيانا كوسيلة لابتزاز المرأة ودفعها إلى طلب الطلاق والتهرب من الالتزامات المالية للزوج.

وتعتبر بطل أن مواجهة العنف ضد النساء لا يمكن أن تقتصر على القوانين فقط، بل تتطلب تغييرات مجتمعية جذرية تشمل التربية داخل الأسرة والمناهج التعليمية والتوعية الدينية، مؤكدة أنها كلها عوامل تلعب دورا أساسيا في تكريس ثقافة مناهضة للعنف.

وتشدد أن العنف ليس مجرد سلوك فردي، بل هو ظاهرة مترابطة بعوامل نفسية واجتماعية وتربوية، داعية إلى تعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في التوعية، وإلى تطبيق القانون بصرامة لضمان تحقيق العدالة وحماية النساء من العنف الممنهج الذي يعانين منه يوميا.

فؤاد الفلوس