بوريطة استقبل سيجورني في الرباط
بوريطة استقبل سيجورني في الرباط

قال وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، إن بلاده تدرك جيدا أن قضية الصحراء الغربية وجودية للمغرب والمغاربة، مؤكدا أن الرباط ستجد دائما فرنسا إلى جانبها في هذه القضية.

وأوضح سيجورني، الذي التقى وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الاثنين، بالرباط، أن فرنسا تدعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء الذي تقدم به المغرب، معتبرا أن هذا الموقف ليس وليد اللحظة، بل منذ بداية خطة المغرب.

وأشار المسؤول الفرنسي إلى أن باريس تريد حلا سياسيا واقعيا يرضي جميع الأطراف، وكانت قد دعمت مبادرة المبعوث الأممي بعقد طاولة حوار، داعيا جميع أطراف النزاع إلى الحوار بحسن نية.

وشدد سيجورني على أن المغرب استثمر في منطقة الصحراء على المستوى الاقتصادي، خصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد الأزرق والطاقات المتجددة وغيرها، مؤكدا أهمية تطوير العلاقات الثنائية.

من جهته، أكد وزير الخارجية المغربي على أهمية الشراكة بين فرنسا والمغرب وضرورة تطويرها تفاعلا مع المستجدات الإقليمية والدولية، مضيفا: "العلاقات بين البلدين يرعاها الملك والرئيس (إيمانويل) ماكرون".

وأعلن الطرفان عن سلسلة لقاءات بين مختلف القطاعات الوزارية، في الأسابيع المقبلة، ووجه سيجورني دعوته لنظيره بوريطة من أجل زيارة باريس.

ويقترح المغرب منح الصحراء الغربية المتنازع عليها حكما ذاتيا تحت سيادته "في إطار وحدته الترابية"، كحل وحيد لإنهاء النزاع القائم منذ عام 1975 مع جبهة بوليساريو، لكن الأخيرة ترفض المشروع، مؤكدة على المطالبة بإجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء الغربية، نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، دون أن يجد طريقه للتطبيق.

ويسيطر المغرب عمليا على نحو 80 في المئة من الصحراء الشاسعة المتنازع عليها، والغنية بالفوسفات والموارد السمكية على المحيط الأطلسي، ويعتبرها تاريخيا جزءا لا يتجزأ من أرضه.

عاملات زراعيات في نقطة تجمع يومي "الموقف" في انتظار فرصة عمل بإحدى الضيعات جنوب المغرب
عاملات زراعيات في نقطة تجمع يومي "الموقف" في انتظار فرصة عمل بإحدى الضيعات جنوب المغرب

"نفيق في الظلام.. ونعود في الظلام" عبارة تختزل شحنة نهار شاق تقضيه النساء في "الضيعات الفلاحية"، حيث لا يعانين من ظروف عمل صعبة فحسب، بل يختبرن صنوفا من الانتهاكات، من عنف لفظي وتحرش جنسي، في إقليم اشتوكة أيت باها جنوب المغرب.

مليكة ونعيمة تختصران بشهادتيهما قصص العاملات الزراعيات، اللواتي قررن كسر حاجز الصمت وبدء خوض احتجاجات "رفضًا لكل أشكال القهر والاستغلال"، حيث قررن خوض إضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بداية من الأسبوع الجاري، في جميع الضيعات الفلاحية ومحطات التلفيف، احتجاجًا على استمرار تدهور أوضاع تشغيلهن وهزالة الأجور.

ويأتي هذا الإضراب بعد احتجاجات سابقة أواخر توفمبر الماضي، وبعد أن سجل تقرير جمعية "أطاك المغرب" تعرض عاملات وعمال "الموقف" (نقطة تجمع يومي للعمال) لمختلف أنواع الابتزاز من قبل السماسرة بما في ذلك الاقتطاع من أجورهم أو التحرش بالنساء.

ووصلت القضية إلى البرلمان بعد أن نبهت النائبة عن فيديرالية اليسار الديمقراطي، ، فاطمة التامني، في سؤال كتابي موجه لرئاسة مجلس النواب ووزير الداخلية، إلى أن هذه الاحتجاجات تأتي على خلفية تراكم انتهاكات حقوق العمال الزراعيين، بدءا من تدني الأجور اليومية ووصولا إلى الاستغلال الذي تتعرض له العاملات بما في ذلك المساومة على كرامتهن من قبل بعض مسؤولي الضيعات الزراعية.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تحكي مليكة ونعيمة إضافة إلى العديد من العاملات الزراعيات بالضيعات الفلاحية في المنطقة عن ظروف اشتغالهن ومعاناتهن اليومية لتوفير لقمة العيش، بينما ترتفع أصواتهن إلى جانب نقابيين وحقوقيين بضرورة التدخل من أجل تحسين أوضاع العمال الزراعيين وحماية حقوقهم.

"نشتغل كالعبيد"

مليكة (34 عاما) عاملة زراعية وأم لثلاثة أطفال تعيش في بيوكرى بإقليم اشتوكة أيت باها نواحي مدينة أكادير، تحكي لموقع "الحرة"، عن حياتها القاسية التي تبدأ فجرا لتأمين لقمة العيش بعد أن تحضر فطور أطفالها وتترك صغيرهم في الحضانة وتغادر للعمل، إذ تصف هذه اللحظات قائلة "نفيق في الظلام، نحط وليداتي ونشوفهم في الظلام".

تتحدث مليكة عن ظروف اشتغالها في الضيعات الفلاحية التي تبدأ يوميا من "الموقف"، موضحة أنها تجبر للعمل لساعات إضافية دون استراحة كافية وتتعرض للإهانة ويصرخ عليها المشرفون بألفاظ تحط من كرامتها، قائلة "كنخدمو في الفيرما (الضيعة) بحال العبيد، خصك دير أي حاجة قالولك".

تعيش مليكة مع أطفالها في غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها 16 مترا، تتكون من مطبخ ومرحاض ومكان للجلوس وسرير للنوم، ورغم عملها الشاق تؤكد أنها غير قادرة على تلبية احتياجات أطفالها من مأكل ودواء لابنها المريض بفقر الدم وضيق التنفس بسبب غلاء المعيشة والأجر الهزيل، وترى نفسها، أمثالها مهمشين قائلة "لا نحس بأننا أبناء الوطن أو أن الوطن يعاملنا كمغاربة لأننا لم نر سوى العذاب والعناء والغلاء".

وفي هذا السياق، تشدد مليكة على ضرورة اتخاذ تدابير حكومية عاجلة لتحسين ظروف العمال والعاملات الزراعيين الذين يعيشون بدون حقوق ووضعا صعبا مع أسرهم، وتقول إننا "نموت يوميا وقلبنا يتقطع لأننا لا نعيش بخير ولا يتم احترامنا وبمجرد العلم بأننا نشتغل في الضيعة يتم احتقارنا".

"تمييز وشقاء"

وعلى بعد كيلومترات من مليكة، تعيش نعيمة (70 عاما) في منزل لإعالة ابنها المريض نفسيا بمفردها، حيث تضطر للاستيقاظ في الرابعة صباحا لتحضير فطوره وأدويته قبل التوجه للعمل في الضيعات الزراعية رغم تقدم سنها، وتقول "أشتغل لتأمين لقمة العيش مقابل 80 درهما لا تكفي لشيء مع غلاء المواد الغذائية، فماذا نشتري بها، اللحم أصبحنا نراه فقط معلقا عند الجزار".

وفي حديثها لموقع "الحرة"، توضح نعيمة أنها تعمل مع النساء في ظروف شاقة وغير إنسانية وبدون حماية وسط غياب أي ضمانات قانونية كالتأمين الصحي وعقد العمل، مضيفة أنها تعاني من التمييز في "الموقف" من طرف السماسرة والوسطاء بسبب سنها، وتقول "يلا ماكانش باك صاحبي ماكاينش خدمة" (لا عمل بدون واسطة).

وفي مكان العمل، تتحدث نعيمة عن تعرضها للإرهاق الشديد والمعاملة القاسية من بعض المسؤولين في الضيعات الفلاحية الذين لا يكترثون لوضعها الصحي والاجتماعي، مشيرة إلى أنه أحيانا كثيرة يتم رفض اختيارها من "الموقف" على اعتبار أنها غير قادرة على أداء المهام المطلوبة.

وفي هذا الصدد، تطالب نعيمة بتوفير الاحترام والكرامة وتحسين أوضاع العاملات الزراعيات وتمكينهن من حقوقهن والعيش الكريم، تقول "نتمنى يشوفو فينا بعين الرحمة ويكون المواطن عندو حقوق بلا قمع وبلا عنف، لأن ما دايم غير الله".

"عنف وتحرش"

تشترك مليكة ونعيمة في سرد واقع مرير يعكس حال الآلاف من العاملات الزراعيات في إقليم اشتوكة أيت باها، وهو ما تم تأكيده خلال اجتماع للعاملات بمدينة بيوكرى، حيث تم التطرق إلى الأجور الهزيلة التي لا تتماشى مع غلاء المعيشة. 

وتشير المتحدثات إلى معاناتهن من المصاريف المتزايدة، تقول إحداهن: "بـ 80 أو 90 درهما يوميا نواجه مصاريف الحضانة والكراء والطعام والدواء، لا يعقل أن تظل الأجور على هذا الحال، بينما نعمل ساعات طويلة بلا تعويض".

وكشفت إحدى العاملات الزراعيات خلال هذا الاجتماع الذي حضرته "الحرة" بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن استغلال الأطفال القاصرين في الضيعات الفلاحية، وقالت "بنات 14 و15 سنة يعملن في ظروف قاسية، ويهددن بالطرد مع أمهاتهن إذا رفضن المهام، ولا وجود للمراقبة، وكأن الضيعات تحولت إلى أماكن لاستغلال الأطفال".

وناقشت العاملات غياب الحماية القانونية للعمال الزراعيين، حيث يتعرضون للعنف اللفظي والتحرش ولاستغلال الوسطاء وغياب التصريحات القانونية، وتشتكي إحدى العاملات قائلة "نشتغل لسنوات دون توثيق، ونتفاجأ بعدم التصريح بأيام العمل، السماسرة ينهبون حقوقنا، وعلى الدولة التدخل لضمان كرامتنا وحمايتنا من هذا الاستغلال الممنهج".

"حياة أكثر قسوة"

وأكدت النقابية خديجة جداري، عضوة الاتحاد المغربي للشغل -القطاع الفلاحي- بإقليم اشتوكة أيت باها، استمرار معاناة العاملات والعمال الزراعيين في الضيعات الفلاحية بالمنطقة، مشيرة إلى أن "ظروف العمل لا تزال دون تحسن رغم مرور 20 عاما على عملها في هذا القطاع".

وتابعت جداري حديثها لموقع "الحرة"، أن "العمال يعانون من غياب الحقوق الأساسية كالتأمينات الاجتماعية والمراقبة القانونية، حيث لم ير العاملون أي تدخل من مفتشي الشغل حتى في الحالات التي تتطلب المراقبة الفورية، بل إن هناك محاولات مستمرة من قبل أرباب العمل لتفادي النقابات مما يزيد من استغلال العمال وإبقائهم في ظروف مزرية دون أي تحسن في الأجور أو الحقوق".

وتبرز جداري أنه "رغم المعاناة اليومية للعمال بدون وقت للراحة أو العطل فإنهم يعاملون بعنف لفظي وجسدي في بعض الأحيان ويعيشون ظروفا مزرية"، مؤكدة أن بعض النساء بما فيهن القاصرات يتعرضن للتحرش والضغط النفسي من قبل المشرفين ويعاني العديد منهم من أمراض خطيرة بسبب تعرضهم المستمر للمواد الكيميائية في العمل، ما يجعل حياتهم أكثر قسوة".

ودعت النقابية جداري إلى تدخل الحكومة والجهات المعنية لمراقبة الوضع في الضيعات وضرورة أن يكون هناك التزام حقيقي من قبل الشركات لدفع أجور عادلة وتوفير شروط عمل إنسانية، مضيفة أن العاملين في هذا القطاع هم من يحملون ثقل الإنتاج الزراعي الذي يصدر إلى الخارج.

"قمع وتنكيل"

ومن جانبه، يعزو رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع اشتوكة أيت باها، عبد الله مهماوي، احتجاجات العمال والعاملات الزراعيين في الإقليم إلى الزيادة المستمرة في الأسعار والأجور الهزيلة التي يتقاضونها، منبها إلى أنهم "خرجوا في احتجاجات سلمية وحضارية من أجل مطالب مشروعة إلا أنهم قوبلوا من طرف السلطات بالقمع والتنكيل واعتقال عدد من المتظاهرين".

ويضيف مهماوي في تصريح لموقع "الحرة"، أن "هؤلاء العمال والعاملات يتعرضون لانتهاكات كثيرة كالتمييز والتحرش المنتشر في أماكن العمل ويتم نقلهم في وسائل نقل مهترئة لا توفر أي شروط للسلامة مما يعرضهم لحوادث سير مميتة في بعض الأحيان"، لافتا إلى أن هذه المعاناة تزداد مع عيشهم في ظروف قاسية كالسكن في الخيام أو البلاستيك بالإضافة إلى أجور هزيلة لا تكفي لتغطية أبسط احتياجاتهم.

وسيلة نقل العمال الزراعيين بإقليم اشتوكة أيت باها

ويؤكد مهماوي أن "الحلول المتاحة لتحسين أوضاع العمال والعاملات الزراعيين تبدأ بزيادة الأجور بشكل عاجل لتصل كحد أدنى بنحو 150 درهم على الأقل في اليوم"، مشددا على ضرورة احترام القوانين الوطنية والدولية التي تكفل حقوق العمال واتخاذ إجراءات ملموسة تضمن لهم حياة كريمة وتحسن ظروف العمل بشكل عام.