تفاعلت وسائل إعلام في المغرب مع قرار جديد للمجلس العلمي الأعلى، صدر الاثنين، بشأن مسألة "خطبة الجمعة الموحدة" الذي صدر في نهاية شهر يونيو الماضي، وأثار جدلا واسعا في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وكان المجلس أعلن في 28 يونيو البدء بتطبيق خطة تبليغ دينية جديدة تسمى "خطة تسديد التبليغ".وتم تطبيق القرار مع خطبتي جمعة 28 يونيو، وخطبة 5 يوليو 2024.
وجاء في بيان للمجلس نشر على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي: "خطة التبليغ مشروع تسعى من خلاله مؤسسة العلماء إلى النهوض بأمانات العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس، بحيث يكون لإيمانهم وعباداتهم ثمرات تنعكس على نفوسهم بالتزكية وصلاح الباطن، وعلى سلوكهم بالاستقامة وصلاح الظاهر".
والاثنين، صدر قرار جديد اعتبره البعض تراجعا عن القرار السابق، إذ أعلن المجلس منح الخطباء حق اختيار خطب جمعة، سيقترحها المجلس كل يوم أربعاء.
وجاء في نص القرار المنشور على الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف: "يعلن المجلس العلمي الأعلى أنه سيقترح على السادة الخطباء، خطبة الجمعة الموالية كل يوم أربعاء على الساعة الثانية بعد الزوال لمن أراد اعتمادها، وذلك على موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وعلى صفحاتها الاجتماعية وكذا على صفحات المجالس العلمية الجهوية والمحلية.
وفي تصريح لموقع الحرة، قال المحلل المغربي، أشرف طريبق، نقلا عن خطيب جمعة وعضو في المجلس العلمي في الرباط، رفض الكشف عن هويته، إن خطة "تسديد التبليغ" التي تتبع المجلس العلمي جاءت في إطار الرغبة في توحيد الموضوعات وليس الخطب في بعض الإقليم، وليس بجميع أراضي المملكة.
وقال إنه كان مخططا العمل بهذه المبادرة لثلاثة أشهر، على أن يتم تعميمها بحال نجاحها.
وأكد طريبق أن القرار يخص المجلس العلمي الذي لا يتبع وزارة الأوقاف، ولكن يتبع ملك البلاد، محمد السادس.
ونفى أن يكون المجلس تراجع عن القرار وقال إنه أراد فقط القول: "سأسلمكم الخطبة يوم الأربعاء، للتصرف فيها مع احترام الموضوع".
وأثار القرار الأصلي جدلا كبيرا في المغرب، وجاء في أحد التعليقات المنشورة على صفحة وزارة الأوقاف: "هؤلاء الخطباء يرددون ما كتب لهم في الورق المطبوع".
وتداولت صحف مغربية نبأ توقيف خطيب جمعة في مدينة طنجة، شمالي البلاد، بسبب رفضه "للخطبة الموحدة"، وظهر هو في فيديو ممسكا بوثيقة تشير إلى فصله من عمله بسبب "الزج بالخطبة في حساسيات ضيقة".
وكتب محمد حمداوي، القيادي في جماعة "العدل والإحسان"، رئيس مكتب علاقاتها الخارجية، أن "خطة "تسديد التبليغ" تستهدف، كما قيل، ترشيد تبليغ أمور الدين في البلد. وقد تزامن ذلك مع توحيد خطبة الجمعة على الصعيد الوطني، وتوقيف أحد الخطباء لأنه لم يلتزم حرفيا بما برمجته الوزارة في خطبتها".
واتهم حمداوي في حسابه على فيسبوك السلطات بالرغبة في "تحنيط وتعليب" التبليغ، وجعل الخطباء والوعاظ والعلماء مجرد مذيعي قنوات موظفين لديها ينطقون بما يقدمه المخرج في دهاليز الوزارة، ويخالف صريح الدين والشرع والسنة في الحرية التي أناطها الإسلام بالدعاة من خطباء وعلماء ووعاظ ومؤطرين في اختيار ما يرونه مناسبا لما هو مطروح أمامهم من قضايا مجتمعية تستلزم التوجيه والإرشاد".
وبعد الجدل الذي صاحب القرار، كتبت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية توضيحا على صفحتها بفيسبوك أكدت فيه أن "تعميم الخطب أمر مؤقت وليس دائما".
وأضافت: "سيستمر الخطباء بعد ذلك في إعداد خطبهم مجتهدين في بناء هذه المضامين اعتمادا على كفاءتهم وهم محل ثقة، مبلغين ومرشدين وناصحين للناس بما ينفعهم ويصلح أحوالهم في دنياهم وأخراهم إن شاء الله".
وعن السبب وراء مشروع "تسديد التلبيغ"، قال طريبق لموقع الحرة إن من الضروري "إلزامية الإطار" بعد "خروج بعض الخطباء عن المنهج العام ولجوئهم إلى بعض الخطب التي تثير المشكلات، وإثارة تصريحات سياسية بدلا من تناول موضوعات دينية".
ويشير إلى أنه تم "إيقاف بعض الخطباء لأن لديهم تقارير أمنية، ولعدم حيادتهم، رغم أن الخطباء يجب أن يكونوا مستقلين عن الأمور السياسية التي يجب أن يكون مكانها الندوات وليس المساجد".
وقال موقع العمق المغربي إن "بعض خطب الجمعة الموحدة تثير جدلا بالنظر إلى مضمونها أو إلى تسريبها بشكل مسبق على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أقدمت وزارة الأوقاف على عزل خطباء رفضوا اعتماد تلك الخطبة الموحدة".
ومن جانبه، ذكر الكاتب حكيم بلعربي في "هوية برس" أن "توحيد خطب الجمعة يجعلها تمر في جو بارد يغيب عنه تفاعل الخطباء ويفتقد لتأثر وتجاوب المستمعين من عموم المصلين، لأن الخطيب لا يمكنه التفاعل مع خطبة أرسلت إليه من فوق، لم يكتبها ولا تناسب تعبيره وأسلوبه، ولا مستواه".
وأضاف أن" خطباء الجمعة ليسوا ضد تخصيص خطبة لموضوع معين كالمواضيع الوطنية، والمواضيع الخادمة للبرامج الوطنية ومنها خطة تسديد التبليغ، ولكنهم ضد تقييد الخطيب بنص محدد".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، اختلفت الآراء بين من اعتبر القرار وصاية على الدين، وآخرين رأوا فيه ضرورة لتوحيد الخطاب الديني.
وكتب أحد المعلقين: "نريد خطبة موحدة قطعا لكلام العوام... خطبة موحدة حسب الزمان والمكان، والمناسبات الدينية والوطنية".
ودعا آخر إلى "تنقية وتصفية الحقل الديني الرسمي... المنبر منبر دين وتدين وليس سياسة... رجل الدين يجب أن يبلغ الدين المغربي المعتدل السمح".
واعتبر آخر أن "الإجبار يولد الانفجار... الحرية المطلقة جعلها الدين مبدأ أساسيا في كل شيء... الخطيب لا يعارض خطبكم أبدا وإنما يريد أن يخطب بأسلوبه الخاص ويريد التفاعل والتجاوب مع الناس لتصل الفكرة السليمة للمستمع ويطعمه من حلاوة خطبته الخاصة".
وجاء في تعليق: "مند سنوات وخطبة الجمعة تملى على الخطباء بينما عين العقل أن يقوم الخطيب بدوره في تهيئة خطبة الجمعة حسب الواقع المعاش للشعب المغربي".