لقي قرار العاهل المغربي، محمد السادس، بالعفو عن 3 صحفيين معتقلين بالإضافة إلى نشطاء آخرين ترحيبا واسعا، ورأى فيه كثيرون خطوة إيجابية، تجدّدت عقبها الآمال بتوسيع نطاق العفو ليشمل باقي "معتقلي الرأي"، وعلى رأسهم النشطاء المسجونين على خلفية "حراك الريف".
وكان من أبرز المستفيدين من العفو الذي جاء بمناسبة "عيد العرش" في الذكرى الخامسة والعشرين لتنصيب العاهل المغربي، توفيق بوعشرين، وعمر الراضي، وسليمان الريسوني، الذين أثارت محاكماتهم جدلا واسعا بشأن حرية الصحافة في البلاد.
وكان الصحفيون الثلاثة من منتقدي السياسات العمومية بالمملكة، وقد أدينوا جميعهم بتهم من بينها الاعتداء الجنسي. وندّد مدافعون عن حقوق الإنسان بمحاكماتهم ووصفوها بأنها ذات دوافع سياسية، معتبرين أنها وسيلة لمعاقبتهم على آرائهم. بينما تشدد السلطات المغربية من جهتها، على أنهم حوكموا على جرائم تتصل بالقانون العام "لا علاقة لها" بمهنتهم أو بحرية التعبير.
وحُكم على مدير نشر جريدة "أخبار اليوم"، توفيق بوعشرين، بالسجن لمدة 12 عاما في عام 2018، فيما حُكم على عمر الراضي، وهو مراسل مستقل وناشط في مجال حقوق الإنسان، والصحفي سليمان الريسوني في 2021 بالسجن لمدة ست وخمس سنوات تواليا.
"خطوة كبرى"
ووصف مكتب منظمة العفو الدولية بالمغرب، العفو الملكي بـ"الخطوة الإنسانية الكبرى نحو تصفية ملف كل معتقلي الرأي".
وكتب المكتب في منشور على منصات التواصل الاجتماعي: "هنيئاً لكل المفرج عنهم.. هنيئا لحركة حقوق الإنسان في انتظار مبادرة ملكية أخرى، تغلق باب الماضي نهائيا وتفتح أبواب الزنازين لباقي المعتقلين السياسيين".
بدوره، يقول رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الكبير اخشيشن، إن "العفو الأخير التفاتة ملكية إنسانية بارزة، ورسالة تهدف إلى تعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة بجرعات تمكننا من إعادة الاعتبار للممارسة المهنية النبيلة".
ويضيف اخشيشن في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذا القرار "يتماشى مع التحولات العميقة والإصلاحات الكبرى التي حققتها بلادنا، ويعكس تفاعلها الإيجابي مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان".
وذكر المتحدث ذاته، أنه سبق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن عبّرت في مناسبات عديدة عن استنكارها للاعتقالات وقالت إنها "تضر بالقطاع الإعلامي كثيرا، وتؤثر سلبا على صورة بلادنا التي أحرزت خطوات هامة وكبيرة في مجال الحريات".
وكانت العفو الدولية قد دعت مرارا إلى إطلاق سراح الصحفيين في السنوات الأخيرة، في حين تتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المغربية بتوجيه "تهم جنائية" ضد المعارضين والإعلاميين الناقدين.
ووفق آخر تصنيف عالمي لحرية الصحافة نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، يحتل المغرب المرتبة 129 من بين 180 دولة شملها التصنيف.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنه تم العفو عن صحفيين وناشطين آخرين، الاثنين، بينهم، عماد ستيتو، وهشام منصوري، وسعيدة العلمي.
ولدى إطلاق سراحه من السجن قال الصحفي، عمر الراضي، الذي أوقِف عام 2020 إنه "ممتن".
وأضاف لوكالة فرانس برس قرب سجن مدينة تيفلت على بعد حوالى 60 كيلومترا شرق الرباط "علمت أن معتقلين آخرين في قضايا مماثلة قد أطلِق سراحهم وأنا أشعر بالامتنان"، معتبرا أن القرار من شأنه "تهدئة" الرأي العام المغربي.
بدوره، وجه الصحفي بوعشرين بعد خروجه من السجن المحلي بسلا، شكره للملك محمد السادس بعد العفو عنه وعن صحفيين آخرين، بمناسبة مرور ربع قرن على اعتلاء العاهل المغربي العرش.
وعبر بوعشرين الذي كان محكوما بالسجن لمدة 15 سنة قضى منها 6 سنوات، "عن أسفه لكل من تضرر من ملفه"، وذلك حسبما نقل موقع "صوت المغرب".
ويضيف رئيس نقابة الصحفيين المغاربة، أنه "من الواجب اليوم أن نلتقط رسالة العفو هذه بجدية، وأن نتحمل مسؤولياتنا كل من موقعه، داخل المقاولات الإعلامية التي يجب أن تصان فيها كرامة الصحفيين والعاملين، وفي أوساط المهنيين يجب التسلح بأخلاقيات وقواعد المهنة".
"آمال"
وأفاد بيان للمنتدى المغربي للصحفيين الشباب، بأن "العفو الصادر قد أثلج صدر العاملين والناشطين في مجال الصحافة وحقوق الإنسان بشكل عام"، معبرا عن تطلعات بـ"ترسيخها وتعزيزها لتصبح هي القاعدة وليس الاستثناء".
في سياق متصل، يقول عبد الرزاق بوغنبور، الرئيس السابق لـ"العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان"، إنه "لا يمكن سوى تثمين هذا العفو الملكي"، مضيفا "كنا نأمل أن يشمل كافة المعتقلين المتابعين في قضايا الرأي والتعبير".
ويضيف بوغنبور في تصريح لموقع "الحرة"، أن "هذا العفو يطوي صفحة من تاريخ المغرب كانت تمثل "وصمة عار في الملف الحقوقي المغربي قبل أن يأتي القرار الملكي الشجاع ليصحّح الوضعية، متمنين أن يكون مقدمة انطلاق لإصلاح باقي الملفات.
وبينما يشدّد الحقوقي المغربي على أهمية الخطوة وإيجابيتها، يوضح أنها "تبقى ناقصة ما لم تشمل باقي معتقلي حراك الريف".
وحمل "حراك الريف" أو "أحداث الحسيمة" مطالب اجتماعية واقتصادية بين خريف 2016 وصيف 2017، في حين اتّهمته السلطات بخدمة أجندة انفصالية والتآمر للمساس بأمن الدولة. وقد خرجت أولى تظاهراته احتجاجا على حادث أودى ببائع السمك، محسن فكري، بمدينة الحسيمة، شمال البلاد.
وأسفرت التظاهرات عن اعتقال نشطاء قدّرت جمعيات حقوقية عددهم بالمئات. ولا يزال ثمانية منهم معتقلين، أبرزهم، ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، المحكومان بالسجن 20 عاما، لإدانتهما بتهم عدة بينها "التآمر للمسّ بأمن الدولة".
وأفرج لاحقا عن معظم المعتقلين بعد انقضاء مدد سجنهم أو بموجب عفو ملكي.
وسبق أن دعت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية مغربية إلى الإفراج عنهم منتقدة أحكاما "قاسية"، في حين شددت السلطات المغربية دوما على أن محاكمات هؤلاء النشطاء احترمت المعايير الدولية.
من جهتها، اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن "هذا الإفراج يبقى مكسبا هاما تحقق نتيجة النضال الوحدوي للحركة الحقوقية والحركة الديمقراطية الوطنية والدولية"، مؤكدة على أن "الفرحة تظل منقوصة ما لم يتم إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي".
وجددت المنظمة الحقوقية في بيان، مطالبتها بـ"تبييض السجون المغربية من جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وطي ملف الاعتقال السياسي بصفة نهائية".
بدوره، يضيف بوغنبور، أن آماله "بأن يتم التوجه نحو طي ملفات الاعتقال المرتبطة بالرأي والتعبير"، وتحديدا تلك المتعلقة بـ"معتقلي حراك الريف الذين اعتقلوا في ظروف خاصة، وما تلاها من انتكاسات حقوقية".
ويوضح المتحدث ذاته، أن "آمال المغاربة قائمة في ظل المرحلة الجديدة في مسار الدولة المغربية من أجل الإقدام على خطوة إطلاق سراح المتابعين في ذلك الملف، من معطى حقوقي وإنساني واجتماعي"، مشيرا إلى أن "الدولة ترغب أيضا في طي مثل هذه الملفات من أجل المصلحة الفضلى للبلاد".
وشمل قرار العفو أيضا، المعطي منجب (62 عاما)، فهو مؤرخ وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان. وحوكم المؤرخ المعروف بانتقاداته للسلطة في قضيتين منفصلتين، فتحت أولاهما في العام 2015 ودين فيها ابتدائيا بالسجن عاما واحدا بتهمتي "المساس بأمن الدولة والنصب".
وهو كان معتقلا على ذمة التحقيق في قضية ثانية فتحت ضده أواخر عام 2021 بتهمة "غسل أموال". ويعتبر هذا الناشط الحقوقي أنه مستهدف بهذه الملاحقات بسبب آرائه، في حين تتهمه السلطات بـ"تضليل الرأي العام"، مؤكدة أنه كان ملاحقا في قضايا حق عام لا علاقة لها بحرية التعبير.
وإلى جانب الصحفيين والنشطاء، شمل العفو الملكي أيضا 16 شخصا "من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب" والذين راجعوا "مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذوا التطرف والإرهاب"، وفق ما أفادت به وزارة العدل المغربية.
وبحسب موقع "صوت المغرب"، أفرج أيضا عن 3 مدونين كانوا يتابعون على خلفية تدوينات انتقدوا فيها علاقات التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وكانوا يقضون أحكاما بين سنة ونصف السنة وأربع سنوات.