ضريح بويا عمر  المغرب (وكالة الأنباء الفرنسية)
المغرب يتوفر على آلاف الأضرحة والزوايا ينفق عليها سنويا حوالي 14.6 مليون دولار (فرانس برس)

تجدد الجدل بالمغرب بشأن الإنفاق الحكومي على الأضرحة والزوايا على خلفية تقرير أعدته "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" انتقد عدم التزام الحكومة المغربية بتنفيذ ما تعهدت به من سياسة ثقافية للمحافظة على الهوية الوطنية مقابل الاهتمام بمهرجانات "تحولت إلى مواسم للبهرجة ونشر الفكر الخرافي، وتم ربطها بالأضرحة والزوايا".

وسجلت الجمعية في تقريرها أن "جل المهرجانات لها طابع موسمي ومرتبطة باحتفالات الزوايا والأضرحة وتحصل على دعم الدولة وعلى هبات"، مشيرة إلى أن "إقامة هذه المواسم ليس بالأمر البريء بل تسهر الدولة على ترسيخ هذه العادات وجعل المغاربة يعتقدون بالخرافة لحل مشاكلهم الاجتماعية". 

وذكر التقرير السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2023، الصادر عن الجمعية قبل أيام، أن "المغرب يتوفر على 5038 ضريحا و1496 زاوية ينفق عليها 14,6 مليار سنتيم (حوالي 14.6 مليون دولار)، في حين لا يتوفر إلا على 600 مكتبة عمومية نصفها مغلق بمعدل مكتبة واحدة لكل 100 ألف نسمة حسب تصريح وزير الثقافة". 

وكان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، قد تحدث مؤخرا بالبرلمان عن منجزات وزارته خلال السنة المالية 2024، موضحا أنها شرعت في إنجاز أشغال الإصلاحات الطفيفة المتعلقة بـ 989 مسجدا وزاوية وضريحا بتكلفة تناهز 247 مليون درهم (حوالي 24.7 مليون دولار)، وذلك في إطار تأهيل المؤسسات والمباني الدينية والوقفية المتضررة جراء زلزال الحوز الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر 2023. 

وأضاف المسؤول الحكومي، أن وزارته ستعمل برسم سنة 2025 باعتماد مالي قدره 315 مليون درهم (حوالي 31.5 مليون دولار) على إنهاء أشغال الإصلاحات الطفيفة لـ 989 مسجدا وزاوية وضريح، وإعطاء انطلاقة أشغال الإصلاحات الكبرى لـ 259 مسجدا و18 زاوية وضريح، وإعطاء انطلاقة أشغال ترميم 20 مسجدا و26 زاوية وضريح، وإنجاز الدراسات لإعادة بناء 813 مسجدا وإعادة انطلاقة أشغال إعادة بناء 94 مسجدا و27 زاوية وضريح. 

ويثير هذا الإنفاق الحكومي على الزوايا والأضرحة جدلا واسعا في البلاد، يتجدد كل سنة خلال مناقشة مشروع قانون المالية بالبرلمان، حيث يتم تقديم منجزات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والبرامج والمشاريع المزمع إنجازها برسم السنة المالية 2025.

"تكريس الخرافة والشعوذة" 

وتعليقا على هذا الموضوع، يرى المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، عبد الاله بنعبد السلام، أن "الإنفاق الحكومي على الأضرحة والزوايا يتم في إطار استقطاب قاعدة مؤيدة للسياسات العامة للدولة دون مناقشة أو جدل"، معتبرا أن هذه السياسة تأتي على حساب أولويات أكثر أهمية كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية أو الاستثمار في التعليم والثقافة. 

وتابع بنعبد السلام حديثه لموقع "الحرة"، موضحا أن الأضرحة والزوايا في المغرب تؤدي دورا محدودا لا يبرر المبالغ الكبيرة التي تخصص لها سنويا، وقال إن "هذه المؤسسات لا تخضع لرقابة كافية على كيفية إنفاق الدعم المقدم لها مما يؤدي إلى تكريس مظاهر الخرافة والشعوذة التي تعيق التقدم والتحديث في المجتمع، كما أنه يتم استغلال بعض الأضرحة لتحقيق مكاسب ريعية دون تقديم أي مساهمة حقيقية للتنمية". 

وأشار الناشط الحقوقي إلى أن "دعم الأضرحة يعزز نظاما يعتمد على الولاءات الشخصية بدلا من بناء مجتمع حديث وديمقراطي"، مؤكدا أن الأموال المخصصة لهذه المؤسسات يمكن توجيهها بشكل أفضل إلى بناء المدارس أو دعم المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تخدم الإنسان. 

ودعا المتحدث ذاته إلى إعادة النظر في سياسة الإنفاق الحكومي على الأضرحة والزوايا، منبها إلى أن "الأمن الروحي الذي تبرر به هذه النفقات يمكن تحقيقه من خلال وسائل تعليمية وثقافية حديثة مثل الإعلام والمسرح والسينما التي تعزز قيم الكرامة والمواطنة والوعي المجتمعي".

" تثبيت الشرعية الدينية"

وفي المقابل، يقول المحلل والباحث السياسي المغربي، محمد شقير، إن "الإنفاق الحكومي على الأضرحة والزوايا مرتبط بشكل وثيق بالسياسة الدينية للمغرب باعتبار أن الملك بصفته أمير المؤمنين هو المشرف على ما يسمى بالإسلام الشعبي والمؤسسات الدينية"، لافتا إلى أن "هذه السياسة تشمل دعم الأضرحة والزوايا التي تشكل جزءا أساسيا من الثوابت الدينية في المغرب". 

وأضاف شقير في تصريح لـ"الحرة"، أن "هذه الشبكة الواسعة من الأضرحة والزوايا المنتشرة بشكل كبير في المناطق القروية، تتطلب إشرافا ودعما من الدولة لضمان التحكم في هذه المؤسسات"، مبرزا أن "الدعم المالي لا يقدم بشكل اعتباطي بل يأتي ضمن رؤية سياسية تهدف إلى تثبيت الشرعية الدينية والسياسية للنظام، خاصة أن المغرب معروف بوجود عدد كبير من الأضرحة التي تُعتبر جزءًا من هويته الثقافية والدينية". 

ويعتبر شقير أن "هذا الإنفاق يساهم أيضا في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي من خلال الأنشطة التجارية والاقتصادية المرتبطة بالمواسم التي تقام حول الأضرحة، مردفا إن "حضور الحاجب الملكي في هذه الاحتفالات وتقديم الهبات الرسمية يؤكد أهمية هذه الممارسات في إطار تعزيز الشرعية الدينية إضافة إلى دعم الاقتصاد المحلي المتصل بها".

"مؤشرات القوة الناعمة" 

ومن جانبه، يبرز الباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، منتصر حمادة، أن "الإنفاق على الزوايا والأضرحة لا يتم كله من ميزانية الدولة وإنما من الأموال التي تتحصل عليها على غرار ما نعاين مع الإنفاق على بناء المساجد"،  في ظل الإقبال الكبير للعامة والمحسنين. 

وبشأن الانتقادات التي تصدر بين الفينة والأخرى حول الإنفاق على هذه الزوايا والأضرحة، يسجل حمادة أن "هذه المقامات تساهم في تعزيز ما يصطلح عليه بالأمن الروحي للمغاربة وتساهم في صيانة موروث ديني عريق وأصيل، بصرف النظر عن وجود بعض القواسم المشتركة في شقها الإيديولوجي بالتحديد". 

وفي هذا الصدد، يشير الخبير في الشأن الديني، حمادة، إلى أن تلك الانتقادات تصدر عن مرجعيات يسارية لديها حساسية مسبقة ضد الدين أو ذات مرجعية إسلامية حركية، مضيفا أنه "في الحالتين معا، نحن إزاء إيديولوجيات دينية أو مادية وافدة على المغرب من الخارج المشرقي والغربي، ووجدت صعوبات كبيرة في قراءة الخصوصية الدينية المغربية". 

ويقول حمادة إن "الحديث عن الزوايا في السياق المغربي يقتضي الحديث عن التصوف، والحال أن هذا المكون أو المحدد الديني يوجد ضمن أهم المحددات المغذية للعلاقات التاريخية بين المغرب ودول أفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى أنه يغذي الإشعاع الروحي للمغرب، ويساهم بالتالي في تغذية مؤشرات القوة الناعمة في نسختها المغربية"
 

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.