أكدت هيئات نسائية ومنظمات حقوقية بالمغرب استمرار ظاهرة العنف ضد النساء رغم الجهود المبذولة في هذا المجال، مسجلة انتقاداتها لـ"تأخر" تفعيل قوانين وسياسات حماية النساء وضمان المساواة و"غياب آليات فعالة" لضمان محاسبة مرتكبي العنف ضد المرأة.
ويشهد المغرب زخما مدنيا بارزا في إطار الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، التي تمتد من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر، إذ أطلقت هذه الهيئات الحقوقية والنسائية أنشطة تحمل شعارات مختلفة لمحاربة العنف ضد النساء، من بينها "صفر تسامح" و"مدن آمنة".
وشددت المنظمات على ضرورة "عدم التسامح مع مرتكبي العنف ضد النساء" و"أهمية تسريع وتيرة الإصلاحات التشريعية لإدماج مقاربة النوع في جميع السياسات العمومية لضمان بيئة آمنة وعادلة للنساء".
وفي هذا السياق، أكدت المتحدثات في الأيام المفتوحة لـ"الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" والندوة الصحفية لـ"جمعية التحدي للمساواة والمواطنة" بالدار البيضاء على "استمرار معاناة" النساء المغربيات من أشكال متعددة من العنف، أبرزها العنف الاقتصادي والاجتماعي والرقمي.
وأوضحن أن "ضعف التبليغ" عن حالات العنف يعود إلى "هشاشة الوضع الاقتصادي للنساء"، إذ أن 85 في المئة منهن خارج سوق العمل، "ما يدفع العديد منهن إلى قبول العنف أو التطبيع معه لغياب البدائل".
وشددت الأصوات النسائية والحقوقية المشاركة في فعاليات الأيام الأممية لمحاربة العنف ضد النساء، على أن "استمرار الصور النمطية والعقليات الذكورية يعرقل تقدم الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة وإنصاف النساء"، مشيرة إلى ضعف الموارد البشرية والمالية المخصصة لمناهضة هذا العنف وقلة مراكز الإيواء والخلايا المتخصصة لاستيعاب جميع الحالات.
جريمة لا ظاهرة
وفي تعليقها على الموضوع، تشدد رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، ياسمين زاكي، على أن "العنف جريمة وليس مجرد ظاهرة، مما "يستدعي مقاربة شاملة تجمع بين التوعية المجتمعية وترسانة قانونية قوية تحدد بدقة أنواع العنف وتعاقب عليها بصرامة"، لافتة إلى أن "شعار عدم التسامح يعكس أبعادا حقوقية وقانونية ومجتمعية متكاملة".
وتتابع زاكي في حديثها لـ"الحرة" موضحة أن "غياب تعريف واضح لأنواع العنف سواء على المستوى المحلي أو وفق المعايير الدولية، يضعف الجهود المبذولة لمكافحته"، مطالبة المؤسسات المنتخبة والهيئات المختصة إلى اتخاذ تدابير صارمة للحد من هذه الجريمة.
ودعت المحامية والحقوقية إلى "تحقيق العدالة المجالية لأن النساء في المناطق القروية والجبلية يعانين بشكل أكبر مقارنة بنظيراتهن في الحواضر الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط"، مؤكدة أن "هذه الفجوة الجغرافية تعكس ضرورة وضع سياسات تستهدف النساء في مختلف مناطق المغرب مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه الفئات الأكثر تهميشا في البلاد".
سلطة القوانين
ومن جانبها، نبهت الناشطة الحقوقية، خديجة الرباح، إلى أن "القوانين والتشريعات المغربية المتعلقة بالنساء كالقانون الجنائي ومدونة الأسرة وقانون مناهضة العنف "لا تزال غير كافية للتصدي للعنف ضد النساء"، إذ "تستمر في شرعنة بعض الممارسات مثل الاغتصاب الزوجي، ولا تسهل ولوج النساء الناجيات إلى العدالة مما يحد من قدرتها على الحد من الظاهرة".
وتعتبر الرباح في تصريح لـ"الحرة" أن السياسات الحالية في البلاد "لا تزال بعيدة عن تحقيق الهدف المنشود"، مبرزة أن أرقام المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصاء رسمية) تشير إلى أن العنف ضد النساء "في تنام مستمر".
وقالت إن "معالجة العنف تتطلب إصلاحا شاملا للترسانة القانونية لتحقيق المساواة والمناصفة وإلغاء التمييز في جميع المجالات"، منتقدة "تأخر تفعيل هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز التي يفترض أن تكون ملاذا مؤسساتيا للنساء عند غياب الإنصاف في القضاء".
"عقليات ذكورية"
ومن جهة أخرى، تطرقت رئيسة "جمعية التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبدو، إلى العنف الذي تتعرض له النساء البائعات في الفضاء العام بالمغرب، موضحة أنه "يأخذ أشكالا متعددة منها التحرش الجنسي والسب والشتم والإهانة والعنف الجسدي وتصوير النساء والتشهير بهن في الفضاء الرقمي".
وتقول عبدو في تصريح لـ"الحرة" إن "هذا العنف يمكن أن يتطور من مجرد معاكسة أو تحرش إلى إيذاء جسدي مباشر للنساء والفتيات في الفضاء العام"، مؤكدة أن "الفضاء العام الذي يفترض أن يكون مشتركا بين النساء والرجال، يحتاج إلى حماية حقيقية ليصبح آمنا من جميع أشكال العنف لأن هناك عقليات ذكورية ترى في وجود النساء بهذا الفضاء تجاوزا غير مقبول".
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى التأثير السلبي للعنف في الفضاء العام على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء، خصوصا البائعات المتجولات، مسجلة أن "العنف اللفظي والجسدي والتحرش يؤدي إلى تراجع النساء عن ممارسة أنشطتهن الاقتصادية مما يهدد مصدر رزقهن".
ظروف قاسية
وأوضحت الكاتبة العامة لـ"النقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ"، لبنى نجيب، أن العاملات في هذا القطاع، خاصة في المؤسسات التعليمية والمستشفيات، يعانين من "استغلال كبير وظروف عمل قاسية"، مشيرة إلى أن أجورهن لا تتجاوز 1200 درهم (حوالي 120 دولارا) رغم أنهن يشتغلن لساعات طويلة تصل إلى 14 ساعة يوميا.
وتضيف نجيب لـ"الحرة": "العاملات بالقطاع يتعرضن لاستغلال مهني وجنسي ويتم تكليفهن بمهام خارج اختصاصاتهن مثل التنظيف في منازل المدراء وأن رفضهن لهذه المهام قد يؤدي إلى طردهن في ظل غياب حماية قانونية فعالة"، مؤكدة أن "هذا الاستغلال يحدث في مؤسسات عمومية يفترض أنها تلتزم بالقانون إلا أن شركات المناولة تلعب دور الوسيط لتغطية الانتهاكات فيما تتنصل المؤسسات المشغلة من مسؤولياتها".
وذكرت نجيب أن غالبية العاملات أميات وغير مدركات لحقوقهن مما يزيد من معاناتهن، وقالت إن "الوزارات الوصية مطالبة بإصدار مذكرات صارمة تلزم الشركات باحترام دفاتر التحملات وتطبيق القوانين الاجتماعية بشكل فعلي، لأن مسؤولية الدولة تكمن في ضمان الحقوق الأساسية لهذه الفئة التي تواجه ظروفا صعبة دون تدخل حقيقي لإنصافها".