"حكم على أخي بالموت، لكنه مات فعلا يوم نطق بحكم الإعدام عليه. لم يعد إنسانا، بل مجرد جسد يعيش عزلة واكتئابا يقتلانه ببطء"، بهذه الكلمات تعبر نوال عابد، شقيقة أحد المحكومين بالإعدام، عن الألم الذي يعايشه شقيقها خلف القضبان، وعن الألم النفسي الذي تعانيه العائلة برمتها، منذ صدور الحكم عام 2019.
ترى نوال (40 سنة) وهي أم لطفلين بمدينة الدار البيضاء (وسط البلاد)، في مقابلة مع "الحرة"، أن الحكم بالإعدام لا يعاقب المذنب وحده، بل يمتد ليعدم عائلته نفسيا واجتماعيا، قائلة "والدنا أصيب بمرض في القلب بسبب هذا الحكم وتوفي بعد ثلاث سنوات فقط".
تؤكد نوال أن أخاها لم يرتكب جريمته عن قصد، بل كان في "حالة غير طبيعية" عندما وقع الحادث، تحكي عن ذلك اليوم أنه "كان يحب صديقته وكان ينوي الزواج بها، وفي لحظة غضب وسكر وقع بينهما نزاع، فدفعها فسقطت على حجر، كانت مريضة بالقلب والسكري، وتوفيت في تلك اللحظة"، معتبرة أن الخطأ الذي ارتكبه كان عفويا، ولم يكن يستحق حكما قاسيا كالإعدام.
وفي هذا الصدد، تدعو نوال بأن يكمل المغرب تصويته الأممي على قرار إلغاء عقوبة الإعدام بإسقاطها من العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي للبلاد، مشيرة إلى أن "هناك أخطاء قضائية كما أن العديد من المدانين ارتكبوا أخطاء في وضعية غير إرادية أودت بحياة أناس آخرين، لكن لا يجب أن تكون حياتهم ثمنا لهذه الأخطاء".
"الإعدام في حالات محددة"
سامي بن ميمون، طبيب أسنان تونسي استقر في طنجة (شمالي البلاد) منذ 26 سنة، وهو زوج إحدى ضحايا المدانين بالإعدام، يتحدث بصوت مثقل بالحزن والغضب عن الجريمة التي أودت بحياة زوجته المغربية وزميلته في العمل دليلة السرغيني قبل أكثر من عقد من الزمن من طرف مستخدمها السابق سفيان، واصفا الجريمة بـ"الاعتداء الشنيع" الذي دمر أسرته، ويقول "هذا جرح لا يبرى... لا أنا ولا أطفالي نستطيع نسيانه، رغم أننا نحاول أن نعيش حياتنا ونستمر".
ويذكر سامي في مقابلة مع "الحرة"، أن عقوبة الإعدام تظل ضرورية في حالات محددة، خاصة عندما يكون الجرم واضحا واليقين ثابتا حول إدانة الجاني، مضيفا أن المجرم قتل زوجته عام 2011 دون سبب واضح وأن تنفيذ الإعدام في هذه الحالة يمثل حقا مشروعا، موضحا أنه "ليس فقط لتحقيق العدالة، بل أيضا لحماية المجتمع من أشخاص خطيرين".
ورغم موقفه الشخصي، يوضح سامي أن رأيه لا يعني تعميم عقوبة الإعدام في كل القضايا، إذ يدرك إمكانية وقوع أخطاء قضائية قد تؤدي إلى إدانة أبرياء كما حدث في تجارب دولية، ويقول "كاين بزاف ديال الأغلاط (هذه الأخطاء كثيرة)، ناس مشات حياتهم بلا ذنب. في هذه الحالات، أنا مع المنظمات الحقوقية التي تدعو لوقف الإعدام".
ويعلق سامي على تصويت المغرب على القرار الأممي بإلغاء عقوبة الإعدام بأنه "أخذ الموقف الذي يراه مناسبا وقد يكون صحيحا لأن هناك أناسا لا يستحقون الموت، إلا أنه في حالتي فالمجرم دمر حياتي كاملة ويستحق الإعدام".
جدل مستمر.. و"خطوة تاريخية"
وتفتح شهادة نوال وسامي الباب أمام نقاش أعمق بشأن تأثير عقوبة الإعدام، ليس فقط على المدانين أو الضحايا، بل أيضا على أفراد أسرهم الذين يعيشون تبعات هذه الأحكام لعقود.
وبين مطالب بالإنصاف للضحايا وأصوات تدعو لإعادة النظر في العقوبة من منطلق حقوقي، تظل قضية الإعدام من أعقد الملفات التي تواجه النظام القضائي المغربي في سعيه نحو التحديث والإصلاح.
وخطا المغرب مؤخرا خطوة مهمة نحو إلغاء عقوبة الإعدام، عقب تصويته في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الأممي الداعي إلى وقف تنفيذ العقوبة تمهيدا لإلغائها، وهو التصويت الأول من نوعه في تاريخ البلاد المتعلق بالعقوبة الأكثر جدلا على المستوى الحقوقي.
ورغم أنها موقوفة التنفيذ منذ عام 1993 إلا أن محاكم المملكة لا تزال تنطق بها، مما يبقي النقاش حول مدى الحاجة إلى حسم هذا الملف بشكل نهائي.
ويأتي هذا القرار بعد سنوات من تصاعد الأصوات الحقوقية التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، معتبرة إياها انتهاكا للحق في الحياة الذي تكفله المواثيق الدولية والدستور المغربي، ومن بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والعديد من الهيئات الحقوقية المحلية والدولية التي دعت مرارا إلى استبدال الإعدام بعقوبات بديلة تحقق العدالة دون المساس بالحق الأساسي في الحياة.
وقد وصف المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية) تصويت المغرب الأخير بأنه "حدث تاريخي"، مؤكدا أن هذه الخطوة تمهد الطريق نحو إصلاح شامل في السياسة الجنائية.