حذر مهنيو قطاع الطب والصيدلة منذ سنوات من ظاهرة بيع الأدوية عبر الإنترنت وتزايد الإقبال عليها.
حذر مهنيو قطاع الطب والصيدلة منذ سنوات من ظاهرة بيع الأدوية عبر الإنترنت وتزايد الإقبال عليها.

في ظل التحول الرقمي الذي يشهده المغرب، تبرز ظاهرة "صيدليات الإنترنت" كإشكالية قانونية وصحية مقلقة، حيث أثارت نقاشا داخل البرلمان مؤخرا، بعد أن نبه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، المغربي أمين التهراوي، إلى أن مكافحتها "تمثل تحديا قانونيا وصحيا كبيرا نظرا لانتشارها المتزايد عالميا".

وأوضح التهراوي خلال مداخلته في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) أن "المؤشرات المتاحة تظهر بوضوح خطورة صيدليات الإنترنت وتأثيرها السلبي على صحة المستهلكين"، مشيرا إلى أنها تتنوع بين مواقع إلكترونية بسيطة وأخرى متطورة تعمل بشكل غير قانوني خارج نطاق الرقابة.

ودعا المسؤول الحكومي إلى التعاطي مع إشكالية "صيدليات الإنترنت" باعتماد مقاربة شاملة توازن بين تسهيل الولوج إلى الدواء واستفادة المواطنين من التحول الرقمي، مع ضمان سلامتهم، وتشديد العقوبات على المتورطين في تسويق الأدوية غير القانونية.

ويأتي رد التهراوي بعد سؤال لعضو مجلس المستشارين، لحسن حداد، حول مكافحة صيدليات الإنترنت، والذي سجل فيه أن الفترة الأخيرة تشهد إقبالا متزايدا على شراء الأدوية والمكملات الغذائية عبر الإنترنت وقلقا كبيرا للمهنيين والسلطات المحلية من عواقب هذه الظاهرة على صحة المواطنين.

وحذر حداد من أن الأدوية المباعة عبر الإنترنت قد تكون مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات مما يهدد سلامة المستهلكين، مطالبا بتعزيز الرقابة وتشديد العقوبات على ممارسات بيع الأدوية عبر الإنترنت وتكثيف التنسيق بين الجهات المعنية لمواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال.

وسبق أن حذر مهنيو قطاع الطب والصيدلة منذ سنوات من ظاهرة بيع الأدوية عبر الإنترنت وتزايد الإقبال عليها، مما يثير تساؤلات حول أسباب استمرار "صيدليات الإنترنت" وسط مخاوف من تداعياتها التي تهدد صحة المستهلكين.

"جريمة متعمدة"

وتعليقا على الموضوع، يذكر الكاتب العام لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أمين بوزوبع، أن استمرار ظاهرة بيع الأدوية عبر الإنترنت يرتبط بمجموعة من العوامل، على رأسها ضعف الرقابة الحدودية من طرف الجمارك، حيث يتم تهريب الأدوية إلى السوق الوطنية قبل الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ويتابع بوزوبع حديثه لـ"الحرة"، أن غياب تتبع صارم من الشرطة الإلكترونية للمواقع التي تسوق هذه المنتجات وضعف البعد التحسيسي يساهمان في تفاقم هذه الظاهرة مما يشكل خطرا كبيرا على صحة وسلامة المواطنين.

وينبه بوزوبع من خطورة بعض الأدوية المنتشرة عبر الإنترنت، مشيرا إلى أن 60% من هذه المنتجات مزورة وفق منظمة الصحة العالمية، وتحتوي أحيانا على مواد سامة مثل المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق، وقال إن "بعض هذه الأدوية يتم تصنيعها في مختبرات سرية ومن بينها أدوية محظورة دوليا".

ويؤكد المتحدث ذاته، أن هذه الظاهرة تمثل جريمة متعمدة تهدد صحة المواطنين وتستغل ضعف وعيهم للحصول على أرباح مضاعفة، موضحا أن الأدوية التي تباع في الصيدليات تخضع لرقابة صارمة تشمل التصنيع والتوزيع والتخزين.

"تهديد للأمن الصحي"

الطبيب والخبير في السياسات الصحية، الطيب حمضي، يعزو استمرار ظاهرة "صيدليات الإنترنت" إلى فرق الثمن حيث تباع هذه الأدوية بأسعار رخيصة جدا مقارنة بالأدوية المرخصة، وأن كثيرا من الناس يلجؤون إلى الأدوية المتاحة عبر الإنترنت لسهولة التشخيص والوعود بعلاج نهائي وسحري.

ويضيف حمضي في تصريح لـ"الحرة"، أن الأدوية التي تباع عبر الإنترنت تشمل أدوية محظورة كأدوية الإجهاض وأدوية مرخصة لكن استعمالها مقنن، إلى جانب أدوية غير مرخصة تماما يتم تصنيعها في مختبرات سرية، مشيرا إلى أن 90% من عمليات شراء الأدوية عبر الإنترنت تتضمن تدليسا، سواء في جودة المنتج أو في المصدر أو حتى في تسليم الدواء.

ويحذر الخبير في السياسات الصحية من خطورة شراء الأدوية عبر الإنترنت "حتى لو كانت شرعية بسبب ضعف الرقابة على التخزين وغياب التبليغ عن الآثار الجانبية"، ويقول إن "المريض نفسه أو البائع هو من يحدد التشخيص، ما يؤدي إلى تفاقم مخاطر التداوي الذاتي".

ويؤكد حمضي أن "ضعف القدرة الشرائية وغياب تغطية صحية فعالة وارتفاع أسعار الأدوية يدفع المواطنين للبحث عن حلول بديلة وغير آمنة عبر الإنترنت رغم أن المغرب يتميز بعدد كبير من الصيدليات (12 ألفا، أي ضعف معايير منظمة الصحة العالمية)، مشددا على ضرورة تطبيق القوانين بصرامة لأن "صيدليات الإنترنت" تهدد الأمن الصحي للبلاد.

الصحة العالمية تدعو لتكثيف حملات التلقيح ضد الحصبة
تفشي الحصبة في المغرب يعود إلى انخفاض معدلات التلقيح (صورة تعبيرية)

شهد المغرب في الفترة الأخيرة انتشارا واسعا لداء الحصبة الذي يعرف محليا بـ"بوحمرون"، حيث سجلت البلاد 120 حالة وفاة و25 ألف إصابة منذ سبتمبر 2023، في ارتفاع غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية.

وتحول هذا المرض إلى وباء في المغرب بعد وضعية انتشار "غير عادية"، وفق تصريحات لمدير مديرية علم الأوبئة بوزارة الصحة، محمد اليوبي، لوسائل إعلام محلية.

وفي ظل تفشي وباء الحصبة بالبلاد، انتقدت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي (معارض)، مؤخرا، "عدم الاكتراث بصحة المغاربة" في سؤال كتابي وجهته إلى وزير الصحة، منبهة إلى أزمة حادة يعيشها قطاع الصحة إثر الانتشار المتزايد لمرض بوحمرون تزامنا مع نقص حاد في الأطر الصحية والتجهيزات، وقالت إنه "وضع مرشح للتفاقم بسبب استمرار الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي تنظمها النقابات الصحية منذ أسابيع".

من جانبها، نبهت نجوى ككوس، النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة (أغلبي)، وزير الصحة، إلى التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في المؤسسات السجنية بعد ارتفاع عدد المصابين بداء الحصبة إلى 83 سجينا منذ ديسمبر 2024، داعية إلى اتخاذ تدابير استعجالية لاحتواء انتشار هذا المرض الشديد العدوى في هذه المؤسسات السجنية المكتظة.

وأثار تفشي الحصبة في الآونة الأخيرة بالمغرب، قلق المواطنين الذين باتوا يتساءلون عن أسباب ارتفاع حالات الإصابة وخطورة الوضع الحالي وسبل مواجهته خاصة مع سرعة انتشار المرض بين الفئات الأكثر هشاشة.

"انخفاض معدلات التلقيح"

وفي تعليقه على الموضوع، يرى الطبيب الأخصائي في طب الأطفال، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية، سعيد عفيف، بأن تفشي الحصبة في المغرب يعود أساسا إلى انخفاض معدلات التلقيح، حيث انخفضت التغطية في بعض المناطق إلى 60٪ بدلا من 95٪ المطلوبة لمنع انتشار العدوى، مؤكدا أن الحصبة من أكثر الأمراض المعدية التي يمكن للمصاب بها أن ينقل الفيروس إلى 12 إلى 18 شخصا.

وتابع عفيف حديثه لموقع "الحرة"، أن "خطورة تفشي الحصبة تكمن في غياب علاج محدد للمرض إذ يقتصر التدخل الطبي على معالجة الأعراض مثل الحمى أو العدوى الثانوية"، وأضاف أن الحل الوحيد والفعال للوقاية من الحصبة هو التلقيح بجرعتين، مشددا على أن "اللقاح آمن وناجع ويستخدم عالميا منذ أكثر من أربعين عاما".

وأكد الأخصائي في طب الأطفال أن مواجهة تفشي الحصبة تتطلب تضافر جهود جميع الجهات، مشيرًا إلى الحملات الاستدراكية والتحسيسية التي أطلقتها وزارة الصحة بدعم من وزارات الداخلية والتربية والأوقاف. وأشاد بمبادرات التوعية في المدارس والمساجد، مبرزًا أن التلقيح لا يحمي الفرد فقط بل يساهم في تحقيق حماية جماعية فعالة ضد المرض.

"إعلان حالة طوارئ"

وانتقد رئيس "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة"، علي لطفي، تعامل السلطات المغربية مع انتشار فيروس الحصبة، مشيرا إلى أن تحذيرات منظمة الصحة العالمية عام 2023 حول إمكانية تفاقم الوضع لم يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة. وقال إن "التهاون في اتخاذ تدابير استباقية ساهم في تفاقم الوضع وتسجيل عشرات الوفيات وآلاف الإصابات معظمها في صفوف الأطفال غير الملقحين".

ويضيف لطفي في تصريح لموقع "الحرة"، أن فيروس الحصبة شديد العدوى وينتشر عبر الهواء بسرعة فائقة، مما يجعله خطيرا بشكل خاص في أماكن الاكتظاظ مثل المدارس والسجون، داعيا إلى "إعلان حالة طوارئ صحية على المستوى الوطني لمكافحة انتشار المرض، من خلال تعزيز برامج التلقيح وإطلاق حملات تحسيسية بالتعاون مع وزارتي الداخلية والتعليم، بهدف تطويق المرض والتقليل من تداعياته الوخيمة".

وربط لطفي بين ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الحصبة وضعف المناعة لدى الأطفال، الناتج عن سوء التغذية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، خاصة في المناطق الفقيرة، محذرا من ترويج المعلومات المضللة حول مخاطر اللقاحات والتي ساهمت في إحجام بعض الأسر عن تلقيح أطفالها.

"معلومات مغلوطة"

ومن جانبه، ذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن عودة انتشار الحصبة في المغرب مؤخرا يرجع إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها تراجع الإقبال على التلقيح، خاصة بعد جائحة كورونا، وانتشار المعلومات المغلوطة التي تخيف المواطنين من تلقي اللقاحات. مشيرا إلى أن "هذه الإشاعات التي غالبا ما يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تروج لآثار جانبية نادرة وغير دقيقة، مما أدى إلى تراكم أعداد كبيرة من الأطفال غير الملقحين وعدم الالتزام بالجدول الوطني للتلقيح".

وأوضح بايتاس في ندوة صحفية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، الخميس، أن وزارة الصحة اتخذت سلسلة من التدابير العاجلة لمواجهة تفشي المرض، شملت إرساء نظام يقظة وتتبع على مستوى المركز الوطني للعمليات الطارئة للصحة العامة و12 مركزا إقليميا للطوارئ الصحية. كما أطلقت حملة وطنية استدراكية للتلقيح ضد الحصبة، بدأت في 28 أكتوبر 2024 وتم تمديدها لضمان وصولها إلى الفئات المستهدفة.

ودعا بايتاس جميع المواطنين وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى دعم هذه الحملة الوطنية والتصدي للإشاعات المضللة التي تهدد صحة الأطفال، مؤكدا أن حملة التطعيم ضد الحصبة ما زالت جارية في المراكز الصحية.