وقائع الجريمة تعود إلى العام الماضي حين تعرضت الطفلة لاغتصاب متكرر 

في حادثة مروعة شهدتها إحدى القرى بمنطقة العطاوية ضواحي مراكش بجنوب المغرب، تعرضت طفلة قاصر تعاني من إعاقة عقلية لاغتصاب جماعي متكرر من طرف ثلاثة رجال، وأسفرت هذه الجريمة عن حمل الطفلة وولادتها عبر عملية قيصرية مؤخرا.

الشكدالي بوزضاض (41 سنة) وهو أب لخمسة أطفال من بينهم ابنته الوسطى التي تعرضت للاغتصاب، يعيد رواية تفاصيل هذه الحادثة لموقع "الحرة". 

ويقول بوزضاض "عرفنا بالحمل في شهر سبتمبر الماضي خلال بداية الدخول المدرسي، حيث كنت أعمل "كسّالا" (مدلك ومنظف) في حمام شعبي بالدار البيضاء وتلقيت اتصالا من عائلتي بأن الأطفال في المدرسة يتحدثون عن حمل ابنتي التي تدرس في المستوى الخامس ابتدائي".

يضيف الشكدالي أنه في ذلك اليوم عاد بسرعة إلى بيته في قرية "أولاد عراض"، وأخذ ابنته من المدرسة وسألها عما قيل لكنها كانت تبكي وتنفي بشدة وهي تقول له "بابا ماكاين والو".

وبعد أيام من الشكوك والمعاناة، قرر الأب المكلوم اصطحاب ابنته إلى المستشفى يوم عيد المولد النبوي (16 سبتمبر)، ليفاجأ بعد الفحص أن ابنته حامل منذ خمسة أشهر ونصف، "كيف ومتى، لم أصدق ولم أفهم شيئا"، يقول الأب بصوت مختنق بالألم.

الأب لم يستوعب الموقف في البداية، لكنه توجه في نفس اليوم إلى الدرك الملكي بالعطاوية، وهناك بدأت القصة تتكشف.  

"قلت لهم إن ابنتي حامل، وأعطيتهم ورقة الفحص الطبي، وعندما سألوها، ذكرت لهم أسماء المعتدين الثلاثة، وكلهم رجال تم القبض عليهم تتراوح أعمارهم بين 54 و70 عاما، وكلهم جيراننا في الدوار وقد اعترفوا بجريمتهم التي ارتكبوها مرات كثيرة".

يحكي الأب كيف كانت ابنته تعاني في صمت تحت وطأة التهديد والخوف، ويشير إلى أنها لم تخبره بالاعتداءات المتكررة عليها بسبب مخاوفها من تهديدات المعتدين الذين كانوا يستغلون إعاقتها ويهددونها بأنها ستفقد والدها إذا أفشت السر.

وقال: "قالت لي، بابا خفت عليك. أنت اللي كاتخدم علينا وتمشي للحبس بسببهم".

وبشأن إعاقتها، يوضح الأب أن سلطات الدرك الملكي عندما نقلتهم في اليوم الموالي إلى قلعة السراغنة لعرض الطفلة على مركزين صحيين تم للتأكد من حالة حملها بالإضافة إلى اكتشاف أنها في نفس الوقت تعاني من خلل عقلي خفيف.

وفي رده عن عدم عرض ابنته لعملية إجهاض طفلها، كان رده حاسما "لم أستطع أن أقتل نفسا بريئة. هذا الطفل جزء من عائلتي، وأنا مستعد لتحمل مسؤوليته مهما كان. لدي خمسة أطفال، وقد ربيتهم بتعب وشقاء عبر عملي، ولن أترك هذا الطفل يعاني بسبب ذنب لم يرتكبه".

عانت الأسرة كثيرا بعد الواقعة، حيث اضطر الأب لمغادرة قريته بحثا عن حياة جديدة بعيدا عن نظرات الناس وكلامهم. 

يقول: "لم أعد أستطيع البقاء هناك، نظرات الناس وكلامهم كانا يزيدان من ألمي. تركت منزلي وانتقلت إلى مكان آخر، والآن، أعيش حياة صعبة".

وحاليا، تنتظر العائلة جلسة جديدة لمحكمة الاستئناف بمراكش يوم الأربعاء المقبل، بعد أن تم تأجيل ثلاث جلسات بسبب غياب الضحية التي لم تتوصل بإشعار الحضور نظرا لتنقلات الأسرة. 

ويأمل الأب في تحقيق العدالة وإنصاف ابنته، ويقول "أطالب بحق ابنتي وبمعاقبة هؤلاء المعتدين، وأريد أن أُثبت نسب الطفل وأحميه من وصمة العار".

غضب حقوقي

خلفت هذه الواقعة موجة غضب واسعة داخل المجتمع المغربي، ودفعت منظمات حقوقية إلى إصدار بيانات تستنكر "جريمة الاغتصاب الجماعي لطفلة من حاملي الإعاقة عمرها 13عاما نتج عنه حمل وولادة"، داعية إلى تشديد العقوبات.

في هذا السياق، رفعت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع العطاوية تملالت"، رسالة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تطالب فيها باتخاذ أقوى درجات الردع القانوني ضد الجناة. 

وأكدت أن "الأفعال الصادرة عن هؤلاء الأشخاص انتهاكات فظيعة لحقوق الطفل وجرائم قد ترقى إلى الاتجار في البشر وممارسة التعذيب والايذاء البدني والنفسي".

ويقول سعيد الفاضلي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعطاوية – تملالت، في تصريح لمقوع "الحرة"، إنه من المقرر إجراء فحص الحمض النووي لتحديد الأب البيولوجي للمولود. 

وأكد أن الجمعية قد نصبت نفسها كطرف مدني في القضية، وستواصل دعم الضحية وعائلتها لضمان محاكمة عادلة وكشف جميع خيوط هذه الجريمة البشعة.

وبدورها، اعتبرت "المنظمة المغربية لحقوق النساء في وضعيات إعاقة"، في بيان، أن الجريمة تكشف على هشاشة وضعية النساء والفتيات ذوات الإعاقة في المغرب. 

وتقول إنها "حادثة ليست معزولة بل جزء من مشكلة أوسع تتمثل في العنف ضد المرأة والفتاة وتقاطعها مع الإعاقة".

ودعت  المنظمة الحقوقية إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحية وأسرتها، وتعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التمييز والإهمال الذي تتعرض له هذه الفئة.

وأعادت هذه الجريمة إل الأذهان قضايا مشابهة سبق أن أثارت جدلا داخل المجتمع المغربي، من بينها قضية الطفلة سناء.

وكانت سناء تعرضت لاغتصاب جماعي من ثلاثة رجال في ضواحي مدينة تيفلت، وقضت محكمة الاستئناف بالرباط في حق المتهمين أحكاما تتراوح ما بين 20 و10 سنوات سجنا نافذا.

المغرب

"صرخات في العتمة" لنساء في المغرب

فؤاد الفلوس - الرباط
06 فبراير 2025

"كانوا يضربونني باستمرار، ويخرجونني إلى الشارع، حتى أطفالي لم يسلموا، زوجي كان يخنقني ويضرب طفلتي ذات الـ3 سنوات ويروع رضيعي البالغ سبعة أشهر"، هكذا تلخص حياة (18 سنة) من مدينة ورزازات (جنوب المغرب)، معاناتها مع العنف الذي تحول إلى جزء من حياتها اليومية.

تقول حياة، لموقع "الحرة"، إنها تزوجت حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها من رجل يكبرها بتسع سنوات، بعد ظروف قاسية بسبب تخلي والدتها عنها وتعرضها لاعتداءات متكررة من زوجة والدها، لتواجه العنف المستمر من زوجها وعائلته على مدار تسع سنوات، حيث تعرضت لكدمات وجروح وكسور ولا تزال آثار العنف على جسدها. بحسب تعبيرها.

رغم سنوات العنف، لم تكن حياة تملك رفاهية الهروب، فكلما لجأت إلى السلطات وقدمت شكاية ضد زوجها، كانت تجد نفسها بلا مأوى، تنام في الشوارع مع أطفالها، حتى تضطر للعودة والتنازل عن شكايتها.

ومع كل مرة تعود فيها يزداد العنف، ولم يكن الأمر مجرد ضرب بل إهانة وحرمان "كانوا يعاملونني كخادمة، أجبروني على غسل أقدامهم، وتقليم أظافرهم، بينما كنت أحلم فقط بأن أعيش بكرامة". تضيف حياة.

اليوم، تعيش حياة في حالة نفسية صعبة، حيث تتناول أدوية الاضطرابات العصبية بشكل يومي، وقررت أن تطالب بالطلاق إلا أنها تخشى أن ينتزع منها أطفالها أو تجد نفسها مجددا بلا مأوى.

"لا أريد سوى بيت يأويني، بعيدا عن العنف... لا أريد لأطفالي أن يكبروا وسط هذا الجحيم"، تقول بحزن، متسائلة عن مستقبلها ومستقبل أطفالها وسط هذه المعاناة المستمرة حيث تعجز عن اتخاذ قرار ينهي معاناتها.

آثار العنف

وتتقاطع هذه المعاناة مع قصة فاطمة التي تزوجت عام 2008 على أمل بناء حياة مستقرة، رغم أن زوجها كان يعاني من نوبات صرع ولم يكن له عمل ثابت.

دعمت علاجه وتحسنت حالته الصحية، لكنها سرعان ما اكتشفت أن مشكلته الحقيقية لم تكن المرض بل العنف، إذ بعد عامين من الزواج، تلقت أولى الصفعات، لكنها التزمت الصمت خوفا من مواجهة عائلتها التي كانت ترفض هذا الزواج منذ البداية.

توضح فاطمة، لموقع "الحرة"، أن العنف تحول إلى روتين يومي في حياتها، حيث كانت تُضرب لمجرد دفاعها عن أطفالها أو بسبب خلافات بسيطة حول شؤون المنزل، مضيفة أن العنف بلغ ذروته خلال جائحة كورونا، حيث ضربها بقوة حتى فقدت وعيها، وحين استفاقت وجدته يجرها إلى غرفة أخرى، مهددا: "إذا كان لك أحد يحميك، فدعيه يأتي الآن".

وتحكي فاطمة أنها تعرضت في إحدى الليالي لاعتداء آخر عنيف، فجمعت أطفالها وتوجهت إلى السلطات وقدمت شكاية.

بيد أن استدعاء الزوج لم ينفذ بعد وساطة من العائلة، لكنها أدركت أن العنف لن يتوقف حيث استمر التهديد حتى استقال زوجها من عمله ليحرمها من أي نفقة قانونية، مهددا إياها بالتنازل عن مستحقاتها القانونية إذا أرادت الطلاق.

واليوم، تعيش فاطمة في مدينة الفقيه بن صالح بعد أن غادرت منزلها رفقة أطفالها الثلاثة وهي تحمل آثار العنف الذي امتد إلى أطفالها، حيث يعاني ابنها الأكبر (15 سنة) من التبول اللاإرادي بسبب الضغط النفسي، وابنتها الوسطى تحمل خوفا عميقا من جميع الرجال.

"كنت أظن أنني قادرة على التغيير"، تقول فاطمة، لكنها وجدت نفسها اليوم تكافح من أجل الحصول على الطلاق وضمان مستقبل أطفالها.

معركة قانونية

في عام 2006، تزوجت فتيحة عام 2006 على أمل بناء حياة مستقرة، وساهمت بذهبها وجهدها في بناء المنزل الذي جمعها بزوجها. لكنها سرعان ما أدركت أن هذا الاستثمار العاطفي والمادي لن يحميها من العنف.

فمع مرور السنوات، بدأ زوجها يمهد لفكرة الزواج بأخرى، وطلب منها التوقيع على الإذن بالتعدد وحين رفضت، ازدادت حدة الاعتداءات.

تروي فتيحة لموقع "الحرة"، أن العنف تصاعد منذ عام 2021، فلم يعد يقتصر على الضرب، بل شمل محاولات الخنق والتهديد بالقتل، وفي إحدى الليالي هاجمها عند باب المنزل، فارتطم رأسها بالحائط قبل أن ينهال عليها بالضرب حتى كُسرت يدها. وفي حادثة أخرى خنقها بنقابها حتى كادت تفقد الوعي.

وتؤكد فتيحة، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها قدمت شكايات مدعمة بشهادات طبية تثبت الإصابات، لكنها لم تحصل على حماية فعالة، وفق تعبيرها.

وفي إحدى الحالات، حكم عليه بالسجن أربعة أشهر مع غرامة مالية، لكنه بعد انقضاء المدة عاد ليكرر الاعتداءات.

ورغم طلاقها في ديسمبر 2023، استمر العنف ضد فتيحة من طرف زوجها السابق الذي يهددها بالطرد من البيت بعد أن باع طابقين منه.

وقالت "أخوض اليوم معركة قانونية ضد العنف والاغتصاب والتحرش الذي أتعرض له من طرف زوجي السابق رغم الطلاق".

تصاعد مستمر

تكشف شهادات حياة وفاطمة وفتيحة عن واقع مؤلم تتقاسمه العديد من النساء في المغرب، العنف الذي يبدأ داخل جدران البيت ويتحول إلى كابوس مستمر حتى بعد الفرار أو الطلاق.

ورغم أن الاعتداءات على النساء ليست جديدة، فإن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي جعل بعض هذه الجرائم أكثر وضوحا، كما حدث مؤخرا مع مقطع الفيديو الذي وثّق اعتداء عنيفا لشخص على ثلاث نساء في منطقة العوامرة نواحي مدينة العرائش، مما أثار موجة استنكار واسعة.

وترى رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبدو، في تصريح لموقع "الحرة"، أن العنف ضد النساء في تصاعد مستمر، وأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورا مزدوجا، حيث تساهم في كشف الانتهاكات وتحريك الجهات المختصة، لكنها في الوقت ذاته قد تزيد من معاناة الضحايا بسبب التشهير بهن.

وتضيف عبدو "رغم أن نشر هذه المقاطع يسلط الضوء على خطورة الوضع، فإن غياب الحماية الفعلية يطرح تساؤلات حاسمة حول تلقي الناجيات للدعم القانوني والنفسي الذي يحتجن إليه ومدى فعالية القوانين في ردع المعتدين وعدم تكرار هذه الجرائم"، منتقدة العقوبات المخففة بحق الجناة بكونها تعزز الإفلات من العقاب.

وذكرت الناشطة الحقوقية أن النساء يواجهن أيضا تعقيدات إجرائية تثقل كاهلهن، إذ يجبرن على التنقل بين مراكز الشرطة والمستشفيات والنيابة العامة وإعادة سرد معاناتهن عدة مرات، مما يزيد من صدمتهن النفسية، داعية إلى تبسيط هذه الإجراءات وتوفير مساعدة قضائية مجانية للضحايا، إلى جانب تفعيل وسائل حماية أكثر فاعلية.

تغييرات مجتمعية

ومن جانبها، ترى المحامية عضوة المكتب الوطني لـ"فدرالية رابطة حقوق النساء"، سعاد بطل، أن القانون رقم 103.13 يمثل خطوة مهمة في محاربة العنف ضد النساء، لكنه يواجه صعوبات في التطبيق، خصوصا فيما يتعلق بإثبات العنف داخل البيت الزوجي.

وقالت "بسبب غياب الشهود وامتناع المجتمع عن التدخل، تجد الضحايا أنفسهن عاجزات عن تقديم أدلة قانونية كافية لحماية حقوقهن".

وتتابع بطل حديثها لموقع "الحرة"، مؤكدة أن كثيرا من الضحايا يشعرن بالإحباط حتى بعد صدور أحكام ضد المعتدين، لأن العقوبات لا تكون منصفة في نظرهن، ولا تعكس حجم المعاناة التي تعرضن لها. مشيرة إلى أن العنف الزوجي يستخدم أحيانا كوسيلة لابتزاز المرأة ودفعها إلى طلب الطلاق والتهرب من الالتزامات المالية للزوج.

وتعتبر بطل أن مواجهة العنف ضد النساء لا يمكن أن تقتصر على القوانين فقط، بل تتطلب تغييرات مجتمعية جذرية تشمل التربية داخل الأسرة والمناهج التعليمية والتوعية الدينية، مؤكدة أنها كلها عوامل تلعب دورا أساسيا في تكريس ثقافة مناهضة للعنف.

وتشدد أن العنف ليس مجرد سلوك فردي، بل هو ظاهرة مترابطة بعوامل نفسية واجتماعية وتربوية، داعية إلى تعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في التوعية، وإلى تطبيق القانون بصرامة لضمان تحقيق العدالة وحماية النساء من العنف الممنهج الذي يعانين منه يوميا.

فؤاد الفلوس