تثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اهتماما واسعا في المنطقة المغاربية، خاصة في ما يتعلق بمستقبل "الصحراء الغربية". وكان ترامب قد أصدر في نهاية ولايته الأولى قرارا نص على اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الإقليم.
هل سيعيد النظر في قراره التاريخي ذاك؟
"من المستحيل التنبؤ بشكل كامل بكيفية تموضع ترامب"، في السياسة الخارجية، يقول كبير زملاء السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هيو لوفات لموقع "الحرة".
ويضيف أن الرئيس الأميركي دعم المغرب من فترته الرئاسية الأولى، وقد يضاعف دعمه للمطالب المغربية في الصحراء الغربية في ولايته الثانية. لكن ترامب "محب لإبرام الصفقات" أيضا، يقول لوفات.
وجاء الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في إطار "اتفاقيات أبراهام"، في الأسابيع الأخيرة من ولاية ترامب الرئاسية الأولى عام 2020.
"ترامب أبرم بالفعل صفقة مع المغرب وحصل على ما يحتاجه من الرباط" وهو التطبيع مع إسرائيل، يقول لوفات، لكن "ما الذي يمكن الحصول عليه من المغرب بعد؟".
يتابع الخبير المختص في شؤون شمال أفريقيا أن ترامب "قد يُغرى" باحتمال إبرام صفقة تاريخية بين الولايات المتحدة والجزائر لسحبها من مدار روسيا، ودعم المصالح التجارية والأعمال الأميركية وتعزيز الانفراج بين الجزائر والرباط.
ويوضح لوفات أن هذا قد يتناسب مع "رغبة ترامب المعلنة في أن يكون صانع سلام ينهي الحروب ويفوز بجائزة نوبل للسلام".
أما الجزائر، فإن "الثمن الذي سيطلبه الجزائريون في مثل هذه الصفقة سيكون تقدما دبلوماسيا موثوقاً نحو حق تقرير مصير الصحراء الغربية، بما في ذلك الضغط الدبلوماسي الأميركي على الرباط، في هذا الصدد".
"تطلعات المغرب"
وبينما يركز لوفات على إمكانية أن يغير ترامب موقفه من قضية الصحراء الغربية، ترى تحليلات مغربية أن ترامب سيعزز موقفه السابق.
يقول الخبير المغربي في العلاقات الدولية، حسن بلوان، إن المغرب يتطلع لأن تكون الولاية الثانية لترامب "محطة حاسمة في الاعتراف الأميركي بسيادته على الصحراء لطي هذا النزاع المفتعل بشكل نهائي".
ويشير بلوان في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن الرباط "تنتظر (من إدارة ترامب) اتخاذ مواقف قوية أكثر وضوحاً في قضية الصحراء وطي صفحة التردد التي كانت سائدة مع الإدارة السابقة رغم محافظتها على الموقف الداعم لمغربية الإقليم الصحراوي.
ومنذ توليها السلطة عام 2021، تميزت مقاربة الإدارة الديمقراطية لملف الصحراء الغربية بنهج دبلوماسي حذر، يقوم على تأكيد استمرارية السياسة الأميركية دون تغيير من جهة، مع إبداء الدعم المتواصل لجهود المبعوث الأممي للصحراء من جهة أخرى.

وانعكس هذا الموقف بشكل جلي في تصريحات كررها كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية، خلال السنوات الأربع الماضية، إذ حرصوا على تأكيد اتباع الإدارة مسارا متوازنا يجمع بين ثبات موقفها في دعم السيادة المغربية على الإقليم من جهة، ودعم الجهود الأممية لحل النزاع من جهة ثانية، دون أن تتخذ إدارة بايدن خطوات عملية لترجمة قرار الاعتراف على أرض الواقع.
في هذا الجانب، يوضح الخبير المغربي أن طموحات الدبلوماسية المغربية بعد عودة ترامب "كبيرة"، موضحا، أن المملكة لا تنتظر فقط استمرار إعلان دعم سيادتها على الصحراء وفتح تمثيلية دبلوماسية في مدينة الداخلة بالصحراء، بل تراهن أيضا على انخراط واشنطن بقوة في حل شامل للملف.
"نقطة تحول"
تمتد الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع، وتتمتع بثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات.
وتصنفها الأمم المتحدة "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي"، وهي محور نزاع مستمر منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
وتسيطر الرباط على نحو 80 في المئة من هذا الإقليم، وتقترح منحه حكما ذاتيا تحت سيادتها، في حين تطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، في نزاع مستمر منذ عام 1975.
وشكل حصول المغرب على الدعم الأميركي نقطة تحول في مسار القضية، إذ عزز موقف الرباط في مفاوضاتها مع الدول الأوروبية، وأدى إلى تغيير جذري في الموقف الإسباني.
أعلنت مدريد للمرة الأولى رسميا، عام 2022، تأييدها للمقترح المغربي بوصفه "الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع"، وأنهت بذلك خلافا دبلوماسيا كبيرا بين البلدين.
كما أعلنت فرنسا، في يوليو الماضي، اعترافها الصريح بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي، واعتبرته "الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية".
وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون، هذا الموقف في زيارته للمغرب، أواخر أكتوبر الماضي، حيث قال إن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية".
ومنذ الاعتراف الأميركي والانخراط في "اتفاقيات إبراهيم"، وطدت الرباط أيضا علاقاتها مع إسرائيل. وبلغ العلاقات بين البلدين محطة بارزة أخرى مع اعتراف إسرائيل في يوليو 2023 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وفق تقييم "معهد واشنطن".
وفي يوليو 2023، بعد اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء مباشرة، دعا الملك محمد السادس، رئيس الوزراء، الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو إلى زيارة البلاد.
غير أن اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابق من أكتوبر ألقى بظلال من الشك بشأن متانة العلاقات بين إسرائيل والمغرب.
وانتقد المغرب، الذي أدان في 7 أكتوبر استهداف المدنيين "من جهة كانت"، في الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمرا بإخلاء بعثاتها الدبلوماسية في عدد من العواصم، بينها الرباط، لأسباب أمنية.
وبشأن ما إذا كان للتطورات في منطقة الشرق الأوسط أي تأثير محتمل على موقف من قضية الصحراء الغربية، يستبعد مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، وجود أي تداعيات سلبية.
إن الأزمة في الشرق الأوسط لم تؤثر سلبا على الملف، بل على العكس، شهدت الفترة الأخيرة مواقف أوروبية أكثر قوة في دعم مبادرة الرباط للحكم الذاتي في الصحراء، وخاصة من الجانب الفرنسي، يقول الفاتحي لموقع "الحرة".
ويركز المغرب في الوقت الراهن، وفق الفاتحي، على "حصر ملف الصحراء في إطار الدول المؤثرة في مجلس الأمن"، مشيرا إلى أن الرباط تواصل "التنسيق الدبلوماسي والاقتصادي"، خاصة واشنطن في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
يرى الفاتحي أن الولايات المتحدة بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن ومكانتها الدولية ـ إلى جانب فرنسا ـ يمكنها الدفع نحو تسوية سياسية للملف على أساس مبادرة الحكم الذاتي.
ويضيف الفاتحي أن تعيين ماركو روبيو، "صديق المملكة المغربية، وزيرا للخارجية الأميركية يفتح آفاقا واعدة لتسريع تنفيذ التعهدات الأميركية" بشأن الصحراء.
على "ميزان الربح والخسارة"
يتفق أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، حسام حمزة، مع رؤية لوفات، بأن مقاربة ترامب لملف الصحراء الغربية ستحكمها اعتبارات "المقايضة والمصالح".
يقول حمزة لموقع "الحرة"، إن الرئيس الأميركي "معروف بأنه رجل صفقات يحسب كل قرار بميزان الربح والخسارة المادية".
ويضيف الخبير في العلاقات الدولية أن المغرب "لا يملك حاليا، لا سيما اقتصاديا، ما يمكن أن يستميل به الإدارة الأميركية عدا علاقاته مع بعض الشخصيات المقربة من ترامب".
ويرى حمزة أن الفرصة "متاحة لمؤيدي حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، وخاصة الجزائر"، لاستثمار "عقلية ترامب التجارية".
ويعتقد أن استخدام "ورقة الاستثمار في حقول النفط البحرية"، قد يؤدي إلى إحداث "تغييرات غير متوقعة" في الموقف الأميركي من الملف لصالح "أطروحة تقرير المصير المتبناة أمميا".
وتوسطت الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991، وأنشأت بعثة لحفظ السلام لمراقبة الهدنة والمساعدة في إعداد استفتاء حول مستقبل الإقليم.
نحو إنهاء النزاع
وكرر مجلس الأمن في أكتوبر الماضي، دعوته أطراف النزاع إلى "استئناف المفاوضات" للتوصل إلى حل "دائم ومقبول من الطرفين".
وصادق مجلس الأمن، في سبتمبر، على قرار يدعو إلى إيجاد حل سياسي "واقعي ومقبول" لنزاع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، في خطوة شملت تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة لمدة عام.
ولإنهاء النزاع، يعتقد لوفات أنه ينبغي على الإدارة الأميركية الضغط على المغرب للانخراط في مناقشة تفاصيل مقترح الحكم الذاتي لتوفير صيغة موثوقة من تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.
ويضيف أن بإمكان واشنطن تقديم حوافز اقتصادية وسياسية كبيرة لتشجيع البوليساريو على قبول نموذج تفاوضي للحكم الذاتي يقع بين الاستقلال التام والاندماج الكامل في المغرب.
ويتابع أن هناك إمكانية لإبرام صفقة بين الولايات المتحدة والجزائر من شأنها تخفيف التوترات مع المغرب مع توليد ضغط جزائري على البوليساريو لقبول حل وسط.
واعتبر الخبير في شؤون شمال أفريقيا أن فعالية الدور الأميركي في المرحلة المقبلة ستتوقف على مدى قدرته على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية، في إطار القانون الدولي.