تشهد الساحة الحقوقية في المغرب نقاشا حادا حول إجراءات قضائية طالت نشطاء ومدونين، إذ يرى حقوقيون أنها تأخذ طابعا انتقاميا ضد الأصوات المنتقدة، بينما تؤكد السلطات أنها تطبيق صارم للقانون.
من بين أبرز القضايا، متابعة أفراد من عائلة اليوتيوبر الشهير هشام جيراندو المقيم في كندا، بتهم التشهير والابتزاز بمن فيهم ابنة شقيقته ملاك (13 سنة)، وهو ما اعتبرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان "ضغطا على المدون بسبب فضحه ملفات فساد".
ودعت "لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين بالدار البيضاء"، إلى وقفة احتجاجية، الخميس، تضامنا مع الطفلة ملاك، معتبرين أن "اعتقالها جريمة سياسية في حق الطفولة المغربية".
وفي السياق نفسه، أدين الناشط الحقوقي، فؤاد عبد المومني، الاثنين، بـ 6 أشهر حبسا نافذا بتهم بينها "نشر ادعاءات كاذبة " في تدوينة على فيسبوك، وسط انتقادات لمتابعته وفق القانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر.
كما أثار الحكم الصادر الثلاثاء، على سعيد آيت مهدي، رئيس تنسيقية ضحايا زلزال الحوز، جدلا واسعا، بعد أن قضت محكمة الاستئناف في مراكش برفع عقوبته إلى سنة حبسا نافذا بعدما كانت ابتدائيا ثلاثة أشهر. واعتبر حقوقيون أن محاكمته انتقامية لدفاعه عن حقوق المتضررين.
"تصفية حسابات"
وقال محمد، شقيق هشام جيراندو، لموقع "الحرة"، إن "اعتقال أفراد من عائلته، بمن فيهم قاصر هو مؤشر على طابع انتقامي لهذه المتابعات".
وأضاف أن عدم منح أقاربه "السراح المؤقت رغم عدم وجود سوابق يؤكد أن القضية تتجاوز تطبيق القانون إلى تصفية حسابات مع شقيقه".
وتابع أنه "رغم تحفظه على بعض مواقف شقيقه هشام وأسلوبه الذي ربما تجاوز فيه بعض الخطوط الحمراء، لكن ذلك لا يبرر معاقبة أسرته بكاملها".
ولفت إلى أن ما يحدث هو "محاولة لتخويف كل من يجرؤ على فضح الفساد، وليس مجرد تطبيق للقانون".
وأعرب محمد عن استغرابه إزاء "متابعة قاصر في سن 13 عاما ضمن هذه القضية بدل تمكينها من متابعة دراستها مما يعكس غياب أي مرونة أو مراعاة للجانب الإنساني وعدم توفر شروط المحاكمة العادلة".
واعتبر أن هذه المتابعات تسيء إلى صورة القضاء في الداخل والخارج.
"ضمانات قانونية"
وفي المقابل، أكدت النيابة العامة بالدار البيضاء أن متابعة خمسة أشخاص من عائلة هشام جيراندو جاءت بناء على شكاية سيدة تعرضت للتشهير والابتزاز.
وأشارت إلى أن الأبحاث أظهرت تورطهم في المشاركة بجرائم التشهير والتهديد، مع تلقي بعضهم تحويلات مالية متحصلة من هذه الأفعال.
وأوضح نائب وكيل الملك بالمحكمة الزجرية عين السبع بالدار البيضاء، جمال لحرور، في مؤتمر صحفي، أن التحقيقات كشفت استخدام الفتاة القاصر شرائح هاتفية لدعم المشتبه فيه الرئيسي في ارتكاب أفعال التهديد والتشهير.
وأكد إحالتها على قاضي الأحداث الذي قرر إيداعها بمركز لحماية الطفولة وفقا للمقتضيات القانونية المعمول بها.
وشدد لحرور على أن المشتبه فيهم حظوا بكافة الضمانات القانونية، بما فيها الحق في الاستعانة بمحام.
واعتبر أن المتابعات تستند إلى أدلة مادية وتقنية، مع استمرار التحقيقات لإيقاف باقي المتورطين في القضية.
"تراجع خطير"
ويؤكد رئيس "الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان"، إدريس السدراوي، رفضه أي تضييق على حرية التعبير.
وشدد على أن هذا الحق مكفول دستوريا ودوليا.
وقال السدراوي، لموقع "الحرة"، إن "متابعة نشطاء ومدونين، مثل فؤاد عبد المومني، تمثل تراجعا خطيرا في احترام التزامات المغرب الحقوقية".
ورأى أن قضية هشام جيراندو تتجاوز حرية التعبير، مشيرا إلى أن "ما قام به يندرج ضمن التشهير ونشر ادعاءات غير صحيحة، وهو ما يستوجب التفريق بين حرية الرأي والجرائم الإلكترونية، ويشدد على ضرورة احترام القوانين دون المساس بالحقوق الأساسية".
ولفت السدراوي إلى أن المغرب، كرئيس للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مطالب بالالتزام بالمعايير الدولية.
وانتقد "تساهل السلطات مع بعض المتورطين في جرائم التشهير"، داعيا إلى "تطبيق القانون بعدالة على الجميع، دون استهداف انتقائي للنشطاء الحقوقيين".
"سيادة القانون"
ومن جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، أن دولة القانون تقتضي تطبيق القوانين على الجميع دون استثناء.
وقال لزرق، لموقع "الحرة"، إن الصفة الحقوقية أو غيرها لا تمنح حصانة ضد المتابعة القضائية، مضفا أن "المطلوب هو ضمان المحاكمة العادلة وسيادة القانون بشكل متساو على الجميع".
وتابع أن الحديث عن توظيف القضاء لقمع الأصوات المنتقدة غير دقيق لأن المغرب يلتزم بفصل السلط ويضمن علنية المحاكمات.
واعتبر لزرق أن "بعض الأطراف تحاول التشويش على المسار الديمقراطي بينما المطلوب هو محاكمات عادلة وفق المعايير المتعارف عليها دوليا".
وبخصوص متابعة القاصر في قضية هشام جيراندو، أوضح لزرق أن القانون المغربي ينظم التعامل مع القاصرين ويوجب إحالتهم إلى مراكز الطفولة، بغض النظر عن صلة قرابتهم بأي شخص.
وشدد على أهمية احترام المؤسسات القضائية وعدم استخدامها كأداة في صراعات سياسية أو إعلامية.