نساء من الريف في المغرب.

رغم أن النساء القرويات هن "العمود الفقري" للقرى والجبال في المغرب، فإن لعنة الغبن والحقوق المهضومة تلاحقهن، وأي محاولة لكسر "الصورة النمطية" التي يضع إطارها المجتمع الذكوري تواجه برفض ذكوري أيضًا.

"المرأة القروية تولد في عالم مليء بالواجبات لكن دون حقوق تحميها أو تعترف بها"، هكذا تصف ليلى العاشري معاناتها كامرأة نشأت في قرية نائية نواحي مدينة الفقيه بن صالح وسط المغرب، حيث واجهت واقعًا صعبًا فرضته الأعراف والتقاليد.

عاشت ليلى (43 سنة) يتيمة الأب، مع ثلاثة إخوة من والدتها وستة إخوة آخرين من زوجة أبيها الثانية. توقفت عن الدراسة في الإعدادية بسبب إكراهات عائلية مرتبطة بحقها في الإرث.

لم تتزوج، لكنها حملت دور الأم والمربية والمعيلة التي احتضنت أبناء أختها وأخيها بعد وفاتهما.

ورغم ذلك، قررت ليلى تأسيس جمعية حقوقية وتعاونية فلاحية، متحدية ما وصفته بـ"نظرة المجتمع الذكورية التي ترى في المرأة مجرد تابع لا رأي له".

إلا أنها لم تسلم من مضايقات من قبل بعض الرجال في منطقتها، الذين رفضوا أن تأخذ المرأة القروية زمام المبادرة وتكسر حاجز الصمت.

تقول ليلى لموقع "الحرة": "نحن النساء القرويات العمود الفقري لهذه القرى والجبال، نقوم بأعمال البيت ونشتغل في الحقول، نربي الأبناء، ونحمل أعباء لا يتحملها أحد، ومع ذلك، حين يناقش قانون الأسرة، تهمّش أصواتنا، وكأننا غير معنيات بالمصير الذي يُرسم لنا".

وتضيف: "نسمع عن حقوق النساء، لكنهم لا يتحدثون عن امرأة قروية لا تجد طبيبًا في قريتها، وعن طفلة تُجبر على ترك دراستها، وعن مطلقة تُشرد. إن المرأة القروية لا تحتاج فقط إلى قوانين على الورق، بل إلى إجراءات فعلية تحميها من العنف والإقصاء والحاجة".

"احتقار وظلم"

وعلى بُعد كيلومترات من قرية ليلى، تعيش محجوبة (46 سنة) التي لم تكمل دراستها في البكالوريا بعد أن دفعتها أسرتها للزواج. إلا أن الخيار لم يدم طويلًا، إذ هجرها زوجها دون طلاق رسمي، تاركًا إياها مع ثلاثة أبناء دون أي دعم أو نفقة.

تروي محجوبة بحسرة لموقع "الحرة" قصتها: "تحملتُ المسؤولية وحدي، وخرجتُ أبحث عن عمل لأؤمن حياة كريمة لأطفالي، لكن المجتمع القروي لا يرى في المرأة سوى ربة منزل. أتعرض للاحتقار وأحس بالظلم فقط لأنني مطلقة تحاول أن تعيل أسرتها".

لم يكن الطريق سهلًا أمام محجوبة، فإلى جانب ضغوط الحياة اليومية، واجهت عراقيل قانونية جعلتها تشعر وكأنها غير موجودة. تقول بغضب: "كلما احتاج ابني إلى وثيقة مدرسية، يُطلب منه إحضار والده، وكأنني لا شيء! متى سيعترف القانون بأن المرأة تستطيع أن تكون ولية أمر أبنائها؟".

اضطرت محجوبة إلى العمل كمرافقة في النقل المدرسي، متنقلة بين أعمال مؤقتة بالكاد تكفيها، لكنها رغم ذلك، لم تجد سوى "التمييز والقيود المجتمعية"، بحسب تعبيرها.

وتتحدث محجوبة عن نساء أخريات وجدن في الهجرة غير النظامية مهربًا من الفقر والتهميش، مضيفة بأسف: "النساء هنا لا يهربن فقط من الجوع، بل من حياة لا تعترف بوجودهن. بعضهن ركب قوارب الموت، وأخريات بقين يصارعن في صمت".

اليوم، ومع تصاعد النقاش حول إصلاح "قانون الأسرة"، تتساءل محجوبة إن كان هذا التغيير سيصل إلى القرى، أم سيبقى مجرد وعود لا تصل لمن هن في الهامش، مضيفة: "إلى متى سنظل مجرد أرقام تُذكر في التقارير دون أن نحصل على حقوقنا؟".

"بين الهامش والشقاء"

وتتقاطع قصة ليلى ومحجوبة مع أربع نساء أمازيغيات من إحدى القرى ضواحي تارودانت، حيث تحكي كل واحدة منهن لموقع "الحرة" عن واقع المرأة القروية بين العمل اليومي الشاق، وصعوبات الاندماج، وقلة الفرص الاقتصادية، والمشاكل القانونية والاجتماعية التي تواجهها النساء في هذه المناطق.

فاضمة بن حمو (80 سنة، أرملة)، تقضي أيامها في العناية بالبيت والأبناء والماشية، معتبرة أن هذا هو الدور الطبيعي للمرأة القروية.

تقول بحسرة: "حياتنا كلها داخل المنزل، نطبخ، نغسل، نرسل الأولاد للمدرسة، ونرعى الماشية. نعمل طيلة النهار، كأننا خُلقنا لنشقى".

وتتحدث فاطمة أيت صالح (65 سنة، متزوجة) عن محدودية وعي النساء القرويات بحقوقهن في قانون الأسرة، حيث تعتبر أن الطلاق أو تعدد الزوجات نادر في منطقتها، ليس بسبب القوانين، ولكن بسبب العادات والتقاليد.

وتقول: "نتشبث باستمرار الزواج في القرية حتى بوجود مشاكل، لأن الطلاق مكروه في ثقافتنا، والمرأة المطلقة تعيش حياة صعبة في القرية".

أما فاطمة أقرار (40 سنة، متزوجة) فترى أن وضع المرأة القروية تحسّن تدريجيًا، إذ بدأت أصوات النساء تُسمع أكثر من ذي قبل، خاصة من خلال العمل الجمعوي والمشاركة السياسية.

ومن جانبها، تروي رقية جكمان (64 سنة، متزوجة) معاناة النساء القرويات في الماضي، حيث كن يحملن الماء والحطب على ظهورهن لمسافات طويلة، ويقمن بكل الأشغال الزراعية.

لكنها تعترف بأن الوضع تحسن الآن بفضل البنية التحتية الجديدة، منبهة إلى أن أغلب النساء في القرية يفتقدن لفرص عمل توفر لهن مدخولًا شهريًا، خاصة الأمهات المطلقات.

"دراية محدودة"

وفي تعليقه على هذه الشهادات، يوضح رئيس "جمعية تلوم للتنمية الاجتماعية والتضامن والرياضة والاهتمام بالمرأة القروية والطفل"، أحمد نايت أوبعلي، أن وضعية المرأة القروية تحسنت بشكل طفيف مقارنة بالتسعينيات، مستدركًا: "لكن ما زالت هناك حاجة لفرص العمل مثل التعاونيات لضمان دخل ثابت للنساء".

ويتابع أوبعلي حديثه لموقع "الحرة"، مشيرًا إلى أن البطالة والهجرة إلى المدن تظل تحديات رئيسية، حيث تعتمد النساء على أبنائهن العاملين في المدن بسبب غياب فرص العمل في القرى، مما يعوق استقلاليتهن الاقتصادية.

ويعتبر أن النساء القرويات على دراية محدودة بحقوقهن القانونية، رغم مطالبتهن بتوفيرها، مشيرًا إلى أن القيم الاجتماعية تقيد وعيهن الكامل، خاصة في قضايا الطلاق وتعدد الزوجات، مما يحول دون تحقيق حقوقهن الأساسية.

"استغلال وحرمان"

ومن جانبها، تبرز عضو فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة بني ملال خنيفرة، نورة المنعم، أن المرأة القروية تعيش في ظروف صعبة بفعل تهميش اجتماعي واقتصادي حاد، إضافة إلى انتشار زواج القاصرات بشكل واسع بسبب الفقر والعادات الاجتماعية التي تفضل تزويج الفتيات على تعليمهن.

وتضيف، في تصريح لموقع "الحرة"، أنه "رغم وجود نساء في المجالس القروية، فإن دورهن يظل شكليا، إذ يتم تهميش أصواتهن في عملية اتخاذ القرار، ما يعكس استمرار الهيمنة الذكورية وضعف تمكين المرأة القروية سياسيا".

وتقول المنعم "رغم مطالبة الجمعيات النسائية بمكافحة العنف الزوجي والاغتصاب الزوجي، إلا أن النساء في القرى يعانين من صعوبة في التعرف على حقوقهن القانونية بسبب العرف والتقاليد السائدة التي تمنعهن من التبليغ وطلب المساعدة، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والحرمان من العدالة".

وفي هذا السياق، تدعو الناشطة الحقوقية للنهوض بوضعية المرأة القروية عبر تعزيز التوعية القانونية وتوفير فرص اقتصادية وتشديد القوانين ضد زواج القاصرات وتعدد الزوجات والعنف.

وتشدد على ضرورة أن تراعي التعديلات القانونية واقع المرأة القروية لضمان حقوقها وتحقيق العدالة الاجتماعية.

خلال مظاهرة ضد الفساد بالمغرب (أرشيف)
خلال مظاهرة ضد الفساد بالمغرب (أرشيف)

لا تزال مكافحة الفساد في المغرب تثير الجدل بشأن أسباب تفشيه وآثاره على البنية السياسية والاقتصادية، بعد أن خلص مشاركون في ندوة حزبية عن "مبادرات لمحاربة الفساد"، إلى أن المجتمع بات "يُطبّع" مع الفساد وأن بعض الأحزاب تستغل محاربته كشعار انتخابي.

واعتبر رئيس "الجمعية المغربية لحماية المال العام"، محمد الغلوسي، أن ⁠الفساد في المغرب ظاهرة بنيوية تستخدم لضبط المجتمع وترسيخ السلطوية، مؤكدا أن غياب الديمقراطية وضعف المحاسبة يساهمان في تعميمه، مما يضمن استمرار مصالح النخب النافذة على حساب التنمية والإصلاح.

وأشار الغلوسي إلى وجود تضييق على القوى الديمقراطية والصحافة، بينما تعزز قوى الفساد نفوذها عبر تشريعات تعرقل المساءلة، لافتا إلى "استغلال بعض النخب لإضفاء شرعية على الفساد، مما يحوّل مؤسسات الرقابة إلى هيئات صورية".

وذكرت النائبة البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة الزهراء التامني، أن "تفشي الفساد في المغرب أدى إلى تكريس سياسة الإفلات من العقاب، وتعطيل عمل المؤسسات، وتقويض ثقة المواطنين في الدولة، بل وبات يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي"، مشددة على غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحته.

"نتيجة تراكمية"

وفي تعليقه على القضية، يشير الخبير الاقتصادي، عضو منظمة "ترانسبرانسي المغرب"، عز الدين أقصبي، إلى أن تطبيع المجتمع مع الفساد هو نتيجة تراكمية لمتابعة الوضع منذ عقود، ردفا "فرغم الجهود المدنية والتشريعية، فإن المغرب تراجع في مؤشرات الفساد الدولية، ما يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحته".

ويتابع أقصبي حديثه لموقع "الحرة"، أن الفساد في المغرب بنيوي ويمس قطاعات حيوية كالقضاء والصحة والأمن. مؤكدا أن ضعف القوانين وعدم تطبيقها يعزز الإفلات من العقاب ويجعل الفساد آلية لضبط السلطة، خاصة مع اقتصاد ريعي يعمّق هيمنة النخب النافذة".

ويربط أقصبي بين غياب الديمقراطية وتفشي الفساد، موضحا أن "المؤسسات الرقابية ضعيفة والمحاكم غير فعالة والصفقات العمومية تفتقر للشفافية والإصلاحات المعلنة شكلية، حيث تفتقد آليات التنفيذ، مما يكرس الوضع القائم بدلا من تغييره".

ويؤكد المتحدث ذاته، أن الحلول التقنية موجودة، لكن المشكلة سياسية بالأساس. مسجلا أن تطبيق قوانين الشفافية، مثل التصريح بالممتلكات يبقى محدودا، فيما يهيمن تضارب المصالح على دوائر القرار.

"غياب إرادة سياسية"

ويقول رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، إن "الأحزاب تستغل ملف الفساد كشعار انتخابي أكثر من كونه مشروعا حقيقيا للإصلاح"، موضحا أن "الفساد متجذر في المنظومة الحزبية نفسها التي تستفيد منه للحفاظ على نفوذها، مما يمنحه حصانة سياسية تحول دون مكافحته بجدية".

ويضيف لزرق في تصريح لموقع "الحرة"، أنه بعد دستور 2011، صدرت نصوص قانونية مهمة لمكافحة الفساد، لكنها لم تُفعّل بسبب غياب الإرادة السياسية. 

وقال "الإصلاحات المطلوبة تشمل تجريم الإثراء غير المشروع ومحاربة تضارب المصالح وتعزيز آليات الشفافية، لكنها تواجه مقاومة من داخل المنظومة الحزبية ذاتها".

ويعتبر لزرق أن المؤسسات الرقابية تعاني من ضعف فعاليتها ليس بسبب القوانين، ولكن بسبب الأشخاص الذين يديرونها. مشيرا إلى تعيين العديد منهم عبر الأحزاب السياسية، مما يقوض استقلاليتهم ويجعلهم جزءا من شبكة المصالح التي تعرقل أي جهود حقيقية لمكافحة الفساد.

ويؤكد لزرق أن المشكلة الأساسية ليست في النصوص القانونية بل في غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد داخل الأحزاب والمؤسسات. ويرى أنه "طالما بقيت الأحزاب تستفيد من الوضع القائم، فإن أي إصلاحات ستظل شكلية، وستظل المحاسبة غائبة، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب".

"ثقب أسود"

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن "المجتمع المغربي لا يطبع مع الفساد، بل يرفضه بطبيعته، كما يتضح من رفع الأحزاب السياسية لشعار محاربته خلال الانتخابات، مستدركا "لكن بعض الفئات تضطر إلى التعامل معه بسبب الحاجة، وهو لا يعني قبوله بل يعكس ضعف البدائل المتاحة".

ويعتقد العلام في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأحزاب التي ترفع شعار مكافحة الفساد خلال الحملات الانتخابية غالبا ما تتبنى إجراءات ضعيفة بعد وصولها إلى السلطة. ويعزو ذلك إلى "مقاومة اللوبيات المستفيدة، أو غياب الإرادة السياسية الحقيقية، مما يجعل الفساد مستمرا".

ويؤكد العلام أن الفساد "ثقب أسود" يستنزف ميزانيات ضخمة ويحرم البلاد من فرص استثمارية مهمة.

ويضيف أن مكافحة الفساد تتطلب إجراءات متعددة، من بينها تشديد العقوبات ضد المفسدين، ودعم الجمعيات الحقوقية، وتشجيع المواطنين على التبليغ عن الفساد. مشددا على أهمية التربية المجتمعية، بدءا من المدرسة والأسرة، لتعزيز ثقافة النزاهة ورفض تقديم التنازلات أمام الفساد.

"إجراءات ملموسة"

وفي المقابل، تدافع الحكومة المغربية على التزامها بمحاربة الفساد من خلال استراتيجيات واضحة وإجراءات، موضحة أن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (2016-2025) حققت إلى غاية الشهر الأول من السنة الجارية 76٪ من أهدافها، مشيرة تقدم محرز في تعزيز الشفافية والحكامة الجيدة.

وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أكد مؤخرا، أن الحكومة قامت بعدة إجراءات لتحسين الإدارة العمومية، كإصدار ميثاق المرافق العمومية وقانون تبسيط المساطر الإدارية ومرسوم الصفقات العمومية،

واعتبر بايتاس، أن ذلك "يمنح ضمانات أكبر للحد من استغلال المال العام بطرق غير مشروعة وتعزيز النزاهة في التدبير العمومي".

و⁠أبرز المسؤول الحكومي أن التحول الرقمي يعد ركيزة أساسية في مكافحة الفساد، حيث تعمل الحكومة على رقمنة الخدمات العمومية لتسهيل ولوج المواطنين إليها بشفافية أكبر. داعيا إلى تضافر جهود مختلف الفاعلين، سواء الدولة أو المجتمع المدني والهيئات الرقابية، لتحقيق نتائج فعالة في مكافحة الفساد.