أنهت التعديلات الوزارية الشاملة التي أجراها سلطان عمان، هيثم بن طارق، 23 عاما من عهد وزير الخارجية يوسف بن علوي، وتأتي ضمن خطة إعادة هيكلة شاملة لوزارات ومؤسسات السلطنة الخليجية، تتوافق مع رؤية 2040 التي أطلقها السلطان الجديد الذي خلف الراحل، قابوس بن سعيد.
وعيّن بدر بن حمد البوسعيدي وزيرا للخارجية في عُمان، وفقا لمرسوم سلطاني، بعد 20 عاما أمضاها في منصب أمين عام الوزارة ذاتها.
ولاقى قرار خروج بن علوي من وزارة الخارجية ترحيبا سعوديا غير رسمي، ظهر صداه بشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي تم التشكيك في استمرار السياسة الخارجية العمانية بعد انتهاء حقبة بن علوي.
وتلتزم عمان بسياسة خارجية محايدة مع جيرانها ومحيطها الإقليمي، رسخها السلطان الراحل قابوس بن سعيد الذي قضى 50 عاما في سدة الحكم، قبل وفاته في يناير الماضي.
وقال الصحافي العماني والباحث في الشؤون الدولية، سالم حمد الجهوري لموقع "الحرة"، إن السياسة العمانية لن تتغير بتغير الأشخاص، مضيفا: "هذه السياسة لها ثوابت تاريخية منذ مئات السنين، وهي مبنية على مبادئ التعاون والسلام وعدم التدخل في شؤون الغير".
وعملت عُمان برفقة الكويت، على إيجاد حل للأزمة الخليجية بين السعودية، الإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، لكن هذه المساعي لم يكتب لها النجاح.
وأضاف الجهوري: "السلطان الراحل ترجم هذه السياسة على مدى 50 عاما حتى باتت عمان تملك سمعة كبيرة، بعد أن حظيت بقبول وتقدير من القوى الإقليمية والدولية، لقد أضحت عمان وسيطا نزيها وموثوقا بفضل هذه السياسة".
وأشار إلى أن أي تغيير على هذه السياسة لن يكون إلا وفق المصالح التي تخدم عمان ودول مجلس التعاون والمحيط العربي.
سياسة ثابتة
وذهب المحلل السياسي العماني، يوسف الهوتي، في الاتجاه ذاته، بعد تأكيده بأن السياسة الخارجية العمانية ثابتة، ولن تتغير مع تغيير الوجوه.
وقال الهوتي لموقع "الحرة"، إن "السياسة العمانية من الثوابت التي يقوم عليها حكم آل سعيد من 270 عاما، وهذا النهج لا يمكن أن يتغير حتى مع خروج بن علوي".
وأضاف: "سياسة عمان تعتمد على مبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع الدول الشقيقة والصديقة، وهي سياسة قائمة على التهدئة، وعدم الانجرار وراء الصراعات، ومسقط دائما كانت محطة لاستقبال الفرقاء السياسيين من مختلف العالم".
وأشار الهوتي، إلى أن عُمان دولة لها جذور عميقة في التاريخ، وأن النهج الجديد لن يتغير عن سياسة السلطان قابوس.
ولعبت عمان تاريخيا، دور الوسيط في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، أبرزها استضافة المحادثات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بهدف الوصول لاتفاق نهائي يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
تسريبات القذافي
وأثارت التسجيلات المسربة التي ظهرت مؤخرا بين الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ووزير الخارجية العماني السابق يوسف بن علوي، جدلا واسعا في الأوساط الخليجية، وفي الوقت الذي تشهد فيه عمان تغييرات وزارية جذرية، ربط سياسيون خروج بن علوي من المشهد العماني بهذه التسريبات، لكن الهوتي استبعد ذلك تماما.
وقال: "لا اعتقد هي السبب على الإطلاق؛ لأن السلطان هيثم منذ توليه مقاليد الحكم عقد العزم على تشكيل حكومة أكثر رشاقة".
في المقابل، أوضح الجهوري أن التغيير في وزارة الخارجية ليس بسبب التسجيلات المسربة، وقال: "التسريبات محل شك، لا يوجد دليل قاطع على صحتها".
وأوضح الجهوري أن التغييرات الشاملة كانت متوقعة بعد إطلاق رؤية 2040 التي أعدها السلطان بنفسه، مشيرا إلى ان المرحلة تتطلب ضخ دماء جديدة في مراكز صنع القرار.
وتابع الهوتي: "يظل بن علوي رجل يحظى بتقدير داخل الدول وحتى من الاشقاء في دول مجلس التعاون".
وكان القذافي، تحدث عن مشروع تقسيم السعودية في التسجيل المسرب، وموقفه الذي يختلف مع الرياض في السنوات الأولى للألفية الجديدة، بينما لم يبدِ بن علوي في التسجيل موقفا صريحا تجاه السعودية.
ولم تعلق السعودية أو عمان بصفة رسمية على تلك التسريبات.
ولم يتسنَ لـ "الحرة" التأكد بشكل مستقل من صحة التسجيلات المسربة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ارتياح سعودي
وظهر ارتياح سعودي على قرار إبعاد بن علوي من المشهد السياسي العماني، بعد أن نشر عدد من الكتاب السعوديين تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي توتير، تعلقت بهذا الشأن.
وقال الصحافي عضوان الأحمري، إن السلطان هيثم "يميل لتقارب أكثر من السعودية وموازنة العلاقة مع إيران"، مؤكدا أن إقالة بن علوي كانت متوقعة بعد التسجيلات مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، التي تسربت مؤخرا.
يوسف بن علوي خارج الواجهة السياسية في عمان منذ ٢٣ عاماً. السلطان الجديد هيثم بن طارق يميل لتقارب أكثر مع السعودية وموازنة العلاقة مع إيران. تسجيلات القذافي والتي ظهر فيها بن علوي متجاوباً مع أحاديث عن أمن المملكة هزّت صورته في الشارع السعودي والخليجي، وكانت الإقالة متوقعة. pic.twitter.com/Gestf6d09e
— عضوان الأحمري (@Adhwan) August 18, 2020
في المقابل، اعتبر الصحافي مالك الروقي بأن خروج بن علوي من الحكومة العمانية من شأنه تطوير العلاقات السعودية العمانية وإزالة الحرج الذي تسببت به تسجيلاته مع القذافي.
وقال: "التقارب السعودي العماني مهم في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الخليج من تشرذم وتفرق".
متغير كبير وعصر مختلف في عمان، السلطان هيثم بدأ مرحلته ..
— Oalomeirعثمان العمير (@OthmanAlomeir) August 18, 2020
استوقفني في التشكيل الوزاري العدد المقبول من النساء، وخروج يوسف بن علي او إستراحته ..بالتاكيد الملمون بالشأن العماني لديهم الكثير من القول #عمان#السلطان_هيثم_بن_طارق_آل_سعيد
من جهته، أكد الصحافي صالح الفهيد، أنه "من غير الممكن الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع السعودية والوزير بن علوي معا"، مشيرا إلى أن القرار كان متوقعا، وأن الوزير العماني يدفع ثمن حديثه في خيمة القذافي، على حد وصفه.
وأكد الهوتي بأن ما يطرح في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وسائل الإعلام، لا يمثل بالضرورة سياسات الدول، مضيفا "عمان في علاقاتها مع دول مجلس التعاون وخاصة السعودية على مقربة وتواجد بشكل دائم، ولم يسبق أن حصل أي جفاء في هذا الجانب".
بدوره الجهوري، قال إن البعض يعتقد أن بن علوي يمثل عقبة للتقارب العماني السعودي، لكنه شدد على أن الذين لا يعرفون عقلية بن علوي جيدا، يستطيعون قول أي شيء ضده.
وكان العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، أجرى اتصالا هاتفيا بالسلطان، هيثم بن طارق، أمس الأربعاء، حيث أشاد العاهل السعودي "بمستوى العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها في جميع المجالات"، وفقا لوكالة الأنباء السعودية.