انتهت الحرب في غزة وبدأت معها تساؤلات جديدة حول دور مصري محتمل في المستقبل القريب يسهم في إذابة الجليد والتقريب بين حركة حماس وإسرائيل، بعد أن نجحت القاهرة في عقد هدنة بين الطرفين، انطلاقا من كون النظام الحالي في مصر بقيادة الإخوان المسلمين يملك علاقات توصف بأنها قوية مع الجانبين، على الأقل من الناحية الرسمية والدبلوماسية، بعيدا عن المواقف المعروفة للإخوان من إسرائيل.
وتختلف الرؤى حول الدور المصري المحتمل في ظل حكم الإخوان المسلمين، بين المواقف التقليدية المعروفة للدولة المصرية من القضية الفلسطينية وعلى الخصوص قطاع غزة، وبين الدور الاستثنائي الذي يمكن أن تلعبه مصر مستغلة علاقاتها المتميزة مع حركة حماس.
فهل سيتمكن الرئيس محمد مرسي من التأثير على حركة حماس وحملها على تليين مواقفها تجاه إسرائيل؟ وهل يملك مرسي إستراتيجية مغايرة للنظام السابق حيال هذه القضية؟
يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة إبراهيم ابراش أن حركة حماس "تعرف جيدا أن أي مواجهة مع إسرائيل لن تجد مساندة عسكرية من مصر الأمر الذي يبقي الموقف المصري من القضية الفلسطينية كما كان على سابق عهده".
وقال ابراش في مقابلة مع "الحرة" إن التهدئة التي حدثت بين حماس وإسرائيل "تصب في اتجاه حصر الصراع ليصبح فقط بين غزة وإسرائيل بمعزل عن بقية القضايا الأخرى التي تشمل الضفة الغربية والقدس".
وبرأي المتحدث، فإن الدور المصري في المرحلة القادمة سيكون بمثابة الضمان بين الطرفين، خصوصا فيما تعلق بالسلاح والقتال، حيث من المتوقع أن "تشكل مصر حالة ضابطة للفعل المقاوم في القطاع".
ومن جانبه، شدد الدكتور حسن على حسن، خبير الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية على أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية لم يتغير بعد ثورة 25 يناير، مشيرا إلى "الجهود التي بذلتها الحكومة الحالية من أجل وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
حماس والاعتراف بإسرائيل
وكانت أحداث غزة الأخيرة قد أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل الدور المصري، وأضفت ما وصفه البعض بأنه مسؤولية إضافية على الرئيس محمد مرسي الذي وجد نفسه بين موقفين، أولهما الاعتراف الرسمي بإسرائيل من خلال معاهدة السلام، وثانيهما علاقاتها التي توصف بالمتميزة مع حركة حماس.
ويتساءل البعض عما يمكن أن يقوم به مرسي لتغيير مواقف حماس أو إقناعها بتعديلها تجاه إسرائيل، وذلك من أجل تحقيق أهداف عدة منها إحياء عملية السلام، ومساعدة قطاع غزة وإنهاء حالة الحصار التي يعيشها، إضافة إلى تأمين الحدود المصرية والحيلولة دون نشوب صراع مسلح.
وفي هذا الشأن أكد وديع أبو نصار، الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن النظام المصري الحالي بقيادة الإخوان المسلمين قد يكون وسيطا لتحسين علاقة حماس مع الطرف الإسرائيلي، غير أنه استبعد أن تتوصل حماس إلى اتفاق سلام مع الإسرائيليين، وقد تكون هناك "تفاهمات أكثر من تلك التي كانت في الماضي وليس اتفاقات".
كما استبعد أبو نصار أن تعترف حركة حماس بدولة إسرائيل مهما كان الضغط المصري في هذا الصدد، مضيفا أن "هناك اختلاف جوهري في الرؤى والإيديولوجية بينهما".
أما إبراهيم ابراش، فيتوقع أن تساهم صيغة التهدئة التي تم الاتفاق عليها برعاية مصرية في تمهيد "لنوع من العلاقة وحالة من التعايش بين كيان سياسي في غزة وإسرائيل".
وأوضح المتحدث أن الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل أماطت اللثام عن بعض النقاط التي ظلت غامضة، مستدلا على ذلك بمطالب إسرائيل التي "لم تقل إنها ستقضي على حكم حماس بل قالت إن هدفها هو وقف إطلاق الصواريخ".
وأضاف ابراش أن مطالب حماس كما جاءت على لسان اسماعيل هنية في اليوم الثاني للحرب كانت تتمثل فقط في وقف الحرب على القطاع وفتح معبر رفح، ومن هنا يقول المتحدث إن "قواعد اللعبة أصبحت واضحة".
ويوضح هذه المسألة أكثر بوصفه الوضع الحالي بين حماس وإسرائيل بحالة "اللاحرب واللاسلم التي تمهد بدورها إلى نوع من العلاقات سواء عن طريق مصالح فلسطينية أو تسوية سياسية تمكن حماس من أن تدخل في علاقة مع إسرائيل من خلال مصالحة".
دور إخواني
ومع انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر عبّرت قيادة حماس عن ارتياحها لمستقبل قطاع غزة في ظل نظام سياسي إخواني تشترك معه الحركة في العديد من الرؤى السياسية والفكرية، الأمر الذي دفع بعض المتابعين إلى الاعتقاد أن النظام المصري الحالي سيكون أكثر نصرة لحركة حماس وقطاع غزة.
ولكن هذا التقارب ومواقف الأخوان المسلمين إزاء إسرائيل لا تثمل بالضرورة مواقف الدولة المصرية.
ويقول الدكتور حسن علي حسن إن انتماء حركة حماس لفكر الإخوان يعد "جزءا من القضية"، مضيفا أن الموقف المصري ليس مرتبطا فقط بغزة وإنما بالقضية الفلسطينية برمتها، ذلك أن مصر "تملك علاقة مع الطرفين يجعلها تتفاوض بحرية من أجل التوصل سواء إلى استمرار الهدنة أو العودة إلى المفاوضات لحل القضية".
ومن جانبه قال وديع أبو نصار إن خطاب الإخوان المسلمين في مصر تجاه إسرائيل يتغير بتغير مواقعهم بين المعارضة والسلطة، مشيرا إلى أن موقف الإخوان المعروف من إسرائيل لا يمكن أن يذهب إلى حد نقض اتفاقية السلام مع الإسرائيليين.
أما إبراهيم ابراش، فيشدد على أن أقصى ما يمكن أن يقوم به مرسي في المستقبل هو محاولة رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو ما يعتبر حسب المتحدث "إنجازا للحكومة المصرية كما أنه لن يحرج مصر في علاقاتها مع واشنطن وإسرائيل".
واستدل المتحدث على ذلك بالحرب الأخيرة على غزة، إذ وصف الحضور الأميركي في اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل بمثابة المنقذ لنظام مرسي، مشيرا إلى أن التدخل الأميركي كان هدفه "تجنب التصعيد في غزة لأنه لو استمرت الحرب وأخذ التدخل الإسرائيلي أبعادا أخرى فإن ذلك سيحرج مصر ومرسي بشكل كبير".
الخطوة القادمة
وإذا كان المسؤولون في حماس قد عبروا عن رضاهم بما قام به النظام المصري من مساعي لإنهاء الحرب الأخيرة على غزة، فإن سقف مطالبهم قد يرتفع في المرحلة القادمة، وهو ما قد يضع مرسي أمام تحد جديد للبحث عن خطوات تهدف إلى تجسيد وعوده بنصرة قطاع غزة المحاصر، التي عبر عنها في الكثير من المناسبات.
وفي هذا الشأن، يقول إبراهيم ابراش إن حركة حماس "لا يمكن أن يكون لها سياسة بسقف أعلى من سقف مصر وخصوصا على مستوى الحرب مع إسرائيل"، مشيرا إلى أن قطاع غزة يملك منفذا واحدا هو مصر التي ترتبط بدورها باتفاقية مع إسرائيل.
وأضاف أنه أمام هذا الوضع فإن "موقف مصر مستقبلا لن يخرج عن الموقف المعروف".
أما وديع أبو نصار، فيعتقد أن الملف الفلسطيني الإسرائيلي سيكون حتما ضمن أجندة الرئيس مرسي، ويشير إلى أن الخطوات القادمة التي يمكن للرئيس المصري أن يقوم بها، ستكون مرتبطة بالتحديات التي يواجهها النظام المصري داخليا.