قبل عشر سنوات فقط لم يكن أحد يتوقع أن تتحول شبكة الإنترنت إلى ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة، ولم يكن أحد يتخيل أن تتحول الشبكة العنكبوتية إلى ساحة للحروب المعاصرة كما يحدث اليوم.
فالقراصنة الذين يتحصنون خلف أجهزة الكمبيوتر باتوا يقودون حروبا ذكية حقيقية تستهدف مواقع الإنترنت كما حصل في إسرائيل خلال حربها الأخيرة على غزة، وكما حصل في إيران عندما هاجم الفيروس الإلكتروني ستاكسنت الأجهزة المسؤولة عن تطوير سلاحها النووي.
قصف غزة واستهداف المواقع الإسرائيلية
ولعل الحرب التي شهدها قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 شاهدة على تنامي نشاط هؤلاء الأفراد وعلى ساحة المعركة غير متناهية الحدود التي تخاض في العالم الافتراضي.
فقد كشف وزير المالية الإسرائيلي يوفال ستاينيتز تسجيل أكثر من 60 مليون محاولة اختراق استهدفت مواقع إلكترونية إسرائيلية خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة التي استمرت ثمانية أيام، مشيرا إلى أن جميع المحاولات باءت بالفشل باستثناء هجوم واحد تمكن فيه القراصنة من اختراق أحد المواقع إلا أن الأخير عاد إلى العمل بعد ذلك بعشر دقائق.
وقالت المجموعة المغربية التي تطلق على نفسها اسم "قوات الردع المغربية" في رسالة إلكترونية لموقع "راديو سوا" إنه "صحيح أن إسرائيل أمّنت مواقعها بشكل قوي وأخفت مواقع أخرى، لكن رغم ذلك فقد تلقت ضربات قوية من عدة مجموعات أدت إلى زعزعة مواقع حيوية كان هناك من قال في نفسه وسط إسرائيل ما هذه العاصفة؟"
ويقول خبراء في مجال الأمن الإلكتروني إن الهجمات الإلكترونية تمثل وجها جديدا للأعمال الحربية في عصرنا، وإن على الدول أن تستثمر في حماية دفاعها في ساحة معركة أرضها غير واضحة المعالم.
وقد شنت مجموعة أنونيموس وأشخاص آخرون عارضوا العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ومتمردون إلكترونيون يطلقون على أنفسهم اسم "هاكيفستس" هجمات ضد إسرائيل ونشرت بيانات صحافية ومقاطع فيديو نددوا فيها بما وصفوها بـ"الهجمات الجنونية" ضد غزة.
وقالت شركة رادوير الإسرائيلية للأمن الإلكتروني التي تتخذ من تل أبيب مقرا لها، إن المواقع التي استهدفت شملت الجيش الإسرائيلي والبنوك الإسرائيلية وحكومة مدينة تل أبيب، فضلا عن مواقع شركات الطيران والبنيات الأساسية وشركات تجارية.
وأشارت قوات الردع المغربية، التي قالت إنها "أول من هاجم إسرائيل إلكترونيا خلال حرب لبنان في 2006 تحت اسمها السابق ثيم إيفيل"، إنها ساهمت في الهجمات الإلكترونية الأخيرة على إسرائيل لكنها فضلت عدم الإعلان عنها "فنحن لا نرضى بالمواقع والسيرفورات الضعيفة والتي لا تهدد شيئا سواء اخترقت أم لا".
وأضافت المجموعة التي قالت إنها "منظمة دفاع إلكتروني تدخل في ما يسمى بالباتريوتيك هاكينك أو القرصنة لأهداف وطنية إن "العصر القادم سيكون للحروب الإلكترونية حيث يمكن شل حركة دولة بأكملها فقط عبر الحاسوب أو هاتف ذكي".
وبحسب معهد تكنولوتيكس، وهو مؤسسة أميركية خاصة، فإن إسرائيل مستعدة لمواجهة التهديدات القادمة، وأنها تحتل المرتبة الرابعة بعد روسيا والصين والولايات المتحدة في القدرات الاستخباراتية الإلكترونية، ليس فقط الدفاعية منها بل الهجومية أيضا.
الدول تطور قدراتها وكذلك القراصنة
ولا تعمل الدول لوحدها على تعزيز أمنها وقدراتها الإلكترونية فقط بل حتى الجهات التي قد تستهدف مجالها الإلكتروني، وفي هذا الإطار قالت قوات الردع، التي تؤكد أن دورها الرئيسي يتمثل في حماية المملكة المغربية إلكترونيا ضد ما وصفته بأي "تهديد من بروبغندا إعلامية"، "نحن نعمل على قدم وساق لتكبير مشروعنا ونحن نعرف أن هناك متربصين بنا كلما سطع نجمنا وكثر الحديث إعلاميا عنا لا مكان للتراجع أو للتخاذل لنا برنامج جد منظم نطوره باستمرار كلما تغيرت الظروف".
وقال كيفين كولمان من تكنولوتيكس لوكالة أسوشييتد برس إنه على الرغم من أن إسرائيل استثمرت بشكل كبير في المجال، إلا أن مجموعة أنونيموس "الدولة الافتراضية" أصبحت تشكل تهديدا جديدا.
وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن ذراع الأمن في شبكة الاتحادات اليهودية يعمل على تكثيف التدريبات لمقاومة الهجمات الإلكترونية عقب استهداف عدد من المعابد اليهودية في أميركا في الآونة الأخيرة وكذلك في السابق.
وقال مدير شبكة المجتمع الآمن بول غولدنبورغ "في أحدث هجمات إلكترونية ضد مواقع يهودية أميركية في 23 نوفمبر، تم اختراق مواقع أكثر من 50 معبدا يهوديا وربطها بمواقع معادية للسامية"، مضيفا أن "مجموعة تطلق على نفسها اسم الأشباح المغاربة أعلنت مسؤوليتها عن هجمات ضد عشرات المواقع الأميركية والإسرائيلية".
وتوعدت أنونيموس في بيان منسوب إليها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إسرائيل، وقالت "ورد إلينا أن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت تحذيرات متكررة حول انتهاك حقوق الإنسان (...) نوفمبر سيكون شهرا تتذكره قوات الدفاع الإسرائيلية وقوات أمن الانترنت. سنستهدف أي وجميع المواقع التي نرى أنها تابعة للفضاء الإلكتروني الإسرائيلي انتقاما لسوء معاملة سكان غزة ومناطق أخرى".
"حرب المستقبل"
وقال كولمان إنه "عندما تتحدث عن الصراع بصفة عامة تفكر في الحدود، لكن الانترنت لا حدود لها، إذن كيف تنتقم من تحالف غير واضح؟ كيف تتفاوض على وقف لإطلاق النار مع أنونيموس؟ ما وصلنا إليه حول كيفية التعامل مع دول افتراضية ليس إلا غيضا من فيض". وقال إن "هذا هو وجه الحرب في المستقبل".
وقالت أنونيموس في بيانها الذي نشرته على موقع يوتوب "سنتعامل مع أي وفاة جديدة كأنها هجوم مباشر على أنونيموس وسيتم التعامل معها بسرعة وبدون سابق إنذار، قلوبنا مع النساء والأطفال والأسر التي تعاني في هذه اللحظة نتيجة سوء استخدام الحكومة الإسرائيلية لجيشها".
وجاء في البيان أيضا قول المجموعة التي أطلقت على حملتها ضد إسرائيل اسم #OpIsrael "ندعو إخوان وأخوات أنونيموس إلى الاحتجاج ضد الحكومة الإسرائيلية وأي قوات معادية مرتبطة بها، حان الوقت لتساعد أنونيموس الأشخاص الذين يعانون، الأشخاص الذين يتم استغلالهم، الأشخاص الذين يموتون (...) ندعو جميع أنونيموس إلى اختراق، تسريب قاعدة بيانات، السيطرة على المعلومات وتدمير الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي بأي طريقة ممكنة".
وأضاف البيان "إلى الحكومة الإسرائيلية: سئمت أنونيموس من بلطجتك، والآن سوف ترين عواقب أفعالك. تم إعلان الحرب الإلكترونية على إسرائيل، وسوف ترون بالضبط ما نحن قادرون عليه".
وقد صرحت مسؤولة جهاز الملومات كارميلا أفنير في بيان أن الحرب في غزة كانت تخاض على ثلاث جبهات، "الأولى مادية، والثانية في عالم المواقع الاجتماعية والثالثة على شكل هجمات إلكترونية".
من هم هؤلاء القراصنة وكيف يتحركون؟
وفيما تتعدد أسباب انضمام الأفراد إلى صفوف قراصنة الإنترنت، يتوحدون باختلاف أعمارهم وخلفياتهم تحت لواء يؤمنون به جميعا. قوات الردع على سبيل المثال تضم بين 50 و70 شخصا جميعهم مغاربة تتراوح أعمارهم بين 15 و50 عاما، حسب ما كشفته المجموعة لموقع "راديو سوا".
وأضافت أن "أعضاءها ينقسمون إلى فروع لكل واحد منها مهام خاصة ولا يربطه اتصال مباشر بالفرع الآخر بينما القرار يتخذ في دائرة ضيقة"، مشيرة إلى أن "الفروع التي لها علاقة بالقرصنة يضم الفريق المكلف بالهجمات والاختراقات وفيه مهندسون مبرمجون وتقنيون، أصحاب خبرة في الميدان ويعملون في الميدان أيضا، كما أنهم منتشرون عبر العالم، كما هناك نسبة قليلة من الهواة تم تعليمها".
وتابعت "أما الفريق أو الفرق الأخرى لها مجالات تحركها كالفريق الإعلامي الذي يراقب الأخبار والأحداث العالمية، وهناك فريق المونتاج والفيديو وأيضا فريق الغرافيزم كل ما يتعلق بالتصميم والصور، هناك فريق التبليغات عن الصفحات ومقاطع الفيديو المسيئة، وفريق آخر يراقب غرف الدردشة وما يدور فيها، وكل هذه الفرق تعمل بخطة منظمة إذ أن كل فريق له علاقة بالإدارة المركزية عن طريق توصلها بالتقارير والمعلومات لإعادة توزيعها بين المجموعات الأخرى".
أما عن خلفية قوات الردع فقالت "ليس لها خلفية بل لها فِكر إن صح التعبير، هذا الفِكر مختزل في كلمة واحدة ‘الوطنية ’قبل كل شيء في زمن العولمة"، مشيرة إلى أنه "إذا أردت وضع صبغة سياسية لنا يمكن تشبيهنا بالأفكار اليمينية، متطرفون لثقافتنا وأرضنا نحن ذراع معلوماتي شرس ومنظم كلما شعر بخطر قادم صده بقوة".
انتهت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار وتراجعت معه حدة الحرب الإلكترونية المعلنة ضد الدولة العبرية، لكن محاولات اختراق المواقع الإسرائيلية لا تتوقف على الرغم من أن نسبتها لا تضاهي ما سجل خلال التصعيد ما بين الـ14 والـ22 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتكلف الهجمات الإلكترونية باختلاف دوافعها، الدول خسائر مادية تصل إلى مليارات الدولارات سنويا.