طفلة فلسطينية في إحدى المناطق التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية في غزة الشهر الماضي
طفلة فلسطينية في إحدى المناطق التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية في غزة الشهر الماضي

اتهمت منظمة هيومن رايتس واتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إسرائيل "بخرق قوانين الحرب" باستهدافها صحافيين ومقرات إعلامية خلال عمليتها العسكرية في قطاع غزة الشهر الماضي.

وقالت المنظمة في تقرير نشرته الخميس إن "الهجمات الإسرائيلية الأربعة ضد الصحافيين والمنشآت الإعلامية في غزة خلال المواجهات الأخيرة شكلت خرقا لقوانين الحرب عبر استهدافها للمدنيين الذين لم يقدموا أي مساهمة واضحة للعمليات العسكرية الفلسطينية".

وأضافت أن "الحكومة الإسرائيلية أكدت أن كلا من الهجمات الأربعة كانت هدفا عسكريا مشروعا لكنها لم تقدم أي معلومات محددة لدعم ادعاءاتها".

وقامت إسرائيل خلال المواجهات الأخيرة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بشن مئات من الضربات الجوية استهدف بعضها مباني تضم مكاتب إعلامية وقصفت سيارة لمصوّرين يعملان لحساب قناة تلفزيونية مقربة من حركة حماس، مما أدى إلى مقتلهما.

وقال الجيش الإسرائيلي في حينها إنه استهدف مقار يستخدمها المسلحون الفلسطينيون وشخصيات قيادية في حماس.

إلا أن المنظمة أكدت أنها لم تجد أي أدلة على أن المواقع الإعلامية أو الصحافيين الذين تم استهدافهم "أهداف عسكرية مشروعة"، مشيرة إلى أن إسرائيل فشلت في تقديم أي أدلة على ذلك.

جدير بالذكر أن القانون الدولي يحمي العاملين في وسائل الإعلام بصفتهم مدنيين بمنأى عن المهاجمة إلا في حال مشاركتهم مباشرة في القتال.

إسرائيل تدافع عن عملياتها

وقد رفض الجيش الإسرائيلي تقرير هيومن رايتس ووتش ودافع عن سلوكه خلال العملية.

وقال الجيش في بيان إنه "يتصرف وفقا لقوانين النزاعات المسلحة على الرغم من الانتهاكات المستمرة والمتعمدة على هذه القوانين من قبل المنظمات الإرهابية في قطاع غزة".

وأضاف البيان أن "تفاصيل الأحداث المذكورة في التقرير هي قيد التحقيق حاليا وعند انتهاء العملية سيكون بالإمكان توفير إجابات شاملة".

يذكر أن العملية العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وردت عليها فصائل فلسطينية بقصف صاروخي على الدولة العبرية أدت إلى مقتل أكثر من 170 فلسطيني وستة إسرائيليين خلال المواجهات التي استمرت ما بين  14 و21 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

جهاد المشهراوي يحمل طفله الذي قتل في إحدى الغارات الإسرائيلية خارج مستشفى الشفاء في غزة
جهاد المشهراوي يحمل طفله الذي قتل في إحدى الغارات الإسرائيلية خارج مستشفى الشفاء في غزة



قد لا تسنح دائما للصحفيين فرصة تغطية النزاعات المسلحة حول العالم، لكن قيمة هذه الفرصة تتلاشى عندما يجد أحد الذين حظوا بها نفسه وقد تحول من ناقل للخبر إلى الخبر ذاته.

وفي الأسبوع الماضي كان هناك مثال حي على ذلك، فقد تناقل الملايين من مستخدمي المواقع الاجتماعية صورة المصور والموضب بمكتب هيئة الإذاعة البريطانية BBC في غزة جهاد المشهراوي، وهو يجهش بالبكاء وفي حضنه جثة طفله الرضيع الذي قتل في إحدى الغارات الإسرائيلية على القطاع.

لقد فقدتُ طفلا جميلا وبريئا لا يتوقف عن الضحك والابتسام.. لم يكن يبكي أبدا حتى عندما يـُحقن بالأدوية
جهاد المشهراوي


 
مأساة الرضيع عمر

هذه الصورة التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية على صدر صفحتها الأولى، تحولت إلى رمز إنساني للحرب التي كانت تدور رحاها في قطاع غزة.
فقد قال الصحفي جهاد في تصريح لموقع "راديو سوا" إنه تلقى اتصالات متعاطفة من مختلف أنحاء العالم ومن أشخاص لا يعرفهم، لكن الصورة مست وترا حساسا في قلوبهم.

"فقدان طفلك الذي لا يتجاوز عمره 11 شهرا بهذه الطريقة البشعة سيترك جرحا في قلبك لن يندمل أبدا.. لكنني أود أن أخبر العالم عنه وعن براءته التي اغتالها الصاروخ الإسرائيلي"، هكذا لخص جهاد مشاعره بعد مقتل طفله وكيف تحول من ناقل للخبر إلى جزء من الخبر في مدة وجيزة.

وأفاد جهاد أنه كان جالسا في مكتبه يوضب شريطا مصورا لمكتب BBC في لندن عندما اتصل به صديق يخبره أن زوجته وطفليه قتلوا جميعا في إحدى الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة. وقال إنه شعر بقلبه يتوقف عن الخفقان في تلك اللحظة، لكنه رفض أن يصدق الخبر وأجاب صديقه غاضبا "الله يرضى عليك مش وقت مزح هذا أنا مشغول وماليش وقت لمزحك"، وأكد جهاد أن لهجة صديقه الحزينة وإصراره على حلف اليمين وتكرار الخبر أكثر من خمس مرات، جعلت معدته تتقلص من شدة الألم ورمي كل شيء كان بيده وجرى خارج المكتب.

صورة تداولها رواد المواقع الاجتماعية لجهاد المشهراوي وطفله الرضيع عمر

​​تابع جهاد قائلا "ركبتُ دراجتي النارية وتوجهت إلى بيتي لأجده قد تحول إلى أنقاض.. لم أستطع السيطرة على دموعي فبدأت أبكي وأقول لجميع من حولي أين زوجتي وأطفالي.. بس ورجوني إياهم.. بشرفكم بدي بس أشوفهم.. بشرفكم بس أشوفهم".

اكتشف جهاد أن زوجته أصيبت بحروق ونقلت إلى مستشفى الشفاء رفقة طفله الأكبر علي الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، وأن طفله الرضيع عمر في غرفة العناية الفائقة بسبب إصابته بحروق بليغة. وقال جهاد إنه عانق زوجته وطفله عمر وبرغم دموعه حمد الله على نجاتهم جميعا قبل أن ينقل له أحد الأطباء خبر وفاة عمر متأثرا بجروحه البليغة.

"لن أنسى تلك اللحظة ما حييت.. توقف الزمن خلالها وشعرت بألم لم أشعر به من قبل في حياتي.. لقد فقدتُ طفلا جميلا وبريئا لا يتوقف عن الضحك والابتسام.. لم يكن يبكي أبدا حتى عندما يـُحقن بالأدوية.. كل من رأى عمر كان يحبه لأنه كان طفلا جميلا جدا". بعد أن تلقى الخبر، حمل جهاد جثة رضيعه وخرج بها إلى الشارع وهو يصرخ ولا يقوى على التوقف عن سكب الدموع ويتساءل لماذا دفع طفله ثمن حرب لم يشارك فيها.

وأضاف جهاد أن مقتل طفله الرضيع جعله يتساءل في قرارة نفسه عن شعور ذلك الطيار الإسرائيلي الذي ضغط على زر إطلاق الصاروخ خلال الغارة على غزة "هل كان مبتسما وهو يطلق الصاروخ؟ هل كان حزينا؟ هل كان يشعر بتأنيب الضمير وهو يعلم أنه سيقتل مدنيين أبرياء بعمله ذلك؟ أريد أن أعرف وأريد أجوبة لكل هذه الأسئلة التي تعذبني".

"الصحافي ليس بشرا خارقا"

وغير بعيد عن قطاع غزة، أعرب الصحافي الإسرائيلي داني روبنشتاين وهو صحافي سابق في صحيفة "هاآرتس" وأستاذ الإعلام في الجامعة العبرية في القدس، عن أسفه لسقوط مدنيين خلال المواجهات المسلحة التي تجري بين بلاده وبين حركة حماس، لكنه استدرك قائلا "أتطلع حولي وأرى الخوف والقلق في عيون أفراد أسرتي وأحبتي وأشعر بحزنهم وتخوفهم على سلامتهم وسلامة أطفالهم.. صحيح أنا صحافي لكنني بشر أيضا وأشعر بما يشعر به شعبي في اللحظات الحاسمة مثل الحروب التي نخوضها من أجل البقاء".
 
كما عبر الصحافي الإسرائيلي عن تعاطفه الشديد مع جيرانه وأصدقائه ومعارفه الذين قال إنهم يتحولون إلى مجرد "أهداف" لصواريخ حماس، وشدد على أن "الصحافي ليس بشرا خارقا" وأنه يشعر بآلام شعبه ويدافع عن مصلحة بلاده، وأن الصحافيين الإسرائيليين لا يشذون عن القاعدة مثلهم مثل الصحافيين الفلسطينيين الذين يتبنون خطاب حماس أو السلطة الفلسطينية.

أطفال إسرائيليون مختبؤون في ملاجئ طلبا للحماية من الصواريخ التي تطلقها حركة حماس-أرشيف

​​
وقال روبنشتاين إن الصحافيين الإسرائيليين غاضبون ومستاؤون من كيفية إنهاء حكومتهم للغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.

وأوضح روبنشتاين قائلا "حركة حماس احتفلت بفوزها خلال الغارات الأخيرة، وكصحافي إسرائيلي أشعر بالغبن والغضب بسبب كل ما عاناه سكان جنوب إسرائيل والذين يفوق عددهم مليون ونصف شخص"، وأفاد أن الصحافيين الإسرائيليين "يتبنون مصلحة إسرائيل العليا ولا يقبلون أن يبقى جزء من بلادهم في مرمى صواريخ حماس التي تشن حربا شاملة ضد المدنيين الإسرائيليين".

أتطلع حولي وأرى الخوف والقلق في عيون أفراد أسرتي وأحبتي وأشعر بحزنهم وتخوفهم على سلامتهم وسلامة أطفالهم.
داني روبنشتاين
علاج جماعي

وحتى بعد خفوت أصوات المدافع والصواريخ في قطاع غزة مع دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ، فإن الآثار النفسية المدمرة على سكان القطاع بدت جلية في تغريداتهم على موقع "تويتر" وعلى جدران حساباتهم الخاصة على موقع "فيسبوك"ولا فرق في ذلك بين مواطن عادي وصحافي.

فقد كتبت المذيعة الفلسطينية نيفين أبو هربيد على حسابها الشخصي بموقع "فيسبوك" "بعد هذه التجربة المريرة التي عاشها كل أهل غزة أشعر أننا كلنا بحاجة لأطباء نفسيين حتى نتغلب على مشاعر الحزن والخوف داخلنا".

وكانت نيفين حريصة على تسجيل تفاصيل التطورات الميدانية خلال الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة وتدوينها على جدارها بموقع "فيسبوك"، والذي تحول إلى "بيت" افتراضي تلجأ إليه مع طفلتها الصغيرة ليندا وجيرانها والكثير من أصدقائها من مختلف الدول العربية الذين كانوا يطمئنون على سلامتها ويصلون لأجلها ولأجل طفلتها الصغيرة، وغالبا ما كانوا ينهون رسائلهم بـ"الله معكم.. الله ينجيكم.. قلوبنا معك يا نيفين ومع كل أهل غزة".