مقابلة خاصة مع المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جايسون غرينبلات

يرى المبعوث الأميركي جايسون غرينبلات أن التوقيت الحالي "فريد لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني"، إذ جمع التهديد الإيراني الدول العربية وخاصة الخليجية وإسرائيل.

ويؤكد غرينبلات، وهو مساعد للرئيس دونالد ترامب، وممثل للإدارة الأميركية في المفاوضات الدولية في حوار خاص مع "الحرة"، أن "هذه الدول لا تريد التخلي عن الفلسطينيين، لكن (قادتها) في الوقت ذاته يريدون حماية بلدانهم المهددة من إيران".

وقال غرينبلات إنه لا أحد يستطع أن يرغم الفلسطينيين على شيء، لكنه أعرب عن إيمانه في أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيقدر خطة السلام، مضيفا أن "هناك اتصالات مع فلسطينيين".

 ورد غرينبلات على تساؤلات حول موقف الإدارة الأميركية من "حل الدولتين" كحل للنزاع، وما هي الاستراتيجية في حال فشلت ترجمة ورشة المنامة على أرض الواقع.

وهذا نص الحوار:

بعد مرور أسبوعين على ورشة المنامة، ما هي النتائج التي حققتها؟ وإلى أي حد أنتم واثقون بأن الدول والأطراف التي حضرت الورشة ستفي بتعهداتها؟

الورشة في حد ذاتها كانت ممتازة، (كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد) كوشنر وفريقه قاموا بعمل رائع في إعداد حزمة من 50 مليار دولار لما يمكن أن يكون للفلسطينيين والأردن ومصر ولبنان.

نحن الآن في مهمة تقصي حقائق، سنسمع تعليقات الحاضرين ومن الدول في أنحاء العالم، ونحب أن نسمع تعليقات السلطة الفلسطينية. نعتقد أن هذا مهم. ستكون هذه فرصة مفقودة... (في حال) لم يقرؤوا الخطة الاقتصادية ويعطونا رأيهم.

الأشياء ستنفذ، عندما نحصل على التعليقات وننهي الجزء الاقتصادي ونوصلها بالخطة السياسية التي سيُكشف عنها أيضا، وهذا سيشمل رؤية الرئيس ترامب للطريقة التي يعتقد أن بإمكانه حل النزاع فيها.

بالنسبة لثقة الحاضرين وقدرتهم على التنفيذ، فهناك الكثيرون الذين تحدثوا إلينا عن الورشة، وقد ألهموا من الورشة، ويريدون مساعدة الشعب الفلسطيني، لا أحد يمكن أن يساعد إلا إذا كان هناك اتفاق سلام شامل.

ما يلاحظ من الخطة، أن الكثير من المشاريع تحتاج إلى موافقة وترخيص من إسرائيل، هل إسرائيل تؤيد جميع هذه المشاريع بدون تحفظ؟

الخطة مصممة لكي تكون جزءا من المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لا نعرف ما إذا كانت إسرائيل موافقة على كل مجالات الخطة، هناك مشاريع رأوها مثل أي أحد آخر ويقومون باستيعابها لأن هذا جزء من اتفاق السلام الشامل، كل شيء هناك (مع  الطابع السياسي السائد) يجب التفاوض عليه.

من سيُراقب المعابر وسيرخص لشركات الاتصالات والسكك الحديدية مثلا؟

لا يجب أن نفهم الكثير من الرؤية الاقتصادية (بـ) ربطها بالعملية السياسية، هذا مرتبط بالجانب السياسي من النزاع، ولا يوجد التفاف على حقيقة أن الإسرائيليين والفلسطينيين عليهم أن يجلسوا سويا ويدرسوا كل مجال من مجالات النزاع، وهذا يشمل المشاريع التي يمكن أن تنفذ فقط إذا أراد ذلك الإسرائيليون والفلسطينيون، واستعدوا للاستمرار فيها في إطار اتفاقية السلام.

هل تخشون تأثير الأجواء السياسية في إسرائيل وحالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الإسرائيلية على حظوظ هذه الخطة في النجاح؟

اعتقد أن الخطة ستتحقق، ونجاحها يعتمد على الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية، وهل هم مهتمون بالنظر على هذه الخطة والوصول إلى خط النهاية.

إذا أخذنا في الاعتبار انتقاداتكم للسلطة الفلسطينية وحالة القطيعة بينكم وبين المسؤولين الفلسطينيين.. هل من المنطقي الافتراض بأن نجاح هذه الخطة مرهون بتغيير القيادة السياسية الفلسطينية؟

لا، لدي ثقة في الرئيس عباس، الآن هناك علامات استفهام، ولكن آمل عندما يرى الخطة السياسية سيدرك الوقت والجهد الذي بذل لخلق شيء خاص للشعب الفلسطيني، وله القدرة على التحويل، أملنا أن ينظر بجدية، ولأنه قائد شعبه يقرأ الخطة ويتفاوض حولها مع رئيس وزراء إسرائيل ويحاول الوصول إلى هناك، لا ننظر لتغيير في النظام، نأمل أن (يكون) الرئيس عباس هو القائد الذي سيجلب شعبه إلى مستقبل أفضل.

نسمع من حين لآخر منكم ومن مسؤولين آخرين يتحدثون عن لقاءات واتصالات مع الجانب الفلسطيني رغم القطيعة، هل يمكن أن تكشف لنا من هم هؤلاء الفلسطينيون ومن يمثلون؟

لقد كنا حذرين ألا نكشف عن هوية الذين نتحدث معهم، أنا لا أتحدث بلسان كوشنر، ولكن أتحدث مع الفلسطينيين طوال الوقت، هناك أناس من مكتبي ونحن نقدر ما تبذله الإدارة لتحقيق السلام.

كل واحد عندما يغادر الغرفة يطلب مني ألا أكشف هويته، هذا يُؤسف له، ولكن هذه هي الحقيقة، هم يعطوننا الأمل أنه بإمكاننا تجاوز النزاع وهم معنيون بحل النزاع ولكن لا يتحدثون، نحن نفهم أنهم لا يتحدثون باسم الرئيس عباس، أو السلطة الفلسطينية والمنظمة، (بل) موجودون بصفتهم الشخصية.

ما هي استراتيجيتكم للتواصل مع عامة الفلسطينيين لشرح الخطة خصوصا بعد رفض نقابة الصحفيين الفلسطينيين دعوة للصحفيين الفلسطينيين للبيت الأبيض؟

أبوابي دائما مفتوحة، والفلسطينيون يتواصلون معي. والفلسطينيون إما يأتون عبر علاقات أو بعثات لنا وسفارات في العالم. المقاطعة الصحفية هي مثال مثير للاهتمام (على) المشكلة، نريد أن نشرح للشعب الفلسطيني الأشياء كما نراها والأشياء التي يمكن أن يحصلوا عليها.

حقيقة أن الإعلام الفلسطيني أو نقابة الصحفيين أرادت أن تقاطع دعوة من البيت الأبيض، وبدلا من أن تقول دعونا نسمع ما لديكم حتى ننقل الحقيقة لشعبنا.. هذه ليست علامة جيدة للشعب الفلسطيني.

هناك من يقول: إنه كان من الأجدر البدء بالشق السياسي قبل البدء في الحديث عن مشاريع اقتصادية في الأراضي الفلسطينية؟

هناك مدارس فكرية مختلفة، في عالم مثالي نجمعهم سويا، ولكن في إطار معقد قررنا أن نفصل الشقين، نريد أن نظهر للناس ما يمكن أن يتم إذا كان هناك اتفاق سلام وما هي المجالات السياسية، أن نضع خطة سياسية بدون خطة اقتصادية هذا خطأ كبير.

لا يمكن أن يكون هناك اتفاق سلام ناجح بدون أن تكون هناك خارطة طريق للمواضيع الاقتصادية. أفهم النقطة ولكن فضلنا أن نفعلها هكذا.

وهناك من يقول: أنا لا أنظر للخطة الاقتصادية أو أنخرط فيها، هذا غير مفيد ولن يجلب حياة أفضل للفلسطينيين.

تصريحاتكم في الآونة الأخيرة تخلص إلى أن حل الدولتين لم يعد أساسا للمقاربة الأميركية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟

الرئيس ترامب يريد ما يقبله الطرفان، لا يمكن أن نلخص هذا النزاع المعقد بشعار من ثلاث كلمات، استخدام شعار حل الدولتين لا يتطرق لقضايا مثل القضايا الأمنية، نمتنع عن استعمال هذا المصطلح ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن نوفر شيئا للفلسطينيين والإسرائيليين يساعدهم على تجاوز النزاع ويكون هناك ازدهار وحياة أفضل للشعبين، استخدام هذه العبارة لن يوصلنا إلى هناك.

لماذا كان للأردن ومصر حظ من المخصصات المالية للخطة الاقتصادية؟

لن يساعد المنطقة إذا قدمنا شيئا حافلا بالرخاء للفلسطينيين وتجاهلنا الأردن ولبنان ومصر، لهذا أمضينا وقتا طويلا لإعداد مشاريع للبنان، نأمل من هذه الدول أن تعطينا رأيها. لبنان قاطع الورشة، ونأمل أن يتغير هذا، ونأمل أن يعطينا الأردن ومصر معلومات قيمة وردود أفعال عن الرزمة المالية.

ما هي الشروط التي تنتظرون توافرها على الأرض لإعلان الشق السياسي للخطة الأميركية للسلام؟

هذه قضية ساخنة.. لن أقول إن هناك علامات أو مؤشرات ننتظرها، ننتظر اللحظة التي يمكن عندها أن نقدم الخطة السياسية التي ستحظى بتحديات، إحدى التحديات الآن، هل نفعل هذا خلال دورة الانتخابات الإسرائيلية أم بعدها وقبل تشكيل الحكومة أم ننتظر لما بعد تشكيل الحكومة؟ انتظرنا المرة الأولى، الآن على الرئيس أن يقرر هل سينتظر أم لا.  

ما هي الاستراتيجية البديلة إذا استمرت القطيعة ولم تترجم ورشة المنامة إلى الواقع؟

هناك الكثير من المشاكل في العالم التي على الرئيس ترامب والإدارة حلها.

على سبيل المثال، لو أن الفلسطينيين قاطعوا كلية الجهد، لن نستطيع أن نرغم الفلسطينيين على شيء ولا الإسرائيليين على التوقيع على صفقة، لا يمكن لأحد أن يفرض حلا لهذا النزاع، عدا جمع الأطراف سوية للتفاوض.

أعتقد أننا، وربما الكثير من الإدارات بعدنا، ستقوم بأعمال ناجحة، لكن فرصة الوصول لصفقة شاملة في عهد هذا الرئيس الفريد في هذا الوقت الفريد فرصة كبيرة.

قبل سنوات كانت هناك اتصالات بين إسرائيل والمنطقة، لا أريد أن أقول سرية ولكن تحت الطاولة، إسرائيل مقبولة في المنطقة إلى حد ما، وجزء من هذا له علاقة بإيران، فإيران هي العدو لهذه المنطقة والمشكلة الأساسية للمنطقة، ليس النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، يجب أن نستفيد من هذا الوقت الفريد وأن نعمل لنرى هل يمكن حل هذا النزاع.

من خلال لقاءاتكم مع المسؤولين العرب في منطقة الخليج، هل تشعرون أن هذه الدول لديها استعداد لإقناع الفلسطينيين بقبول هذه الخطة سواء بشقيها الاقتصادي أو السياسي؟

أعتقد أن دول الخليج لديها مصالحها الوطنية وأعتقد أنها لا تريد أن تترك الفلسطينيين لوحدهم، إذا استطاعوا إقناع الفلسطينيين، البعض يقول إرغام الفلسطينيين، لا أحد معني بإرغام الفلسطينيين، لا الولايات المتحدة ولا دول الخليج، هم يريدون المساعدة.

النزاع استمر لسبعين عاما ولا يفيد الفلسطينيين أو قيادتهم مقاطعة ورشة عمل يمكن لها أن توفر حياة رائعة للفلسطينيين، دول الخليج تفهم أن هناك جمودا، وهم يحاولون المساعدة، ولكن إلى أن يروا الخطة السياسية.. وهل يمكن أن يقبلوها؟ لا يمكن لي أنا أن اجيب على هذا السؤال. 

هل تشعرون أن الأزمة الإيرانية ساعدت الجهود الأميركية لجسر الهوة بين الدول الخليجية وإسرائيل والحديث علنا عن التطبيع؟

أعتقد ان هذا يكشف الحقيقة، حقيقة أن هذه الدول معرضة للخطر، ليس بسبب إسرائيل التي لم تهاجم أيا من هذه الدول، ولكن إيران تهديد مهم لكل دولة من هذه الدول.

من المهم الإقرار بأن هذه الدول لا تريد التخلي عن الفلسطينيين، لكن في الوقت ذاته (هم) يريدون حماية بلدانهم المهددة، وإسرائيل أيضا مهددة، بالمناسبة الفلسطينيون مهددون، إذا هوجمت إسرائيل من جانب إيران، فالفلسطينيون سيعانون، إذاً علينا جميعا أن نتوافق والمنطقة عليها أن تتوافق على أن إيران هي عدو السلام في المنطقة.

مشاهد من الدمار في مخيم جباليا
مشاهد من الدمار في مخيم جباليا

في خضم تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة، تشير تقارير إعلامية غربية إلى احتمال شروع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ "خطة الجنرالات" المثيرة للجدل، والتي تهدف في جوهرها إلى تشديد الضغط على سكان المنطقة، بهدف "كسر حماس" ودفعها نحو الاستسلام.

وخلال الأيام الماضية، كثف الجيش الإسرائيلي مجددا عملياته البرية والجوية في شمال غزة، حيث قامت قواته بتطويق مدينة جباليا وبعض المناطق المحيطة بها، مما أدى إلى تفاقم معاناة مئات آلاف من المدنيين العالقين هناك.

وتطرح التطورات الأخيرة في شمال غزة تساؤلات بشأن ما إذا كانت السلطات الإسرائيلية قد بدأت فعليا في تنفيذ الخطة التي اقترحها ضباط إسرائيليون متقاعدون، كما تثير أسئلة بشأن تداعيات أيّ توجه لتطبيقها على السكان ومستقبل القطاع، سياسيا وديمغرافيا.

تفاصيل "خطة الجنرالات"

وتتبنى الخطة، التي تم تقديمها إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، فكرة جوهرية مفادها أن بإمكان إسرائيل إجبار حماس وزعيمها، يحيى السنوار، على الاستسلام من خلال زيادة الضغط على سكان الشمال. 

وتبقى الخطوة الأولى من الخطة، دعوة السكان المدنيين للإخلاء نحو جنوب وادي غزة الذي أصبح خطا فاصلا في غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع المحاصر، في أكتوبر الماضي.

وبموجب الخطوة، سيعتبر من سيبقى من السكان مقاتلا، مما يعني أن اللوائح العسكرية ستسمح للقوات بقتلهم، وسيُحرمون من الطعام والماء والدواء والوقود، وفقا لنسخة من الخطة قدمها لوكالة أسوشيتد برس معدها الرئيسي، الجنرال ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، جيورا إيلاند.

وتقترح الخطة أن تواصل إسرائيل السيطرة على الشمال لفترة غير محددة، في محاولة لإنشاء إدارة جديدة بدون حماس، مقسّمة قطاع غزة إلى قسمين.

وبينما ذكر تقرير لأسوشيتد برس، أنه لم يتخذ أي قرار من قبل الحكومة لتنفيذ "خطة الجنرالات" بالكامل، نقلت، عن مسؤول، قالت إنه "على دراية بالأمر"، أن أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، دون الإشارة إلى أي شق فيها بالتحديد.

فيما أشار مسؤول إسرائيلي ثان، رفض أيضا الكشف عن هويته، أن نتانياهو "قرأ ودرس" الخطة، "مثل العديد من الخطط التي وصلت إليه طوال الحرب"، لكنه لم يوضح ما إذا كان قد تم اعتماد أي جزء منها.

بدورها، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أنه بينما يبقى من غير الواضح ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد تبنى هذه الخطة جزئيا أو كليا، تشير الأدلة الظرفية لما يجري  إلى أنها على الأقل "تؤثر بقوة" على التكتيكات المستخدمة ضد السكان.

واكتفت وحدة المتحدثين التابعة للجيش الإسرائيلي بالقول لموقع "الحرة": " لن نتطرق إلى الخطط العملياتية، جيش الدفاع الإسرائيلي يتصرف وفقا لقرارات المستوى السياسي".

المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، يرى أن القوات الإسرائيلية قد "شرعت فعليا" في تطبيق "خطة الجنرالات"، مؤكدا أن معطيات ميدانية "ملموسة تعكس توجها نحو تنفيذها" في ظل تكثيف الضغط العسكري والحصار والدعوات المتتالية للإخلاء، فضلا عن قطع وصول المساعدات الغذائية والطبية اللازمة.

وفي تصريح لموقع "الحرة"، يوضح العكة، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد المساعي العسكرية الرامية إلى "فرض منطقة أمنية بشمال غزة، في أفق إعادة احتلال القطاع".

وطوّق الجيش الإسرائيلي مدينة جباليا الواقعة في شمال غزة، منذ الأحد الماضي، وكذلك أحياء مجاورة لها، كاشفا أن  الوحدة 162 التابعة له تقوم بعمليات، وتخوض معارك في الأحياء وعمليات مصادرة أسلحة.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي كان ينفذ عمليات في شمال قطاع غزة، فإن تركيزه الرئيسي في الأشهر الماضية كان على جنوب القطاع.

وسمح هذا لحركة حماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية في الشمال، والتي يقول الجيش إنه يستهدفها الآن.

في هذا الجانب، يقول المحلل الإسرائيلي، مردخاي كيدار، إن أساس التحركات الإسرائيلية بشمال غزة "القضاء على عناصر حماس، في كل الأماكن التي تم تحريرها من سطوتهم"، ثم "فرض منطقة عسكرية بالمنطقة".

ويرجّح كيدار، في تصريح لموقع "الحرة"، أن العمليات الجديدة في شمال القطاع "لا تندرج تحت خطة ما"، بل تحت هدف الحرب المعلن، متمثّلا في القضاء على حماس.

 ويوضح أنه "في اليوم التالي للحرب، لا يمكن السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع مكان حماس، كونها جزءا من المشكلة"، بالتالي "يبقى التعويل على السكان المحليين لإدارة شؤونهم بأنفسهم"، ومن أجل الوصول لهذا المسعى ينبغي "تحييد كل المخربين من المنطقة وفرض منطقة عسكرية".

دعوات الإخلاء

وقالت وزارة الصحة في غزة، إن العمليات  الإسرائيلية المستمرة، في شمال القطاع، أسفرت حتى الآن عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، ويخشى أن يكون عشرات آخرون قد لقوا حتفهم على الطرق وتحت أنقاض منازلهم دون أن تتمكن الفرق الطبية من الوصول إليهم.

وتعرض الجزء الشمالي من غزة، الذي يسكنه أكثر من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، لقصف إسرائيلي شامل في المرحلة الأولى من الهجوم على القطاع الذي بدأ منذ عام عقب هجوم في السابع من أكتوبر.

وبعد عام من الهجمات الإسرائيلية المستمرة التي قتلت حتى الآن نحو 42 ألف فلسطيني وفقا لسلطات الصحة في غزة، عاد مئات الآلاف من السكان إلى المناطق الشمالية المدمرة.

ومع بداية العمليات الأخيرة، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حض فيه سكان بلدات بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون في شمال غزة وأحياء أخرى على إخلائها والانتقال إلى جنوب غزة.

وقال سكان إن القوات الإسرائيلية عزلت فعليا مدن بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا في أقصى شمال القطاع عن مدينة غزة، ومنعت التنقل بين المنطقتين إلا بعد الحصول على تصريح من السلطات الإسرائيلية للأسر الراغبة في مغادرة البلدات الثلاث انصياعا لأوامر الإخلاء.

في هذا الجانب، يرى المحلل الفلسطيني، أشرف العكة، أن الخطط الإسرائيلية في شمال غزة "جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقسيم القطاع  إلى ثلاثة أقسام: شمال ووسط وجنوب.

ويضيف أن "منطقة الشمال ستُخصص لإعادة الاستيطان، وستكون جزءا لا يتجزأ من السيطرة الأمنية الإسرائيلية"، أما "الوسط فسيكون منطقة لإعادة الإعمار، في حين سيُخصص الجنوب لاحتضان الفلسطينيين الراغبين في الهجرة والخروج من القطاع".

من جانبه، يقول كيدار ، إن التوجه الإسرائيلي "يميل فقط نحو فرض سيطرة السلطات الإسرائيلية على المنطقة، مع السماح للسكان بإدارة شؤونهم اليومية بأنفسهم"، مؤكدا أنه "لا يمكن السماح باستمرار تحركات الجماعات المسلحة في المنطقة وتهديدها لأمن إسرائيل".

وردا على تعليقات توجه إسرائيل لطرد الفلسطينيين من الشمال والسيطرة على أراضيهم هناك، ينفي كيدار هذا الأمر، مؤكدا أن "غالبية الإسرائيليين يعتقدون ألا مصلحة لهم، ليس في شمال غزة فقط بل في القطاع بأكمله".

بل إنهم، حسب قوله، يدعمون حلولا من شأنها ضمان الأمن والسلام للجانبين، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس ومنع السلطة الفلسطينية من العودة لإدارة القطاع.

ومع ذلك، يشير كيدار إلى وجود "أقلية صغيرة تدعو إلى طرد سكان غزة وإقامة مستوطنات إسرائيلية هناك"، معتبرا أن "هذه أصوات الأقلية، لكننا في مجتمع ديمقراطي يحق فيه لكل طرف التعبير عن رؤيته للأحداث".

"وضع إنساني خطير"

وكشف الأمين العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فيليب لازاريني، الخميس، أن "400 ألف شخص على الأقل محاصرون في المنطقة" (شمال غزة).

وأوضح في منشور  منصة أكس، أنه "مع عدم توفر الإمدادات الأساسية تقريبا، ينتشر الجوع".

ولم تدخل أي شاحنات طعام أو ماء أو دواء إلى الشمال منذ 30 سبتمبر، وفقا للأمم المتحدة وموقع الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على معابر المساعدات الإنسانية.

وردا على التقارير التي تتحدث عن فرض حصار وحملة تجويع على أهالي جباليا، يرى كيدار أن "المساعدات الغذائية لا تزال تتدفق بكميات كبيرة إلى القطاع"، واصفا  التقارير التي تصف تدهور الأوضاع الإنسانية في ظل الحصار الإسرائيلي هناك بأنها "مجرد ادعاءات كاذبة".

وحذر برنامج الأغذية العالمي، السبت، من خطورة الوضع الإنساني في شمال القطاع، قائلا إن "تصاعد العنف في شمال غزة له تأثير كارثي على الأمن الغذائي، لم تدخل أي مساعدات غذائية إلى الشمال منذ الأول من أكتوبر".

وأضاف البرنامج الأممي أنه "من غير الواضح إلى متى ستستمر الإمدادات الغذائية المتبقية لبرنامج الأغذية العالمي في الشمال، والتي تم توزيعها بالفعل على الملاجئ والمرافق الصحية".

في هذا السياق، يقول كيدار إن "حركة حماس تستغل تدفق المساعدات كمصدر للدخل، حيث تقوم ببيع المساعدات للسكان واستخدام جزء منها لتموين عناصرها"، مشيرا إلى أن "الفلسطينيين عانوا من هذه الممارسات على مدى سنوات".